ما مصير مؤسسات أسماء الأسد بعد إعلان مرضها؟

28 مايو 2024
أسماء الأسد في دمشق، إبريل 2021 (رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إصابة أسماء الأسد باللوكيميا أثارت تساؤلات حول مستقبل السيطرة على المؤسسات الاقتصادية الهامة في سوريا، نظرًا لدورها المحوري في الاقتصاد السوري دون منصب رسمي، مستفيدة من خبرتها البنكية وعلاقاتها.
- قامت بإقصاء النخب الاقتصادية التقليدية، وتعزيز موقفها عبر المكتب الاقتصادي ومشاريع دعم لجرحى النظام، وتصفية نفوذ رامي مخلوف، مما عزز من سيطرتها على الاقتصاد.
- تواجه أسماء الأسد عقوبات غربية لدورها في الاقتصاد وتحايلها على العقوبات، مع إعادة هيكلة اقتصادية تشمل مشاريع جديدة وتحديات في السيطرة على المساعدات الإنسانية وسط تطبيع عربي مع النظام.

فتح إعلان إصابة أسماء الأسد (الأخرس)، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، بمرض سرطان الدم "اللوكيميا"، وأنها "ستبتعد عن العمل المباشر والمشاركة بالفعاليات والأنشطة كجزء من خطة العلاج"، بسبب خضوعها "لبروتوكول علاجي متخصص، يتطلب شروط العزل مع تحقيق التباعد الاجتماعي المناسب" الباب على عدد من التساؤلات عمّن سيتولى في فترة غيابها إدارة المؤسَّسات التي أحكمت قبضتها عليها في السنوات الأخيرة، والتي تشكل مفاصل مهمة في الاقتصاد السوري. رسمياً، ليس لدى أسماء الأسد منصب في الدولة، ولم يمنحها الدستور الذي رسمه النظام على مقاسه أية صلاحيات، ولم تُكلَّف عملاً يستوجب إعلان ابتعادها أو اعتذارها أو تكليف بديل للقيام بالمهام المنوطة بها، لكنها تمكنت على مدى سنوات من التغلغل في المشهد الاقتصادي.

صعود أسماء الأسد

شنّت أسماء الأسد حملة واسعة لإقصاء "حيتان" تقليديين هيمنوا على اقتصاد البلاد عن المشهد، ما سمح بتفرّدها بالمشهد من خلال المكتب الاقتصادي الذي أسَّسته وألحقته برئاسة الجمهورية. وساعد عمل أسماء الأسد في القطاع المصرفي البريطاني سابقاً، كمتخصصة في عمليات الاستثمار المالية قبل انتقالها إلى سورية في عام 2000 بعد زواجها من بشار الأسد، على بناء شبكة علاقات اقتصادية ــ سياسية، بينها علاقات مع صندوق النقد الدولي، التي استثمرتها لاحقاً مع تغلغلها في مفاصل العصب الاقتصادي للنظام. وعملت أسماء الأسد على استمالة الحاضنة الشعبية للنظام، فأنشأت لهم "مشروع جريح"، لدعم ومساندة جرحى ومصابي قوات النظام والتكفل بإغاثة عائلات القتلى كذلك. كذلك لوحظ أن زياراتها للقرى والبلدات الفقيرة من حاضنة النظام هدفت إلى الترويج لنفسها، ومدّ جسور مع فقراء تلك القرى وقواعدها الشعبية، بعد الدعاية التي حاول رامي مخلوف بثّها بينهم. ومخلوف ابن خال بشار الأسد، وأنهت أسماء الأسد حضوره وصفّت أعماله ولاحقته.

عماد رافع: إقصاء أسماء الأسد هدف مشترك لقوى داخلية وخارجية

وقبيل اندلاع الثورة والحراك ضد نظام الأسد في عام 2011، بسنوات قليلة، سرت مقولة في سورية خلاصتها أن الدولة السورية باتت منظمة كبيرة بإدارة أسماء الأسد مع زيادة أنشطتها في العمل المدني واحتكاره واستجرار الدعم الأجنبي من خلاله، للمشاريع التي اتخذت غطاء التنمية المستدامة والأعمال الإنسانية. وفي الأعوام التي تلت اندلاع الثورة، تبين أن هذه المشاريع ليست سوى واجهة لشبكة اقتصادية عملت أسماء الأسد على بنائها وتقويتها. وعززت ذلك من خلال حرب التصفية الاقتصادية التي شنتها على رامي مخلوف، وشبكته الاقتصادية، التي كانت لأعوام مضت مصدر غسل أموال الدائرة الضيقة في النظام، وبالتحديد عائلة الأسد، وإدارة مشاريعهم الاقتصادية الضخمة في سورية وخارجها من خلال شركاتها ومشاريعها. لاحقاً تفرّدت أسماء الأسد بعد أن قويت شوكتها بتصفية نفوذ أشخاص معروفين في إمساكهم لاقتصاد النظام، واحداً تلو الآخر.

بعدها، تحركت أسماء الأسد عبر مكتبها الاقتصادي التابع مباشرةً للقصر الجمهوري، من خلال "حصد ما جناه الجناة"، الذين أطلق النظام أساساً يدهم للهيمنة على اقتصاد البلاد، خصوصاً في سنوات الحرب الـ 13، إذ أفرزت الحرب أمراءها على ضفة النظام، وكانت لهم أدوار أمنية وعسكرية واقتصادية، بدلاً من المتنفذين التقليديين الذين كانوا يد النظام، وتحديداً عائلة الأسد، لتحريك الأموال. والمكتب السري أو المكتب الاقتصادي هو الذي حاولت من خلاله أسماء الأسد السطو على أموال أمراء الحرب لصالحها، تحت إدارة المسؤول المالي والاقتصادي في القصر الجمهوري يسار إبراهيم، وشقيقتيه رنا ونسرين. واعتمدت أسماء الأسد كذلك على شقيقها فراس الأخرس وابن عمتها مهند الدباغ، المشمولين بالعقوبات الأميركية والأوروبية، بالإضافة إلى آخرين. وفي نهاية العام الماضي، أصدر "مرصد الشبكات الاقتصادية والسياسية" خريطة للشبكات الفاعلة في اقتصاد النظام السوري، ورسم في تقاريره شبكات عنقودية متفرعة منتشرة في أرجاء العالم، ومتحكمة بكل مفصل من مفاصل الاقتصاد، بالإضافة إلى التفافها على العقوبات، وتمويل النشاطات العسكرية والأمنية المتورطة بانتهاكات ضد المدنيين. وأظهرت هذه الخريطة دوراً محورياً لأسماء الأسد بوجودها في منتصف الدائرة، كعقدة محورية بين مختلف الشبكات.

عقوبات وتقاسم الاقتصاد

وتنبهت الدول الغربية المناوئة للنظام السوري لذلك، ولا سيما الولايات المتحدة، التي أدرجت أسماء الأسد على قائمة عقوبات قيصر في الحزمتين الأولى والسادسة منه. وشملت عقوبات الحزمة السادسة، في ديسمبر/ كانون الأول 2020، فواز الأخرس، والد أسماء الأسد ووالدتها سحر عطري، وشقيقها فراس، وعمها فراس، الذين منحتهم أسماء الأسد أدواراً اقتصادية، إلى جانب آخرين من أقاربها وغيرهم، ممن سمح لهم بالتقدم نحو الواجهة الاقتصادية للنظام. وأشارت الخارجية الأميركية حينها إلى أنّ تلك الحزمة التي استهدفت مجدداً أسماء الأسد وعدداً من أقاربها وأفراد عائلتها، صدرت بالتنسيق مع بريطانيا، التي وُلدت فيها الأسد ونالت جنسيتها.

يونس الكريم: أسماء الأسد لم تنسحب بل تقوم بإعادة هيكلة

ووفقاً لحديث الخبير الاقتصادي عماد رافع مع "العربي الجديد"، فإن أسماء الأسد "استغلت تفرد زوجها بالحكم بعدما تخلصت تباعاً من القوى المؤثرة، باستثناء شقيقه ماهر الأسد، واستطاعت أن تتقاسم مع الأخير منابع الاقتصاد السوري، فتخلت له عن المعابر الدولية وصناعة المخدرات وتهريبها، واتجهت للاستيلاء أو للتشارك في كل المؤسسات المنتجة داخل البلد على اختلاف مواردها، فكانت المالك أو الشريك لمعظم شركات الاتصالات والنفط والمصارف وشركات التأمين وغيرها من المشاريع التي يَصعب إحصاؤها". ولفت رافع إلى أنه "بحكم سيطرتها الاقتصادية، بدأ تأثيرها يزداد بشكل واضح في اتجاه القرار السياسي والأمني للبلاد، وكان هذا أكثر وضوحاً عندما فرضت إتاوات نقدية على معظم المقربين من الأسد، فجعلها هذا الصعود السريع محطّ الأنظار والهدف الأول في أي معادلة إقليمية أو دولية متعلقة بالشأن السوري، وبالتالي أرى في إقصاء السيدة الأولى عن الواجهة هدفاً مشتركاً لعدد من القوى الداخلية والخارجية، ومقدمة لمشروع سوري".

 

 

أما المحلل الاقتصادي يونس الكريم، فرأى في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "أسماء الأسد لم تنسحب من المشهد الاقتصادي، وحتى السياسي، بل تقوم بإعادة هيكلة للتحايل على الظروف الراهنة". ولفت إلى أن أسماء الأسد "تحاول إعادة تشكيل الغرفة الاقتصادية التي تديرها، ولديها حالياً مشاريع تخصّ الفوسفات والإسمنت والتعامل التجاري بهاتين المادتين نحو دول شرق آسيا وقبرص، عبر رجال أعمال دوليين تستعين بهم للتحايل على العقوبات". وكشف الكريم أنه "في ظل التطبيع العربي مع النظام، هناك اتهامات بالهيمنة على المساعدات، ولا سيما تلك التي قُدمت خلال زلزال 6 فبراير/ شباط 2023، بالإضافة إلى مستقبل المساعدات التي من الممكن أن تقدَّم إلى سورية في المستقبل، مع وجود الكثير من المؤسَّسات التي تديرها وتتحكم بها أسماء الأسد تحت غطاء إنساني، وبالتالي فإن الأمر يتطلب التحايل والالتفاف".

المساهمون