تتسارع خطوات التقارب السياسي بين الجانب التركي والنظام السوري، وهو ما يسبب قلقاً لدى الائتلاف الوطني السوري الذي سيُجري مباحثات، غداً الإثنين، في وزارة الخارجية التركية، للحصول على إجابات على كثير من الأسئلة المتعلقة بهذا التقارب، قبل تصدير موقف للشارع السوري المعارض الرافض لأي تقارب مع نظام بشار الأسد.
وفي خطوة تقارب جديدة بين أنقرة ودمشق، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس السبت، عن لقاء سيُعقد منتصف يناير/كانون الثاني الحالي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية في حكومة النظام فيصل المقداد، مشيراً في حديث لصحافيين إلى أنه "قد يُعقد الاجتماع في بلد آخر". وامتنع جاووش أوغلو عن كشف اسم ذلك البلد، وأكد أنه سيتم الإفصاح عن ذلك لاحقاً عندما يتم تحديده، لأن هناك عدة بدائل مقترحة في هذا الصدد.
ويأتي هذا الاجتماع بعد لقاء عُقد الأربعاء الماضي في العاصمة الروسية جمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، ورئيسي جهازي مخابرات روسيا سيرغي ناريشكين والنظام السوري علي المملوك. وعُدّ الاجتماع تدشيناً علنياً للتقارب بين أنقرة ودمشق بعد عداء بدأ في عام 2011 على خلفية الثورة السورية، ورفض النظام التجاوب مع مساع تركية للحيلولة دون تفاقم الأوضاع. وكانت أنقرة قد أغلقت سفارتها في دمشق، وقنصليتها في مدينة حلب عام 2012، وفرضت عقوبات على حكومة النظام، منها وقف التعامل مع المصرف المركزي السوري بسبب "قمع المتظاهرين". ورد النظام على هذه العقوبات باتخاذ إجراءات عدة ضد تركيا منها إيقاف العمل بمنطقة التجارة الحرة بين البلدين.
وعلى الرغم من تأكيد مسؤولين أتراك أن التقارب مع نظام الأسد لن يكون على حساب المعارضة السورية، إلا أن الأخيرة ممثلة بالائتلاف الوطني السوري ومقره إسطنبول، تنظر بعين القلق إلى هذا التقارب الذي صدم الشارع السوري المعارض، لا سيما في الشمال السوري.
ولم يصدر أي موقف رسمي من هذا الائتلاف على الخطوات التركية المتسارعة في اتجاه نظام الأسد، إلا أن "مبنى الائتلاف في إسطنبول شهد نقاشات ساخنة وحادة بين الأعضاء منذ الأربعاء الماضي، بين من يدعو إلى اتخاذ موقف فوري رافض لأي تقارب مع الأسد، وبين من يدعو للتريّث"، وفق مصدر في الائتلاف طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث العلني. وأضاف المصدر في حديث مع "العربي الجديد": "في نهاية النقاش قرر الائتلاف عدم اتخاذ موقف إلا بعد التشاور واللقاء مع الإخوة الأتراك لمعرفة حيثيات هذا التقارب ومبرراته في هذا التوقيت". وأشار إلى أنه "من المقرر عقد اجتماع الإثنين (غداً) في وزارة الخارجية التركية، بين وفد من الائتلاف وبين مسؤولين أتراك"، مضيفاً: "من خلال اتصالات جرت الخميس الماضي، أكد الأتراك انهم ضامنون لحقوق المعارضة السورية ولن يتخلوا عنها، وأن التقارب مع الأسد لن يكون على حساب حقوق السوريين".
وفي السياق، أكد مصدر آخر في الائتلاف الوطني: "إننا ننتظر نتائج اجتماع الإثنين لتحديد موقفنا مما يجري"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "لا نريد اتخاذ موقف انفعالي. نريد موقفاً سياسياً بعد الاستماع إلى الإخوة الأتراك". وتابع: "نحن ضد التقارب مع نظام الأسد، ولكن لسنا ضد التفاوض معه وفق قرارات الشرعية الدولية وهو ما يحدث منذ عام 2014 تحت غطاء من الأمم المتحدة". ورجّح المصدر أن تكون "هناك ضغوطات سياسية تركية على المعارضة السورية"، مضيفاً: "الأولوية لدى الأتراك في الوقت الراهن هي إجراء الانتخابات في منتصف العام الحالي، وعدم تمرير مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال شرق سورية".
وعن احتمال انتقال الائتلاف الوطني من تركيا، قال المصدر: "وجودنا في تركيا للبقاء قريبين من أهلنا في الداخل وحلحلة الكثير من قضاياهم"، مضيفاً: "على الرغم من ذلك نواجه صعوبات، فكيف سيكون الحال إذا أصبحنا خارج تركيا. بالسياسة كل الاحتمالات واردة مع ضعف وقوعها".
وتعد أنقرة الداعم الإقليمي الأبرز للمعارضة السورية الممثلة في الائتلاف الوطني السوري الذي يواجه غضباً واستياء من الشارع السوري المعارض، بسبب اتهامات بالتهاون مع مبادئ الثورة السورية، وأبرزها التمسك بإسقاط بشار الأسد ومحاسبته. وكانت التظاهرات التي عمّت الشمال السوري، يوم الجمعة الماضي، رسالة واضحة للائتلاف الوطني والجانب التركي برفض أي تقارب مع نظام "فاقد للشرعية"، وفق عشرات آلاف المتظاهرين.
وعانى الائتلاف الوطني الذي كان قد تأسس في عام 2012، من ترهل سياسي واضح، وتراجع لعوامل عدة، لعل أبرزها الضغوط الإقليمية المستمرة عليه للانخراط في العملية السياسية، على الرغم من عدم اكتراث النظام بها مع غياب أي ضغط دولي يجبره على الجلوس على طاولة مفاوضات جادة. ويبدو أن الائتلاف يحسب خطواته المقبلة بـ"تأنٍ"، خصوصاً أن التصادم السياسي مع الجانب التركي ربما يفقده أوراقا في "اللعبة" السياسية مع وجود العديد من المنصات التابعة لعدة دول. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الائتلاف العنوان السياسي الأبرز لقوى المعارضة السورية، وهو ما يعطيه هامش مناورة بسبب حاجة الأطراف الإقليمية والدولية إليه، فهو الطرف المعني بالتفاوض مع النظام لإيجاد حلول للأزمة السورية.
ولكن الباحث السياسي ياسين جمول، رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن المعارضة السورية "باتت في هزالٍ ولا قدر لها عند أحد"، مشيراً إلى أن اللقاءات الدولية حول سورية "تحضرها الدول الكبرى ولا يحضرها أحد من السوريين، لا من النظام ولا من المعارضة". وتابع بالقول: "الروس يتحدثون عن نظام الأسد ويلزمونه بما يرون، وتركيا تتحدث عن سورية والسوريين، والمشكلة الكبرى أنها لا تتحدث عن السوريين اللاجئين على أرضها فحسب، بل عن مناطق الشمال السوري وبنحو 5 ملايين فيها".
وأعرب جمول عن اعتقاده بأنه "لا يمكن توقع شيء إيجابي، فهل يمكن توقع شيء من معارضة عجزت حتى عن الأداء بتصريح حول تقارب الأتراك مع نظام بشار الأسد؟"، معتبراً أن "أنقرة لا يهمها اقتناع المعارضة السورية لأنها تعرف هزلها وضعف تمثيلها الحقيقي". وتابع أن تقارب الجانب التركي مع نظام الأسد "يُفقده أكثر من 5 ملايين سوري في شمال البلاد"، مضيفاً: "هم أهم بكثير وأنفع لتركيا من بشار الأسد ومن المعارضة السورية الهزيلة".
في غضون ذلك، أصدر "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، الذراع السياسي لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بياناً دان فيه التقارب التركي مع النظام السوري، داعياً إلى "توحيد قوى المعارضة" ضد النظام. وذكر البيان أن المجلس "ينظر بعين الريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية والسورية وبرعاية روسية". وأشار إلى أن "المرحلة الدقيقة والحرجة التي يمر بها مشروع السوريين الأحرار، تتطلب منا كسوريين التكاتف والتعاضد، متجاوزين كل الخلافات الزائفة التي يريد أعداء الشعب السوري تسعيرها وتعميق هويتها". وأضاف: "عندما يصبح مستقبل بلدنا وحلم حريتنا على المحك تصبح كل الخلافات ترفاً، وكل انحناء للآخر تبعية وعمالة". وختم بالقول: "يدنا ممدودة، وعقولنا منفتحة، وأرضنا مرحبة بكل سوري حر يرى أن مستقبل سورية وحرية شعبها يحوزان الأولوية القصوى على كل ما عداها، وأن لا مصلحة ولا حق فوق مصلحة وحق الشعب السوري".
وكانت مواقع كردية تحدثت عن مبادرة طرحها الرئيس المشترك لـ"مسد" رياض درار، للتقارب بين "قسد" والمعارضة السورية، تقوم على حلول وسط بين الجانبين "والبدء بتفاهمات بين القوى السياسية والفصائل العسكرية بإطلاق مبادرة للحل والسلام تتجاوز الأخطاء، وتخرج من دائرة الاتهامات الزائفة والخطابات الكاذبة والهروب إلى الأمام من غير مراجعات، في حال إطلاق مبادرة يشارك فيها الأطراف من دون استثناء على أرضية الحل الصحيح والسلام المنشود"، وفق ما نقلت وكالة "هاوار" الكردية عن درار.