تراجع المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا، اليوم الخميس، عن قراره الخاص بتعديل اللائحة التنفيذية لآليات تعيين وتحديد مهام لجان الطعون والاستئنافات بالعملية الانتخابية، وذلك بعد ساعات من بدء استقبال الدوائر القضائية الطعون بالمرشحين للانتخابات الرئاسية.
وكان المجلس قد أعلن، أول من أمس الثلاثاء، تعديل المادة الخامسة من لائحة الطعون التي أصدرها في 11 من الشهر الجاري، وتضمن التعديل السماح لمن يرغب في تقديم طعن على أحد المرشحين بتقديمه في منطقته، بديلاً عن النص السابق الذي ينص على "رفع الطعون المتعلقة بقبول المرشحين أمام لجان الطعون الابتدائية الواقع في نطاقها الموطن المختار للمرشح المطعون ضده، في غضون 72 ساعة من نشر قوائم المرشحين الأولية".
وشمل التعديل أيضاً مكان الطعن في نتيجة اقتراع أي من المرشحين والسماح للطاعن بأن يقدمه في منطقته، بدلاً عن النص السابق الذي ينص على "رفع الطعون المتعلقة بعملية الاقتراع وكذلك النتائج في غضون 48 ساعة من تاريخ نشر النتائج الأولية أمام لجنة الطعون الواقع في نطاقها محل إقامة المطعون ضده".
وجاء التعديل بعد اعتراضات بشأن عدم قدرة الطعن على مرشحين لهم سيطرة مسلحة على مناطقتهم التي ترشحوا عنها، لكن المجلس عاد وألغى التعديل، وطالب بضرورة التقيد بالنصوص السابقة.
ولم يبرر المجلس الأعلى للقضاء أسباب تراجعه عن تعديل النصوص السابقة بعد الإبقاء عليها، ما يعيد لائحة الطعون إلى دائرة الجدل مجدداً، خصوصاً في ظل سيطرة مجموعات مسلحة موالية للمرشحين على مناطقهم، الأمر الذي يضعف من قدرة وصول أي طاعن في ترشحهم في الدوائر القضائية التي يتبع لها المرشح.
بدء المرحلة الثانية من العملية الانتخابية
وتبدأ اليوم، الخميس، المرحلة الثانية من العملية الانتخابية، فبعد إعلان المفوضية العليا للانتخابات القائمة الأولية للمرشحين، تبدأ مرحلة الطعن ضدهم أمام ثلاث دوائر قضائية خصصها المجلس الأعلى للقضاء لهذا الشأن، في طرابلس وبنغازي وسبها.
ودارت الاعتراضات على اللائحة حول قدرة الطاعنين على الوصول إلى المناطق التي ترشحت منها أبرز ثلاث شخصيات، وهي قائد مليشيات شرق ليبيا المرشح من بنغازي خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح المرشح من بنغازي، ورئيس الحكومة الحالية عبد الحميد الدبيبة المرشح من طرابلس.
إرباك العملية الانتخابية
ويتهم أستاذ القانون الدولي والخبير القانوني الليبي أحمد العاقل مجلس القضاء بالمشاركة في إرباك العملية الانتخابية، مشيراً إلى أن قراراته "يعتريها خلل قانوني ممثل في قراراتها غير المفسرة".
وقال العاقل، في حديث لـ"العربي الجديد": "النصوص القانونية شديدة الضبط ولا تترك ثغرات، وقرارات مجلس القضاء الأخيرة لم تترك ثغرات بل فراغات كبيرة، أهمها أنها لا تفسر أسبابها سواء عند تعديلها أو عند التراجع عنها".
وفيما يعتبر العاقل اللائحة وقراراتها "باطلة"، يشير إلى مزيد من الأسانيد القانونية التي تبطل هذه اللائحة، وأولها أنها لا تستند إلى الواقع.
ويثير العاقل التساؤلات ذاتها بشأن عدم قدرة أي طاعن على تقديم طعنه ضد حفتر أمام القضاء في بنغازي "التي يحكمها بالحديد والنار، وحتى يكون النقد منصفاً لنا نسأل هل يستطيع أي من أنصار حفتر الوصول إلى طرابلس للطعن في الدبيبة مثلاً أو أي مرشح آخر من خصوم حفتر الذي كان يدك طرابلس بالصواريخ في العام الماضي؟".
ويلفت العاقل إلى حساسية توقيت تضارب قرارات مجلس القضاء، وقال "سيجعل هذا التضارب وفي هذا التوقيت المؤسسة القضائية عرضة للاتهام بانحيازها لطرف دون آخر".
وأضاف "لو افترضنا جدلاً أن ناخباً أو مرشحاً طعن في حفتر في بنغازي بتقديم أدلة تثبت تورطه في مجازر شارع الزيت في بنغازي وخرج منها قبل أن يعلم به أحد، فمن يمكن أن يصدق وجود قاض يعيش في بنغازي ويعمل في محكمتها يستطيع الفصل في الطعن ضد حفتر بقبوله؟".
ويرى العاقل أن تراجع مجلس القضاء عن التعديل الذي يسمح بأن يقدم الطاعن طعنه من منطقته "أقفل باب الطعن أمام أي من الشخصيات البارزة في المشهد، وبالتالي ضمن الجميع مرورهم إلى المرحلة اللاحقة دون أن يقدم ضدهم أي طعن"، مشيراً إلى أن الأكثر خطراً أنه ضمن للمرشحين أيضاً عدم الطعن في نتائج اقتراعهم.