أدخل موقف المجلس الأعلى للدولة الليبي من إصدار مجلس النواب قوانين الانتخابات البرلمانية والرئاسية مسار الانتخابات في نفق من الغموض والخلافات المبطنة، في الوقت الذي يعول فيه مراقبون على موقف البعثة الأممية والمجتمع الدولي لحسم اتجاه العملية السياسية.
وفيما أعلن رئيس مجلس الدولة محمد تكالة تمسكه بنسخة القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6 المشتركة مع مجلس النواب الصادرة في الثالث من يونيو/ حزيران، قرر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إصدار القوانين الانتخابية في نسختها المعدلة من لجنة 6+6 بنشرها في الجريدة الرسمية وإحالة نسخة منها إلى المفوضية العليا للانتخابات.
وقرر تكالة حل فريق مجلس الدولة الممثل له بلجنة 6+6 بعد إنجاز مهمته، ودعا "جميع الأطراف المنخرطة في العملية السياسية والمعنية بتسوية الأزمة إلى استئناف السير في هذه العملية من خلال بحث ومعالجة القضايا الخلافية واقتراح سبل الوصول إلى إطار قانوني يكون قابلا للتنفيذ ويقوم على إجراء انتخابات وطنية شاملة يقبل الجميع بنتائجها".
وبعدما أصدرت لجنة 6+6 القوانين الانتخابية في الثالث من يونيو/ حزيران إثر انتهاء مشاورات أعضائها في أبوزنيقة المغربية، تحفظ عقيلة صالح على مضمون القوانين ورفض الظهور في حفل مراسم التوقيع عليها الذي كان مقررا وقتها أن يجري رفقة رئيس مجلس الدولة السابق خالد المشري في المغرب، واستمرت ممانعة صالح في قبول القوانين خلافا لنصوص التعديل الدستوري التي تؤكد أن مخرجات اللجنة "ملزمة ونهائية" ولا يجوز فيها التعديل.
من جانبها، دفعت المفوضية العليا للانتخابات بجملة من الملاحظات وطالبت بتضمينها حتى تصبح القوانين قابلة للتنفيذ، وهو ما شددت عليه البعثة الأممية التي رأت أن المشاورات حول تضمين أي تعديلات يجب أن لا تقتصر على مجلسي النواب والدولة بل بمشاركة سياسية أوسع من قبل جميع القادة الليبيين والقوى الوطنية.
وعلى أثر ذلك عقدت لجنة 6+6 عديد اللقاءات غير المعلنة، ضمنت خلالها التعديلات المطلوبة من قبل المفوضية العليا للانتخابات، وأحالتها إلى مجلس النواب الذي رحب بالقوانين في نسختها المعدلة وصوت بالموافقة على إصدارها، في جلسة الاثنين الماضي، قبل أن يعلن صالح بالأمس عن قراره بنشرها في الجريدة الرسمية وإحالة نسخة منها للمفوضية، في إشارة واضحة لإصدارها بشكل رسمي.
تعديلات جوهرية دفعت مجلس الدولة للاعتراض
ويبدو أن مبعث اعتراض مجلس الدولة هو إدخال تعديلات وصفتها مصادر مقربة من المجلس بـ"الجوهرية"، وأنها لم تكن "وفقا لملاحظات المفوضية التي كانت فنية فقط وتخص المواعيد والآجال الزمنية لمراحل إجراء الانتخابات، وإزالة التضارب في بعض المواد".
ووفقا للمصادر ذاتها، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن ممثلي مجلس الدولة أقروا خلال جلسة الأمس بالموافقة على إدخال تعديلات تخص شروط الترشح وتغيير بعض المعايير، مثل قبول العسكريين وحملة الجنسيات الأجنبية في سباق الانتخابات الرئاسية، وسط اعتراض عدد من أعضاء المجلس الذين أكدوا أن التعديلات أرجعت القوانين إلى دائرة الخلافات مجددا من خلال إقرار النقاط الجدلية نفسها.
وهو ما أكده حديث صالح، خلال جلسة الاثنين الماضي، الذي قال إن القوانين لا تقصي أحدا من الترشح، بمن فيهم حملة الجنسيات الأجنبية بالترشح للجولة الأولى للانتخابات الرئاسية والعسكريين، على أن يسمح لهم بالعودة إلى سابق عملهم في حال خسارة أي منهم في الانتخابات.
ودون أي تفاصيل، أكد عضو لجنة 6+6 عن مجلس الدولة فتح الله السريري، خلال حديث مع "العربي الجديد"، أنه لا توجد أي نسخة "غير نسخة القوانين التي أقرتها اللجنة في أبوزنيقة التي جرت عليها بعض التنقيحات في شأن بعض الأخطاء"، مشيرًا إلى أن مخرجات اللجنة جرى التصويت عليها من قبل أعضاء اللجنة، وهي نهائية ومحصنة بالإعلان الدستوري.
ورغم تأكيد الناشط السياسي أشرف النيهوم أن الليبيين يعولون بشكل كبير على مخرجات لجنة 6+6 وسرعة إحالتها لمفوضية الانتخابات، إلا أنه يرى في الوقت ذاته أن خطوة تكالة الرافضة ضمنيا للنسخة المعدلة والتأكيد على تمسكه بالنسخة الأولى للقوانين "مهمة لوقف مراوغات عقيلة صالح الذي لا يرغب أصلا في إجراء الانتخابات، وإنما هدفه تغيير الحكومة خدمة لمصالحه ولزيادة عرقلة مسار الانتخابات"، بحسب تعبيره.
وقال النيهوم لـ"العربي الجديد"، إن "صالح فقد ورقة القوانين الانتخابية التي كان يرغب في الإمساك بها ويتمسك بعدم إصدارها بشكل رسمي إلا بعد تشكيل حكومة كما يرغب، فقد اضطر بالأمس مصدوما بموقف تكالة إلى إصدارها بشكل رسمي بتوقيعها ونشرها في الجريدة الرسمية.
وأضاف "موقف تكالة لن يمكنه من التنسيق معه لتشكيل حكومة جديدة، ولن يفعل ذلك بشكل أحادي لأنه يعرف أنه سيكرر سيناريو حكومة حماد غير المعترف بها دوليا، والتي تحولت لأداة طيعة في يد خليفة حفتر خصمه في شرق البلاد".
وتابع النيهوم قائلا "عقيلة صالح ضمن من خلال القوانين التي أصدرها أن الانتخابات لن تجري وستلقى اعتراضا من الجميع، فإن كانت الشروط الجديدة الخاصة بمزدوجي الجنسية والعسكريين تسمح لحفتر بالترشح، إلا أنها تسمح أيضا لسيف الإسلام القذافي بالترشح الذي لن يبقي لحفتر أي حظوظ في النجاح، فأصوات الجنوب ستذهب لسيف، وأغلب أصوات الشرق لا تريد حفتر وفي الغرب أيضا".
واستطرد أيضًا "من ناحية أخرى، السماح لسيف الإسلام بالترشح يعني رفضا مؤكدا للقوانين من جانب المجتمع الدولي لا سيما العواصم الغربية وواشنطن"، مشيرا إلى أن قرار تكالة بحل ممثلي مجلس الدولة في لجنة 6+6 "قطع الطريق أمام استغلالها من قبل أي طرف، بدعوتها للعودة لإجراء تعديلات جديدة في القوانين، وقطع أمل صالح في تشكيل حكومة جديدة تخدم أطرافا بعينها".
مفتي ليبيا يعلن رفضه تشكيل حكومة جديدة
وخلال محاضرته الأسبوعية أعلن مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني، ليل البارحة، عن رفضه تشكيل حكومة جديدة، معتبرا أن الحل "يكمن في تعجيل الانتخابات".
وفي إشارة لخطاب صالح الذي وجهه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يطلب منه حشد الدعم الدولي لتشكيل حكومة موحدة في ليبيا، قال الغرياني، في محاضرته ليل البارحة: "من يريدون جلب حكومة جديدة توحد ليبيا يستنجدون بالأمم المتحدة، رغم أن الحكومة الحالية اسمها حكومة الوحدة الوطنية".
وأضاف "هؤلاء لا يريدون الانتخابات لأنها ستزيحهم من مناصبهم، ويمكن إجراء الانتخابات في ظل حكومة الوحدة الوطنية، وعقيلة صالح كان مُنافسًا لها".
وفي ما يبدو إدراك من مجلس النواب استحالة إجراء الانتخابات وفقا للقوانين التي أصدرها مجلس النواب أخيرا، استنكر عضو مجلس النواب عبد السلام نصيبة اعتراض مجلس الدولة على القوانين التي أصدرها مجلس النواب، وقال في تصريحات صحافية: "الكثيرون في انتظار تغريدة للسفير الأميركي، وبيان سفراء الدول الستة، لتحديد موقفه من قوانين الانتخابات.. فعلاً إرادة وطنية".
الحل الوحيد بانتظار الموقف الأممي والدولي
ويرى إبراهيم العالم، عضو حزب التجمع الليبي من أجل السلام والوفاق، أن انتظار الموقف الأممي والدولي "الحل الوحيد والممكن في أوساط القوى السياسية والوطنية الليبية"، متهما مجلسي النواب الدولة بأنهما "لم يتركا للوطنية مكانا".
وتابع "بات الجميع يعرف جيدا أن البعثة الأممية التي تمثل إرادة المجتمع الدولي هي التي يمكنها إنهاء احتكار المجلسين لمصير العملية السياسية".
ويعتبر العالم في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن موقف تكالة "أكثر توازنا، فقد حقق من خلاله وقف مناورات والتفاف عقيلة صالح من خلال القوانين، وأرسل رسالة ضمنية في الوقت ذاته إلى المجتمع الدولي بقبول الانخراط في مفاوضات سياسية بمشاركة أوسع وأشمل".
كما اعتبر أن الموقف الدولي والأممي المنتظر "السبيل الوحيد لإجلاء غموض موقف مجلسي النواب والدولة"، معربا عن أمله في أن يقول المجتمع الدولي "كلمة قوية" تدفع العملية السياسية باتجاه جديد نحو إجراء الانتخابات وتخليص الوسط السياسي من قادة المجلسين. ورجح أن يتجه المجتمع الدولي باتجاه الضغط على الجميع لقبول عملية سياسية شاملة لتوضيح مصير الانتخابات و"انتشال النقاط العالقة في القوانين الانتخابية".