يحتضن مقر الأمم المتحدة في جنيف، اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء، لقاءً بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في محاولة لتجاوز الانسداد الحاصل في المسار الدستوري، بعد أن فشلت لجنة مشتركة من المجلسين أخيراً في الاتفاق على كل خطوط المسار الدستوري، وعقب ازدياد غموض الرؤية الخاصة بمستقبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ العام الماضي. لكن الشكوك تبقى قائمة بشأن إمكانية توصلهما إلى اتفاق حقيقي يمهّد الطريق أمام نقل ليبيا إلى مسار سياسي واقعي ينتهي بإجراء انتخابات وتعيين سلطة جديدة منتخبة، في ظل تباين وجهات النظر، ومصالح البعض بإبقاء الوضع على ما هو عليه.
وأعلنت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، الخميس الماضي، قبول صالح والمشري دعوتها للاجتماع في جنيف، بعد أن كانت قد أعلنت أنها وجهت إليهما دعوة للقاء في مقر الأمم المتحدة يومي 28 و29 يونيو/ حزيران الحالي، بغية "تجاوز النقاط العالقة" في مسودة الدستور.
وانتهت في 20 يونيو الحالي الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية المشتركة من مجلسي النواب والدولة والمتعلقة بالمسار الدستوري، في القاهرة، من دون أن يتم إحراز تقدم بشأن التوافق على إطار دستوري للانتخابات.
دوجاريك: الأمم المتحدة تواصل مساعيها لإجراء انتخابات في ليبيا على أساس دستوري وقانوني توافقي
في السياق، أكد ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أن الأمم المتحدة "تواصل مساعيها لضمان تهيئة الظروف لإجراء انتخابات في ليبيا في أقرب وقت ممكن على أساس دستوري وقانوني توافقي".
وأوضح في إحاطة صحافية مساء الجمعة الماضي: "تواصل المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز، المشاركة المكثفة مع أصحاب المصلحة الوطنيين وأعضاء المجتمع الدولي، لضمان تهيئة الظروف لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن على أساس دستوري وقانوني توافقي".
وحول اللقاء الجديد في جنيف بين صالح والمشري، قال دوجاريك: "سنستمر في تجربة ترتيبات مختلفة، ومواقع مختلفة، لكن في نهاية الأمر، سيتعين على الأطراف الليبية الاتفاق". وأضاف أن صالح والمشري "سبق أن التقيا في القاهرة، وسيجتمعون في سويسرا، وأي مكان سيؤدي إلى اتفاق، سنذهب إليه".
من جهته، أكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، أن الاجتماع المرتقب بين صالح والمشري، سيكون "الفيصل". وأشار خلال لقائه مجموعة من مشايخ وحكماء وأعيان ليبيا، مساء السبت الماضي، إلى أن أمر القاعدة الدستورية سيؤول إلى المجلس الرئاسي إذا فشل اجتماع صالح والمشري، قائلاً: "لو فشل هذا الاجتماع، فسيكون لنا كمجلس رئاسي دور باستخدام سلطتنا السيادية، حتى لا يترك هذا الأمر للتمطيط والتأجيل".
لقاء صالح والمشري يناقش مواد الدستور الخلافية
وإذا كانت مناقشة النقاط الخلافية في مسودة الدستور عنوان اللقاء بين صالح المشري، إلا أنه من غير المعروف ما إذا كانا سيناقشان أيضاً الوضع الحكومي، وهل سيصرّ صالح على ضرورة أن تكون هذه القضية ضمن جدول أعمال اللقاء، بعد أن فشل في تمريرها في لقائهما السابق الذي كان مقرراً أن يجمعهما في القاهرة، في 17 يونيو الحالي، قبيل ختام اجتماعات لجنة المسار الدستوري.
كما يأتي اللقاء بعد أن توافقت اللجنة الدستورية المشتركة من مجلسي النواب والدولة، بعد ثلاث جولات في القاهرة رعتها البعثة الأممية، على 180 نصاً من مواد مسودة الدستور، فيما اختلفت على 13 مادة. فهل يتمكن الرجلان من إكمال المسار، وحل النقاط الخلافية في المواد المتبقية؟
بيان لخمس دول غربية يؤكد أن يوم 22 يونيو حددته خريطة الطريق كموعد لانتهاء المرحلة الانتقالية، بشرط إجراء الانتخابات
مصير اتفاق ملتقى الحوار السياسي الليبي
ويتزامن اللقاء مع مواقف أممية ودولية جديدة أزاحت شيئاً من الغموض حول مصير اتفاق ملتقى الحوار السياسي الذي كان جاء بحكومة عبد الحميد الدبيبة إلى السلطة.
فبعد مرور يوم على انتهاء الأجل المعلن للاتفاق، في 22 يونيو الحالي، دعا نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق "القادة الليبيين للامتناع عن استخدام تاريخ 22 يونيو كأداة للتلاعب السياسي".
وأضاف "لقد حددت خريطة الطريق انتهاء المرحلة الانتقالية في 22 يونيو بشرط إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول هذا الوقت، وهو ما لم يحدث، نشجعهم على مضاعفة جهودهم للحفاظ على الهدوء والاستقرار في هذا المنعطف الحرج في التحول السياسي في ليبيا".
تلا ذلك بيان خماسي صدر عن فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، مساء يوم الجمعة الماضي، أكد أن يوم 22 يونيو حددته خريطة الطريق "كموعد لانتهاء المرحلة الانتقالية، بشرط إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021"، موضحاً أن "هذا لم يحدث".
وشددت الدول الخمس على "الحاجة إلى حكومة ليبية موحدة قادرة على الحكم وإجراء هذه الانتخابات في جميع أنحاء البلاد، من خلال الحوار والتسوية في أسرع وقت ممكن".
وأكد البيان "رفض الإجراءات التي قد تؤدي إلى العنف أو إلى مزيد من الانقسامات في ليبيا، مثل إنشاء مؤسسات موازية، أو أي محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة، أو رفض الانتقال السلمي للسلطة إلى هيئة تنفيذية جديدة يتم تشكيلها من خلال عملية شرعية وشفافة".
وسارع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة للترحيب بالبيان، معتبراً أنه "حسم مسألة استمرار عمل الأطراف الليبية، وفقاً لمقررات الاتفاق السياسي"، مضيفاً أنه "ينسجم مع موقفنا الرافض للعنف أو الاستيلاء على السلطة بالقوة أو خلق أي أجسام موازية".
كما رحب رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا بالبيان، إلا أن ترحيبه حمل إصراراً على التمسك بموقعه كرئيس للحكومة، إذ ركز على "الدعوة إلى حكومة ليبية موحدة قادرة على الحكم وإجراء الانتخابات في جميع أنحاء البلاد"، لافتاً إلى أن ترحيبه جاء "بصفتي رئيس تلك الحكومة، المنتخبة والمدعومة من قبل مجلسي النواب والدولة".
وأعطى موقفا الأمم المتحدة والدول الخمس أملاً جديداً بالدفع نحو إجراء الانتخابات في ليبيا، بعد تشديدهما على أنها أساس الاتفاق السياسي وتحقيقها شرط انتهاء الاتفاق، وهو ما يشكل عاملاً ضاغطاً على صالح والمشري، للإسراع في التوافق على شكل الإطار الدستوري للانتخابات، بحسب رأي الأكاديمي الليبي، أستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد.
الحداد: تكليف مجلس النواب لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا كان بداية الأزمة
وقال الحداد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الخلاف حول الاتفاق السياسي لم يبدأ من تاريخ نهايته يوم 22 يونيو، وإن كان هذا التاريخ عمّق المشكلة، إذ إنّ تكليف مجلس النواب لحكومة جديدة في فبراير/ شباط الماضي برئاسة فتحي باشاغا كان بداية الأزمة، خصوصاً بعد رفض مجلس الدولة والدبيبة الاعتراف بها وتسليم السلطة لها، ما دفعها لاختيار مدينة سرت مقراً مؤقتاً لعملها".
وأضاف الحداد أنه "بعد نهاية مدة الاتفاق، زادت مطالبات باشاغا وصالح بتسلّم الحكومة الجديدة مهامها، وزاد معها تشبّث الدبيبة بالسلطة، فيما فضّل المشري تأجيل البت في الوضع الحكومي إلى حين التوافق حول القاعدة الدستورية، مع أنه كشف أخيراً عن رغبة في تشكيل حكومة ثالثة مصغرة لفض التنازع الحاصل بين الحكومتين".
رهان الاتفاق على المواد الدستورية الخلافية
واستبعد الحداد أن يصل صالح والمشري إلى أي توافق في لقائهما المرتقب، مضيفاً أن "ما تم الإعلان عنه سابقاً على أنه تفاهم كبير بين جانبي اللجنة الدستورية من المجلسين، ووُصف بالخطوة الإيجابية، لم يكن سوى تمويه للمشهد، أو إرسال رسائل إيجابية غير واقعية تخدر الناس المتلهفين للانتخابات".
وأوضح الحداد أن "المواد الـ180 لم يكن عليها أي خلاف من البداية، والرهان الحقيقي يكمن في الاتفاق حول المواد الخلافية، وأبرزها: شروط الترشح لرئاسة الدولة، خصوصاً لمن يمتلك جنسية دولة أخرى، أو من صدرت أحكام غير نهائية وباتة بحقه، هذا بالإضافة إلى باب الأحكام الانتقالية التي تبيّن دور السلطات الحالية إلى حين الوصول للانتخابات".
وتوقع الحداد عدم اتفاق صالح والمشري على هذه المواد، لأنها "متعلقة بالشخصيات الجدلية نفسها التي أفشلت إجراء الانتخابات في ديسمبر الماضي".
وأوضح أن "القبول بشروط الترشح، يمنع ترشح (اللواء المتقاعد) خليفة حفتر، لكن تعديلها لن يسمح لحفتر فقط بالترشح، بل يسمح لسيف الإسلام القذافي أيضاً، خصوصاً شرط عدم وجود أحكام قضائية بحق المرشح، وهو ما يجعل أمر تعديل هذه الشروط أو الإبقاء عليها محل جدل، هذا إذا افترضنا قبول معسكر غرب ليبيا بترشح حفتر".
ورأى أن "بقاء الشروط الجدلية يخدم مصالح صالح والمشري وحلفائهما في المجلسين، فعدم التوافق على إطار دستوري يعني تأجيل الانتخابات وبقاءهما في السلطة لأقصى فترة ممكنة". واعتبر أن من ملامح الفشل المسبق للقاء صالح والمشري المرتقب هو "المفارقة العجيبة في أنهما مكلفان بالتوافق حول الانتخابات التي ستقصيهما عن المشهد".
مسار ليبي جديد؟
في المقابل، اعتبر الناشط السياسي الليبي خميس الرابطي أن اللقاء "قد يمثّل فرصة للاتفاق في حالة واحدة، وهي التوافق على عدم إقصاء أي شخصية تريد الترشح للانتخابات، وترك الاختيار للشعب عبر صناديق الاقتراع".
ورجح الرابطي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ينتِج الانسداد الحالي مساراً جديداً قد يضطر معه الجميع للذهاب إلى التفكير في استحداث تسوية أخرى، كما حدث في اتفاق ملتقى الحوار السياسي، المعروف باتفاق جنيف، بعد فشل اتفاق الصخيرات (2015)".
الرابطي: وصول البلاد إلى مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لا يزال بعيداً جداً
وتوقع الرابطي أن ذلك لن يكون عبر مسودة الدستور "بل عبر قاعدة دستورية مؤقتة يتم خلالها تعديل الخلل الذي شاب القوانين الانتخابية التي أصدرها صالح في السابق"، مضيفاً "لا يوجد خيار بديل لتجاوز المواد العالقة في مسودة الدستور".
وعلى الرغم من ذلك، لفت الرابطي إلى متغيّرات دولية وأخرى تتعلق بوضع الأمم المتحدة في الملف الليبي، وقال "قرب مغادرة وليامز لمنصبها في 30 يونيو سيزيد من تعقيد الوضع، وعلى المشهد أن ينتظر توافقاً دولياً إما على تمديد مهمة وليامز، أو اختيار رئيس للبعثة الأممية الشاغرة منذ أشهر، وكلا الأمرين يبدوان صعبين في ظل الخلاف الشديد بين العواصم الغربية وموسكو".
واعتبر الرباطي أن بيان الدول الخمس، الصادر مساء الجمعة الماضي، "فضفاض وغير واضح، فهو من جهة يمدد لشرعية حكومة الدبيبة، ومن جهة يتحدث عن الحاجة لحكومة موحدة قادرة على الحكم وإجراء الانتخابات في كل أنحاء البلاد، وهو ما لا يتوفر في حكومة الدبيبة، فيما اعتبر باشاغا أنه المعني بهذه الجزئية في البيان".
وتساءل الناشط السياسي "إذا ما اتفق صالح والمشري على إطار دستوري بأي شكل، فكيف يمكن إجراء انتخابات في ظل الانقسام الحكومي الحالي؟".
وتابع "هذا البيان قد يكون نقل وجهة نظر هذه الدول بأن يتم توحيد الحكومة عبر مفاوضات بين الدبيبة وباشاغا أولاً، ثم الإعداد لانتخابات داخل إطار اتفاق السياسي، وهذا يعني ضرورة أن يناقش صالح والمشري المسألة الحكومية في لقائهما، وبمعنى آخر فإن وصول البلاد إلى مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لا يزال بعيداً جداً".