تتضارب المعطيات حول مقترح جديد يجري التسويق له كحل للأزمة الليبية المتفاقمة، يقوم على تشكيل حكومة جديدة. ففي حين تؤكد مصادرغربية ومصرية من القاهرة أنه يجري العمل على هذا المقترح الذي حظي بدعم بعض الأطراف الليبية، تنفي مصادر أخرى في طرابلس طرحه بشكل رسمي، مع عدم استبعاد حصول اتفاقات من تحت الطاولة.
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري أول من تحدث علناً عن هذا الأمر، إذ اقترح، في تصريحات لقناة "ليبيا الأحرار" الأسبوع الماضي، تشكيل حكومة مصغّرة تتولى التحضير لإجراء الانتخابات المقبلة.
وجاء ذلك تعليقاً على الأحداث التي شهدتها العاصمة طرابلس الأسبوع الماضي إثر محاولة رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، دخولها، وطرده من قبل كتائب عسكرية موالية لحكومة عبد الحميد الدبيبة. وأضاف المشري في تصريحاته مطالباً باشاغا بالاستقالة، والدبيبة بقبول التغيير، من دون أي توضيحات أخرى.
وفي السياق، كشف مصدر دبلوماسي غربي في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، عن تقديم مقترح فرنسي أخيراً لتحريك المشهد المتأزم "يتضمن تشكيل حكومة جديدة، بالتكليف البرلماني الممنوح من مجلس النواب، من خلال إعادة هيكلة حكومة باشاغا، وإيجاد حالة توافق بين مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة".
تصور فرنسي بتشكيل حكومة جديدة يرأسها باشاغا ويكون له نائب واحد يختاره مجلس الدولة
وأوضح المصدر أن "التصور الجديد يقضي بتشكيل حكومة برئاسة باشاغا، على أن يكون له نائب واحد فقط، ويكون من اختيار المجلس الأعلى للدولة، مع منحه أيضاً حق تسمية عدد من الحقائب الوزارية لا تقل عن أربع، مقابل سحب دعم المجلس الأعلى للدولة لحكومة الدبيبة".
ولفت إلى أن "مشاورات مصرية فرنسية جرت أخيراً بشأن هذا التصور، خصوصاً في ظل الاقتناع المصري بباشاغا واستعداد القاهرة لدعمه بدرجة واسعة إذا تمت تهيئة الظروف مجدداً له".
مشاورات المشري وصالح في القاهرة
بالتوازي، كشف مصدر دبلوماسي مصري، عن طبيعة المشاورات التي جرت في القاهرة بدعم مصري بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، وخالد المشري مطلع مايو/أيار الحالي. وأوضح أن "المشري ناقش مع صالح إمكانية رفع الدعم عن كل من الدبيبة وباشاغا، والتوافق حول اسم جديد يقود حكومة محددة المدة، تعيد فتح الموانئ والآبار النفطية، وتتولى التجهيز للانتخابات، وتشرف على إجرائها". وأشار المصدر إلى أن "هذه الرؤية حظيت بقبول مبدئي من الطرفين".
ولفت المصدر إلى أن "المسؤولين المصريين عملوا على تهيئة المناخ للوصول إلى توافق بين المسؤولَين الليبيَين في محاولة لتهيئة الأوضاع لاتفاق جديد ينهي الأزمة الحالية في ليبيا بالشكل الذي يحقق المصالح المصرية من جانب، ويضمن درجة من التوافق مع الأطراف الرئيسية الفاعلة في المشهد الليبي وفي مقدمتها تركيا"، مشيراً إلى أن أنقرة "لم تُبد ممانعة صريحة لتولي باشاغا مقاليد الأمور في ليبيا بحال تم التوافق حول ذلك بين المكونات والأجسام الليبية الشرعية".
وقال المصدر إن باشاغا "أكد للأتراك خلال زيارة إلى أنقرة أخيراً، صون الاتفاقات الموقّعة، ممثلة في الاتفاقية الأمنية والاتفاق البحري بشأن ترسيم الحدود الموقّعين بين أنقرة وحكومة الوفاق الوطني السابقة، إلى حين إجراء الاستحقاقات الانتخابية، ووجود حكومة جديدة منتخبة وأجسام منتخبة تحسم مصير هذه الاتفاقيات".
لكن مقابل ذلك، نفى عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، أن يكون مقترح تشكيل حكومة جديدة قد طُرح بشكل رسمي على أعضاء مجلس الدولة. وقال لـ"العربي الجديد": "سألتُ رئيس المجلس خالد المشري بنفسي عن مثل هذه الأنباء، فنفى وجودها". لكن بن شرادة استدرك بأنه لا يستبعد وجود مثل هذا الأمر، "ولكن تحت الطاولة وبشكل غير معلن، فالسنوات الماضية عوّدتنا أن أغلب الاتفاقات تجري من تحت الطاولة قبل أن الإعلان عنها رسمياً".
وأضاف: "ربما يكون سعي المشري أو صالح في هذا الاتجاه هدفه الضغط على الأطراف أو على الحكومتين لتحقيق مصالح ما"، في إشارة إلى حكومتي الدبيبة وباشاغا.
سعد بن شرادة: مقترح تشكيل حكومة جديدة لم يطرح بشكل رسمي على أعضاء مجلس الدولة
وأكد بن شرادة أن "مجلس الدولة لا يؤثر في الدبيبة حتى لو سحب المجلس يده منه، لأن الدبيبة متمترس خلف كتائب مسلحة، والرأي الأخير ليس للمجالس النيابية أو غيرها، بل لمن يمتلك السلاح على الأرض". وأضاف: "من يساوم ليس صالح ولا المشري اللذين في الحقيقة لا يملكان شيئاً، بل قادة المجموعات المسلحة، في الغرب أو الشرق، وحتى إن جرى اتفاق بين الرجلين لتشكيل حكومة جديدة فلن يتحقق إلا بأمر من الأطراف المسلحة".
من جهته، تحفظ المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، عن التعليق على هذه المعلومات، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن المجلس قال كلمته عندما شكّل حكومة برئاسة باشاغا، وسحب الثقة من الدبيبة. وأشار إلى أن المجلس منشغل بالعمل على تنفيذ الاستحقاق الانتخابي عبر الوصول إلى إطار دستوري متفق عليه.
وكان المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب، فتحي المريمي، قد نفى في تصريحات صحافية، وجود نيّة لدى مجلس النواب لتشكيل حكومة مصغرة. وقال "لا صحة لما يجري تداوله حول تشكيل حكومة مصغرة في ليبيا، بل العمل جارٍ على دعم ومساندة حكومة فتحي باشاغا من كل الأطراف الليبية لأنها هي الحكومة الشرعية، والتي جاءت بقرار ليبي". وأشار إلى أن مجلس النواب سيقر ميزانية رسمية لحكومة باشاغا، في إشارة لتأكيد استمرار دعم المجلس النواب لهذه الحكومة.
ترتيبات للقاء بين مبعوثين دوليين حول ليبيا
في هذا الوقت، قالت مصادر مصرية مقربة من اللجنة المعنية بالملف الليبي، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك ترتيبات تقودها القاهرة لعقد لقاء حول ليبيا على مستوى المبعوثين الخاصين بمشاركة مصر وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وتركيا، إلى جانب المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، منتصف يونيو/حزيران المقبل. وبحسب المصادر، يهدف اللقاء لدعم الجهود الرامية إلى تثبيت الاستقرار ومنع انزلاق الأوضاع الليبية إلى مواجهات عسكرية مجدداً.
ترتيبات تقودها القاهرة لعقد لقاء على مستوى المبعوثين الخاصين بمشاركة فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وتركيا
يأتي ذلك في الوقت الذي من المقرر أن يعقد فيه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسة لمناقشة الوضع في ليبيا اليوم الخميس في نيويورك. وبحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة، فمن المقرر أن يقدم أعضاء مجلس الأمن أكثر من إحاطة بهذا الخصوص، تليها مشاورات حول عمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
لكن مصادر دبلوماسية ليبية قالت إن "آفاق إجراء الانتخابات في ليبيا مستمرة في الابتعاد، وذلك لاستحالة بناء قاعدة مؤسسية ووضع قانون انتخابي في المستقبل القريب، في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد". وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد" أن "تمسك كل طرف بمكتسباته يصعّب من الأمور، فلا البرلمان في طبرق، ولا المجلس الأعلى للدولة، على استعداد للتعاون".
وقالت المصادر إن هناك مشكلة أخرى تتمثل في "عدم رضا بعض الأطراف الليبية على عمل البعثة الأممية الخاصة بليبيا برئاسة ستيفاني ويليامز، وأن عملها مقيّد بشدة، وليس لديها مطلق الحرية في العمل كوسيط"، مشيرة إلى أن صالح حثها في 31 يناير/كانون الثاني، على عدم التدخّل في الشؤون الليبية.
وكان عضو مجلس النواب الليبي محمد العباني، قد قال في تصريحات صحافية، إن وجود وليامز في ليبيا "لن يحل الأزمة الليبية"، مضيفاً أن وليامز "تتواجد في ليبيا عبر مجلس الأمن من أجل تنفيذ الأجندة الأميركية، وتحقيق مصالح واشنطن التي تختلف عن مصالح الشعب الليبي".
وتابع العباني أن "محاولة هيمنة وليامز ترتبط بعلاقتها بخريطة الطريق التي انبثقت عن تفاهمات تونس وجنيف في وقت سابق وتشكيل لجنة الـ75، على الرغم من عدم تنفيذ الخطة التي كانت تهدف لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي". وأضاف أن "الشعب الليبي ليس عاجزاً عن إيجاد الحلول، لكن التدخلات الخارجية عبر السفارات هي التي حالت دون الحل".