كثّف المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، من لقاءاته بالقادة العسكريين في ليبيا لدعم مسار العملية الانتخابية، في الوقت الذي يُنتظر فيه أن يستمر مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في توافقاتهما لصياغة قوانين انتخابية.
وبعد إصدار مجلس النواب، مطلع فبراير/شباط الماضي، تعديلاً على الإعلان الدستوري (الدستور المؤقت) ليكون أساساً دستورياً لإجراء الانتخابات المؤجلة منذ نهاية 2021، وإقرار مجلس الدولة التعديل في مارس/آذار الجاري، تراجع نشاطهما، حيث كان من المقرر أن يشتركا في تشكيل لجنة تقوم على صياغة القوانين الانتخابية، إلا أنه لم يصدر عنهما شيء حتى الآن.
وكان باتيلي أعلن، في 27 فبراير/شباط الماضي، عن عزمه إطلاق مبادرة لتشكيل "لجنة توجيهية" مؤلفة من جميع الأطياف السياسية والمجتمعية في البلاد، لتيسير الوصول للأسس الدستورية والقانونية للانتخابات لإجرائها خلال العام الجاري، إلا أن توافق المجلسين على تعديل الإعلان الدستوري اضطره للتراجع خطوات والترحيب بتوافقهما والإعلان عن انتظارهما حتى يونيو/حزيران المقبل لإصدار القوانين الانتخابية.
ووسط إمكانية تفجر الخلافات مجدداً بين المجلسين، خصوصاً أن مجلس الدولة لم يتمكن من استئناف اجتماعاته حتى الآن بسبب استمرار خلافات أعضائه حول قانونية الجلسة التي جرى إقرار التعديل الدستوري فيها، ودعوة رئاسة مجلس النواب لجلسة، يوم الاثنين المقبل، للمضي في إصدار القوانين الانتخابية ولو بشكل أحادي، ذهب باتيلي إلى التركيز على إحياء المسار العسكري ودعوة القادة العسكريين إلى دعم المسار الانتخابي وتهيئة الظروف الأمنية له.
وبعد أن عقدت البعثة الأممية اجتماعاً ضم أعضاء لجنة 5+ 5 العسكرية المشتركة وعدد من قادة المجاميع المسلحة من غرب وشرق البلاد، الأربعاء الماضي، في العاصمة التونسية، عقدت مجموعة العمل الأمنية الدولية بشأن الملف الليبي اجتماعاً في اليوم التالي بمشاركة رئيسي أركان الغرب والشرق، اللواء محمد الحداد واللواء عبد الرزاق الناظوري.
وفيما قالت البعثة الأممية أن هدف اجتماع القادة العسكريين كان "إرساء بيئة آمنة ومؤاتية للدفع بالعملية السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال العام الحالي 2023"، قالت ان المجتمعين اتفقوا على "توحيد الصف والمضي قدماً باتجاه تنظيم انتخابات" خلال العام الجاري، ومواصلة اللقاءات بينهم "من أجل العمل الأمني المشترك لضمان تأمين العملية الانتخابية".
وفي الاجتماع الثاني لمجموعة العمل الأمنية الدولية، التي تضم ممثلين عن البعثة الأممية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وتركيا وإيطاليا والاتحاد الأفريقي، بمشاركة الحداد والناظوري، جرت مناقشة "دور ومهام القوة العسكرية المشتركة التي تم الاتفاق على تشكيلها في الاجتماعات السابقة وتجهيزها بالشكل اللازم"، بالإضافة لمواصلة مناقشة ملف انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة.
وجاءت هذه الاجتماعات النشطة في دعم المسار العسكري في الوقت الذي أعلن فيه مجلس الأمن دعمه لمبادرة باتيلي الهادفة لإجراء الانتخابات خلال العام الجاري، ومرحباً في الوقت ذاته بتقدم مجلسي النواب والدولة في المسار الدستوري، والتأكيد على الحاجة الضرورية للتوافق السياسي والأطر القانونية لإجراء الانتخابات لاستكمال الانتقال السياسي في البلاد.
وعلى الرغم من الغموض الذي لا يزال يحيط بتفاصيل مبادرة باتيلي، خصوصاً تشكيل لجنة من كل الأطياف السياسية والاجتماعية، إلا أن المبادرة حظيت بدعم دولي واسع خصوصاً من جانب واشنطن ولندن وعواصم من الاتحاد الأوروبي، في ظل معارضة مصرية معلنة وتحفظ روسي وصمت عدد من العواصم الإقليمية من بينها أنقرة.
وفيما لم يُعلن عن أي نتائج ملموسة في المسار العسكري خلال الاجتماعين، الأربعاء والخميس، كشف مصدر عسكري ليبي عن اجتماع القادة العسكريين من غرب وشرق البلاد، الأربعاء الماضي، كان محور نقاشاته تشكيل قوة عسكرية مشتركة بقيادة واحدة، مشيراً إلى أن التوجيه الدولي لأولى مهام هذه القوة هو التوجه إلى الجنوب الليبي والانتشار في المرافق الحيوية، خصوصاً المنشآت النفطية.
وبحسب المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد" فإن النقاش لا يزال مبدئياً، موضحاً أن الاجتماع ناقش مقترحاً لتشكل القوة من ثلاث وحدات، من الشرق والجنوب والغرب، وقال: "تخللت النقاش خلافات حول تسليح القوة، وما إذا كان السلاح خفيفاً أم ثقيلاً، وكيف يكون متوازناً في الوحدات الثلاث، فضلاً عمن يوفر الغطاء الجوي للقوة المشتركة في حال انتشارها في مواقعها"، مشيراً إلى خلافات أخرى بين قادة المجموعات المسلحة في غرب البلاد على خلفية اختلاف مواقفهما المؤيدة للحكومتين، حكومة الوحدة الوطنية والحكومة المكلفة من مجلس النواب.
وفيما يعتقد المصدر أن اللقاء الذي جمع الحداد والناظوري جاء لمحاولة إرسال تطمينات لكافة الفصائل المسلحة في البلاد، قال المصدر أن "العقبات لا تزال كبيرة أمام تشكيل هذه القوة مع وجود قوات أجنبية كالقوات التركية والروسية إلى جانب معسكري غرب وشرق البلاد".
ويذهب أشرف النيهوم، المحلل السياسي الليبي، إلى تأييد خطوة إحياء المسار العسكري ودعمه من قبل باتيلي، وقال متحدثاً لـ"العربي الجديد" إنها "قد تكون إحدى الآليات البديلة التي تحدث عنها باتيلي وقادة العواصم الغربية، وهي آلية ناجعة إذا ما نجح باتيلي في تجاوز سيطرة مجلسي النواب والدولة على مسار الإعداد لإجراء الانتخابات، فالسلاح ومن يتحكم فيه هم المسيطرون الفعليين على الأرض"، مشيراً إلى أن تشكيل القوة المشتركة سيحل إشكال من يؤمن الانتخابات، خصوصاً في الجنوب الليبي.
وعلاوة على أن القوة المشتركة ستكون طريقاً لنزع فتيل عودة الحرب مجدداً، فإنها ستعزز الثقة بين الأطراف المسلحة وتدفعها لتأمين العملية الانتخابية في مناطقها، بحسب النيهوم.
لكن في المقابل، يرى الباحث في الشأن السياسي، بلقاسم أبساط، أن تلك الاجتماعات العسكرية كشفت الغطاء عن التوجهات السياسية الخارجية الداعمة لإجراء الانتخابات، متسائلاً: "لماذا التوجه لتشكيل قوة مشتركة تذهب لتأمين الجنوب الليبي تحديداً، والمنشآت النفطية من بين أهدافها وليس الانتخابات فقط".
ويرى أبساط، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "دعم عواصم الغرب للعملية الانتخابية لها وجه سياسي يهدف لوصول قادة جدد إلى خدمة المصالح الغربية من جانب، ومن جانب آخر، لتضييق الخناق على الوجود الروسي المنتشر قريباً من المنشآت النفطية"، مشيراً إلى احتمال فشل كل تلك المساعي اذا استمرت في إطار المناكفة بين العواصم الغربية وموسكو في الملف الليبي، وقال: "مثل هذه الخطوات تشكل خطراً على الانتخابات بكاملها، فموسكو لا يزال لديها خيار حق النقض في مجلس الأمن ضد مبادرة باتيلي، خصوصاً أن لديها شريكاً إقليمياً يرفض المبادرة وهو الجانب المصري".
وتابع أبساط: "عندها لن يكون هناك من خيار سوى رجوع الكرة إلى ملعب مجلسي النواب والدولة وعودة حالة الصراع والانسدادات، والدخول في مرحلة جديدة لا آخر لها".