بخلاف ما كانت تتوقعه كل من الحكومة والمؤسسة العسكرية في باكستان، وحكومة "طالبان" في كابول، أعلنت "طالبان" الباكستانية، في التاسع من الشهر الحالي، إنهاء اتفاقية وقف إطلاق النار مع الحكومة، والتي كانت لمدة شهر واحد.
وبدأت الحركة بشن عمليات ضد الحكومة الباكستانية، لتصبح فرق التطعيم ضد شلل الأطفال وقوات الجيش في شمال غرب باكستان، أول الأهداف للحركة.
وبررت "طالبان" خطوتها بأن الحكومة الباكستانية لم تفِ بوعودها، ومن أبرزها إطلاق سراح السجناء ووقف العمليات ضدها، وبالتالي ليس أمامها سوى الخروج من وقف إطلاق النار، وشن عمليات ضد الأهداف الحكومية والعسكرية.
نويد صديقي: "طالبان" الباكستانية تواجه مشاكل كبيرة، بعد أن سيطرت "طالبان" الأفغانية على كابول
وقال المتحدث باسم "طالبان" الباكستانية، عمر خراساني، في بيان، إن الحركة تعلن إنهاء اتفاقية وقف إطلاق النار، بعد أن تباطأت الحكومة الباكستانية في تنفيذ بنود الاتفاقية، والتي منها إطلاق سراح معتقلي "طالبان"، ووقف العمليات ضدها، مع التواصل المستمر مع الحركة.
ومنذ انهيار وقف إطلاق النار، نفّذت طالبان الباكستانية ست هجمات على أهداف حكومية، اثنتان منها في وزيرستان، واثنتان في مقاطعة باجور، واثنتان في منطقة تانك شمال غربي البلاد.
الحكومة الباكستانية مستعدة للتفاوض وللحرب مع "طالبان"
في المقابل، أعلنت الحكومة الباكستانية استعدادها لكل السيناريوهات المحتملة. وقال وزير الإعلام في الحكومة المركزية، وهو القيادي الأهم في الحزب الحاكم والمقرب من المؤسسة العسكرية، فؤاد شودري، في تعليق له على إنهاء "طالبان" وقف إطلاق النار، إن الحكومة الباكستانية مستعدة لمواجهة كل السيناريوهات، فإذا رضيت "طالبان" بالتفاوض نتفاوض معها، وإذا أرادت الحرب فالقوات العسكرية على أهبّة كاملة لقمع كل من يعبث بأمن البلاد واستقرارها.
ويبدو أن المؤسسة العسكرية الباكستانية أيضاً رتبت أمورها من أجل القيام بعمل عسكري ضد "طالبان" الباكستانية، التي بدأت تعيش حالة صعبة بعد انهيار الحكومة الأفغانية المتهمة بدعمها، وسيطرة "طالبان" على كابول.
ومن المتوقع أن تستهدف القوات الباكستانية، من خلال عمليات موضعية، مسلحي وقادة "طالبان" في المناطق القبلية. بل لا يستبعد أيضاً القيام بعمليات ضد قيادات "طالبان" الباكستانية داخل الأراضي الأفغانية.
وفي 16 من الشهر الحالي، قالت مصادر قبلية أفغانية إن طائرة بلا طيار مجهولة استهدفت مواقع في جبال كنر شرقي أفغانستان. وبينما ذكرت مصادر محلية في "طالبان" أن القوات الباكستانية على الحدود استهدفت مناطق في إقليم كنر بهجمات صاروخية، تبين لاحقاً أن طائرة بلا طيار باكستانية استهدفت منزلاً، كان بداخله القيادي البارز في "طالبان- باكستان"، المولوي فقير محمد، لكنه نجا من الهجوم، الأمر الذي أغضب قبائل المنطقة.
المفاوضات بين "طالبان" وباكستان لم تنتهِ
وعلى وقع قرع طبول الحرب بين الطرفين، واستعداد كل منهما للحرب ضد خصمه، لا يرى مراقبون أن المفاوضات انتهت بين الطرفين بشكل كامل، وذلك بالنظر إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة، وتحديداً بعد وصول "طالبان" إلى الحكم في كابول.
وقال الإعلامي الباكستاني نويد صديقي، لـ"العربي الجديد"، إن المعضلة الأساسية بين الطرفين هي مطلب "طالبان" إطلاق سراح قيادييها وعناصرها الضالعين في أعمال العنف الكبيرة، إذ إن الحكومة ترضى بإطلاق سراح معتقلي "طالبان" العاديين، لكنّ هناك مطلوبين وضالعين في أعمال العنف، والجيش الباكستاني لن يرضى بإطلاق سراح هؤلاء.
وحول وضع "طالبان" وقوتها العسكرية، قال صديقي إن للحركة نفوذاً وقوة في المناطق القبلية وفي المناطق الباكستانية الأخرى، وبالتالي بإمكانها استهداف المواقع العسكرية والمنشآت الحكومية.
لكنه أشار إلى أن "طالبان" الباكستانية تواجه مشاكل كبيرة، بعد أن سيطرت "طالبان" الأفغانية على كابول، وبالتالي هي لا تستطيع أن تستخدم الأراضي الأفغانية كما كانت تفعل في السابق، في زمن حكم أشرف غني، ما سيضيّق الخناق عليها.
وأشار صديقي إلى أن "طالبان" الأفغانية قد تستخدم القوة ضد "طالبان" الباكستانية إذا استمرت في سياسة الحرب، لأن كابول في الوقت الراهن بحاجة إلى دعم إسلام أباد، وهي لا تتحمل بأية حال استياء باكستان منها.
ولفت إلى أن إسلام أباد تقدم الكثير لكابول في هذا الوقت العصيب، وبالتالي على كابول أن تلعب أيضاً دورها في قمع "طالبان" الباكستانية، إذا رفضت الحوار مع الحكومة واستمرت في موقفها الحالي.
لكن المحلل الأمني الأفغاني إسماعيل وزيري استبعد في الوقت الحالي أن تقوم "طالبان" الأفغانية بأي عمل عسكري ضد "طالبان" الباكستانية، والسبب هو الولاء القبلي. وأكد أن القيادة السياسية في "طالبان" قد ترضى بذلك، لكن القيادة العسكرية لن ترضى، لأن أبناء التنظيمين هم من القبائل المتاخمة على الحدود، وهو ما سيشكل صداعاً جديداً لـ"طالبان" الأفغانية التي تواجه مشاكل داخلية كبيرة.
دفع "طالبان" الباكستانية إلى الحوار
ويتفق كل من صديقي ووزيري على أن الحل الوسط أمام "طالبان" أفغانستان للخروج من هذه الحالة هو حثّ "طالبان" الباكستانية على الحوار مع الحكومة، إذ في هذه الحالة سترضى إسلام أباد أيضاً، وتتجنب القيام بأي عمل عسكري ضد "طالبان" الباكستانية.
لكن المعضلة الأساسية هي أن "طالبان" الباكستانية حالياً مكونة من فصائل مختلفة، وكل تلك الفصائل قد لا ترضى بالحوار مع إسلام أباد. كما أن صداماً بين "طالبان" الباكستانية والأفغانية قد تستغله تنظيمات مسلحة مناوئة للحركة، مثل "داعش"، وهو ما لا تتحمله "طالبان" أفغانستان.
إسماعيل وزيري: "طالبان" أفغانستان كانت تراهن إلى حد كبير على الوساطة بين "طالبان" الباكستانية والحكومة
وقال وزيري إن المعطيات على الأرض، والتي تشير إلى وقوع سيناريوهات مختلفة، كلها تؤكد أن "طالبان" أفغانستان في موقف حرج، وهي كانت تراهن إلى حد كبير على الوساطة بين "طالبان" الباكستانية والحكومة، وكان ذلك من أهم ما أعلنه وزير خارجية "طالبان"، الملا أمير خان متقي، خلال زيارته إلى إسلام أباد الشهر الماضي. لكن إذا لم توافق "طالبان" على الحوار مرة أخرى، حينها سيكون طلب إسلام أباد القيام بالعمل العسكري ضد "طالبان" الباكستانية، وهذا ما لا تتحمله كابول.
وأكد وزيري أن فصائل في "طالبان"، مثل فصيل حافظ غول بهادر ومنغل باغ المنفصلين عن "طالبان" الباكستانية، لم تكن موافقة من اليوم الأول على الحوار مع الحكومة الباكستانية.
لكن زعيم "طالبان" مفتي نور ولي نفى، في تصريح له عقب انتهاء وقف إطلاق النار، وجود أي نوع من الخلافات بين فصائل "طالبان" الباكستانية. وشدد، في الوقت نفسه، على أن احتمال استمرار المفاوضات بين الطرفين ما يزال موجوداً، وأن "طالبان" الباكستانية لا تزال تؤمن بحل المعضلة عبر الحوار، لكن المشكلة الأساسية هي عدم قيام الحكومة الباكستانية بتنفيذ بنود التوافق.
شكوك بقدرة "طالبان" على مواصلة القتال
وفي ظل المتغيرات الجديدة على الأرض، وأبرزها سيطرة "طالبان" الأفغانية على كامل التراب الأفغاني، يقول مراقبون إنه لا يمكن لـ"طالبان" الباكستانية مواصلة الحرب، والحوار هو الحل الأمثل ولصالح الطرفين، لكن الخروج عن اتفاقية وقف إطلاق النار لمدة شهر، ليس إلا لممارسة الضغط على الحكومة الباكستانية من أجل قبول مطالب الحركة.
ووفق مصدر قبلي، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن من بين مطالب الحركة الإفراج عن المعتقلين وخروج قوات الجيش الباكستاني من المناطق القبلية، علاوة على سحب قانون ضم المناطق القبلية إلى إقليم خيبر بختونخوا.
وكانت الحكومة الباكستانية قد قررت، في مايو/أيار 2018، ضم المناطق القبلية إلى إقليم خيبر بختونخوا. وصادق على المشروع البرلمان الباكستاني، والرئيس في ذلك الحين ممنون حسين.