طالب بطاركة الطوائف المسيحية في لبنان مجلس النواب بالإسراع في القيام بواجبه الوطني وانتخاب رئيس للجمهورية لملء الشغور المستمرّ منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، معبّرين عن قلقهم العميق تجاه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
وعقدت اليوم الأربعاء قمة روحية تضمّ بطاركة الطوائف المسيحية، خُصِّصت للبحث في الملف الرئاسي وكيفية الخروج من الأزمة في ظلّ الجمود الحاصل وغياب التوافق السياسي، ومدى تأثير الشغور الرئاسي في مفاقمة الانهيار الذي يهدّد حياة المواطنين ومعيشتهم.
ودعا البطاركة، في بيان صادر عنهم بعد انتهاء القمة، البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى الاجتماع "مع من يراه مناسباً"، بما في ذلك دعوة النواب المسيحيين إلى اللقاء في بكركي (مقرّ البطريركية المارونية) وحثهم على المبادرة سوياً مع النواب المسلمين وبأسرع وقتٍ ممكن لانتخاب رئيسٍ.
وقال المجتمعون إنه "لا يمكن الاستمرار بتحمّل الوضع الخطير، لذا نطالب المسؤولين في الدولة بحكم مسؤولياتهم بإيجاد الحلول لمآسي الناس التي لا تتحمّل أي إبطاء، فلا يمكن القبول بسوء إدارتهم وإهمالهم والفساد المستشري في كل مكان؛ ما يحمل عائلاتنا والجيل الناشئ إلى الهجرة أو اللجوء إلى الشارع للتعبير عن وجعهم والمطالبة بحقوقهم العادلة".
وأشاروا إلى أنه "منذ زهاء 3 أشهر ولا يزال الكرسي الرئاسي شاغراً بسبب فشل مجلس النواب بانتخاب رئيس، وهو واقع غير مقبول أبداً ومخالف لجوهر الدستور اللبناني ومرتكزات السيادة والاستقلال ومسؤولية النواب تجاه الشعب"، مؤكدين أن "انتخاب الرئيس هو مطلب كل اللبنانيين، ويعني الالتزام بانتظام عمل المؤسسات الدستورية، فلا يحق لأحد أن يجازف بمصير الوطن"، معتبرين أيضاً أن "أساس الكيان اللبناني ومصدر قوته الفريدة هو الشراكة الوطنية المسيحية الإسلامية".
وقال مصدرٌ مقرّبٌ من الراعي، لـ"العربي الجديد"، إن "أساس القمة اليوم هو لحث المجلس النيابي على انتخاب رئيس بأسرع وقتٍ ممكنٍ نظراً لتداعيات الشغور على ملفات أساسية تعنى بحياة المواطنين، وتأثيراته على السلطتين التنفيذية والتشريعية المعطَّلتين، وكان هناك امتعاضٌ كبيرٌ من طريقة أداء النواب غير الجدية وغير الوطنية مع الاستحقاق، بينما يفترض أن يكون الشاغل الأكبر بالنسبة اليهم، كذلك هناك مخاوف جدية على الاستقرار الأمني، في ظل التفلّت الحاصل، وارتفاع منسوب الحوادث الأمنية والجرائم".
وأشار المصدر إلى أن "عقد حوار مسيحي فوطني مطلوبٌ لحل الأزمة الرئاسية"، لافتاً إلى أن "البطريرك الراعي لا يملك مبادرة رئاسية ولا أسماء معينة للرئاسة، بل يتحدث عن مواصفات مطلوبة، أبرزها توحيد اللبنانيين لا إحداث شرخ بينهم، وحسن العلاقات مع الخارج الذي سيكون له الدور الأكبر في الخروج من الانهيار، ويحافظ على سيادة لبنان واستقلاله ومؤسسات الدولة".
ولفت المصدر إلى أن "الراعي يحرص على فتح أبواب بكركي لجميع القوى السياسية من مختلف الانتماءات، لمعرفة أين يكمن الخلل، والمواصفات المطلوبة من قبل كل طرف والحلول للخروج من الأزمة، كما هو على تواصل مستمرّ مع رئيس البرلمان نبيه بري لبحث الملف الرئاسي وحث النواب على أداء واجبهم تجاه الناس".
ولم يجتمع مجلس النواب اللبناني لانتخاب رئيس منذ 19 يناير/كانون الثاني الماضي، في ظل غياب التوافق السياسي وارتفاع الصراع بين القوى السياسية، علماً أن الجلسة الحادية عشرة سجّلت خرقين في المشهد، الأول تمثل بإعلان "الحزب التقدمي الاشتراكي" (يتزعمه وليد جنبلاط) تعليق مشاركة نوابه في الجلسات المقبلة في حال استمرار السيناريو نفسه، أي تصويت الأحزاب المعارضة للنائب ميشال معوض مقابل الورقة البيضاء، فتطيير نصاب الدورة الثانية من قبل الأحزاب الموالية للسلطة؛ والثاني بإعلان النائبين عن "قوى التغيير" ملحم خلف ونجاة عون صليبا اعتصامهما في البرلمان والمبيت فيه حتى عقد دورات متتالية لانتخاب رئيس.
وبينما ترشح الأحزاب المعارضة النائب ميشال معوض حتى اللحظة، معبِّرة عن انفتاحها على أسماء أخرى يمكن التوافق عليها ضمن المواصفات السيادية الإصلاحية الوطنية، لم يتفق فريق ما يعرف بـ"8 آذار" على مرشح رئاسي، في وقتٍ يتمسك "حزب الله" و"حركة أمل" برئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، المرفوض من قبل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي أيضاً يضع فيتو على قائد الجيش العماد جوزيف عون، رغم أنه يعدّ من الأسماء التي يمكن التوافق عليها سياسياً، ومقبول خارجياً، كما لوّح بترشيح نفسه، في خطوة من شأنها أن تفاقم الأزمة الرئاسية.
وبرز أخيراً تحرّك يجريه رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، أبرزه عند رئيس البرلمان نبيه بري، مشدداً على ضرورة التوافق لانتخاب رئيس للجمهورية، ومحاولة اختراق بعض الحواجز السياسية والنفسية للوصول إلى التوافق.
ويعدّ جنبلاط من غير المتمسّكين بمعوض في حال كان هناك توافق سياسي على مرشح آخر، وقد رفع لهذه الغاية لائحة بأسماء مرشحين رئاسيين، ضمنهم قائد الجيش، والنائب السابق صلاح حنين، والوزير السابق جهاد أزعور.