مؤتمر المناخ: بين سخونة البيئة وسخونة السياسة

24 ابريل 2021
عُقد المؤتمر بدعوة من بايدن بمناسبة يوم الأرض (مصطفى كماشي/الأناضول)
+ الخط -

قمة المناخ الافتراضية التي دعا اليها الرئيس الأميركي جو بايدن بمناسبة يوم الأرض، والتي انتهت الجمعة في واشنطن، شكلت حدثاً هاماً، خصوصاً أنها تأتي في أعقاب عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس، بعد أن انسحبت منه في زمن الرئيس دونالد ترامب. والأهم فيها أنها أتت لتؤكد أن التعاون الدولي في القضايا الكونية الكبيرة إجباري ولا غنى عن تطويره مهما كانت هوّة الخلافات واسعة بين أطرافه. وهذه حاجة أثبتتها جائحة كورونا، التي ساعد القصور العالمي المشترك في فشل التصدي لها، بما ترك المجال لاستمرار خطرها حتى اللحظة وإلى إشعار آخر. وربما تكون تجربة هذا الفيروس وكلفته الهائلة قد أرخت بثقلها على قمة المناخ، بحيث انتهت بالتزامات فارقة نسبياً، ولو أنها غير حاسمة وأقل من المطلوب. ويعود ذلك في معظمه إلى الانعكاس غير المنظور للتنافر السياسي المتزايد بين الثلاثة الكبار على وجه الخصوص.

على مدى يومين، ناقش 40 رئيس دولة تمثل أكثرية سكان العالم وأكبر اقتصاداته، موضوع الاحتباس الحراري ومخاطره الكونية الزاحفة، وضرورة استباقها بمعالجات جماعية ناجعة ومستعجلة. التسليم الشامل بوجود خطر حقيقي كاسح يهدد أنماط وتنوع الحياة وتوازنات النظام البيئي، فرض الجدية في التشخيص والطروحات والمداولات، لمواجهة مثل هذا التحدي الذي لن يكون بالمقدور التحكم بتداعياته لو فشل العالم في استباقه ومنع حصوله. وبالتالي، ينذر بكوارث غير مسبوقة. واقع الحال المقلق فرض هذه المرة تنازلات، على ما بدا من وعود المؤتمِرين. مساحة المناورة ضاقت أمام الأرقام وتحذيرات العلماء التي تقول، ومنذ 2016، إنه لو ازدادت سخونة الكرة الأرضية درجة ونصف درجة مئوية عما كانت عليه قبل فجر الثورة الصناعية مع حلول 2030 ودرجتين مع 2050، عندئذ ستحصل تغييرات مناخية يتعذر ردّها. من أخطرها "الجفاف والأعاصير العاتية وتآكل النظام البيئوي وانقراض كائنات حية"، مع ما يؤدي إليه ذلك من "شح متزايد في مصادر الغذاء ومياه الشرب، فضلاً عن تسرّب كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون من منطقة المحيطات المتجمدة بفعل ذوبان بعضها بفعل السخونة". ويعزى ذلك إلى التخريب الإنساني المتأتي عن "التمادي في التلوث، والطاقة الأحفورية، وتدمير الغابات، وتردي نوعية 33% من التربة التي تختزن من الكربون أضعاف كمياته في الفضاء وفوق الأرض".

وبحسب وكالة "ناسا" الفضائية الأميركية، "كانت السنوات الخمس الأخيرة الأكثر سخونة بين عامي 1880 و2019، حيث بلغت معدل 0,98 درجة مئوية. ومثلها جاءت أرقام مركز الدراسات في جامعة ألاباما التي كشفت عن ارتفاع حراري بمعدل 0,130 درجة كل عشر سنوات خلال فترة ما بين 1978 و2019. والمعروف حسب الدراسات العلمية، أن الحرارة الكونية أخذت مدة خمسة آلاف سنة لترتفع بين 4 و7 درجات مئوية فقط. المقارنة تنذر بالخطر الذي استعرضته القمة التي خرجت بتعهدات نوعية، وإن كانت غير ملزمة، أبرزها تعهد بايدن بخفض 52% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون (حصة أميركا الملوث الثاني: 16%) مع حلول 2030 وبلوغه الصفر مع 2050. جاءت بعدها اليابان، 40 – 45% مع 2030. الصين الملوث الأول (28,6%)، تحدثت عن النية "ببلوغ القمة" مع 2030، وبتصفير الانبعاث مع حلول 2060. أي بعد 10 سنوات من الخط الأحمر الذي حدّده العلماء! أما روسيا، فاكتفت بالالتزام "بخفض هام" من غير تحديد رقم، مشددة على أنها قضت حتى الآن على 50% مما كانت علية نسبة هذا الغاز في 1990. وكذلك الهند، التي تعهدت بالانتقال إلى "الطاقة المتجددة" مع 2030، من غير ذكر نسبة واضحة في خفض الكربون.

إجمالاً، الالتزامات ليست قاطعة، لكنها خطوة واعدة نسبياً ومقارنة مع السوابق، وحتى الطموحة منها كالتي طرحتها إدارة بايدن، من المستبعد في تقدير الخبراء أن تتحقق، نظراً لضيق الوقت، ناهيك عن الشروط الناجمة المتوقع أن يفرضها الكونغرس على مثل هذه العملية. لكن مع ذلك، حقق الرئيس بايدن بالقمة خبطة دولية جديدة، أظهرته مرة أخرى أنه "رئيس فاعل في الداخل ويعني ما قاله عن الدور القيادي لأميركا"، كما بدا أنه أوفى بوعد آخر من شأنه أن ينعكس بصورة إيجابية على رصيده العالي الذي ما زال ينعم به لغاية الآن.

المساهمون