دخلت العلاقات التركية الأميركية في نفق مظلم مع تصاعد التصريحات من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتأكيده عدم بدايته مرحلة جيدة مع نظيره الأميركي جو بايدن، وهو ما "لا يدل على علامة خير"، على حد وصفه.
وعاد الرئيس أردوغان من أميركا قبل أيام بخفي حنين من دون لقاء بايدن، وأطلق تصريحات قبل عودته وبعدها وعبر الإعلام الأميركي، اتهم خلالها واشنطن بدعم المسلحين المصنفين إرهابيين في تركيا، وهم "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تُعدّ امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
كما اتهم أردوغان أميركا بعدم تسليم تركيا مقاتلات إف 35 التي دفعت أنقرة ثمنها البالغ مليار و400 مليون دولار، فضلا عن اضطرار تركيا شراء الصواريخ الروسية إس 400 بعد رفض واشنطن بيعها صواريخ باتريوت، وإزاء ذلك، توعد أردوغان بشراء منظومة ثانية من الصواريخ الروسية.
وألقت هذه التصريحات الظلال على العلاقات التركية الأميركية، والموقف الأميركي منها، خاصة أن بايدن كان قد توعد، في حديث له قبيل انتخابه، بالعمل على إسقاط حكم أردوغان بدعم المعارضة التركية في الانتخابات.
وتتداخل الملفات العالقة بين البلدين، حيث إن مسألة الصواريخ الروسية أدت إلى فرض عقوبات أميركية على مؤسسات الصناعات الدفاعية التركية وبعض الشخصيات في المؤسسة، والتهديد بفرض عقوبات أخرى في حال شراء منظومة جديدة بناء على قانون "كاتسا" الأميركي، الذي يعاقب الدول التي تتعامل مع الخصوم.
كما تتهم تركيا أميركا بعدم التعاون وتسليم زعيم جماعة الخدمة فتح الله غولن ومساعديه إلى السلطات القضائية التركية، التي تتهمه بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة في العام 2016، إضافة إلى ملفات دعم الوحدات الكردية، وملف عقوبات طاولت مصرف "خلق بانك" التركي.
ورافقت التوترات الحاصلة في العلاقات والتصريحات المتبادلة انخفاضا في سعر صرف العملة التركية أمام العملات الأجنبية، حيث بلغ سعر صرف الدولار نحو 9 ليرات للدولار الواحد، وهي عادة ما تنخفض مع كل خلاف تركي أميركي، وهو ما ينعكس بدوره على ارتفاع الأسعار بشكل كبير في الأسواق التركية.
تطويق الحكومة التركية وإزعاجها
مصادر تركية مطلعة أفادت "العربي الجديد" بأن "تركيا باتت تدرك المواقف الأميركية الجديدة، وأن هذه المواقف ستستمر لحين إجراء الانتخابات في مسعى لتطويق الحكومة وإزعاجها، ولهذا، هناك جمود في الملفات، ولا يتم التفاوض بشكل مباشر رغم التعاون في الملف الأفغاني، حيث تتم اللقاءات بشكل غير مباشر، فضلا عن الموقف في سورية، حيث إن واشنطن لم تعد تقدم الدعم الكافي لأنقرة، ومواقفها شرق الفرات مخيبة بالنسبة لها".
وأضافت أن "أنقرة تدرك المواقف الأميركية هذه، ومن أجل ذلك، عملت على تأخير إتمام صفقة الصواريخ الروسية الجديدة، ولكن في حال تعنت الإدارة الأميركية في مواقفها من الحكومة، فإنها ستفرض بالضرورة توجه أنقرة باتجاه موسكو والعمل على إتمام الصفقة واستغلالها بشكل عكسي، أي أن الضغوط الأميركية التي قد تحدث بعد إتمام الصفقة التركية الثانية مع موسكو ستوظف داخليا للحديث عن المواقف الأميركية المعادية لتركيا وليس للحكومة".
الكاتب والباحث في الشؤون التركية طه عودة أوغلو قال، في حديث لـ"العربي الجديد": "الرئيس التركي أردوغان اعتبر في أحدث تصريحاته أن بداية العلاقة مع إدارة بايدن لا تبشر بخير، وكان هناك تعويل تركي على إجراء لقاء بين أردوغان وبايدن على هامش قمة الأمم المتحدة، بعد التنسيق الذي جرى بينهما مؤخرا في الملف الأفغاني، لكن عدم حدوث اللقاء كشف عن حجم الخلافات التركية الأميركية، التي طفت على السطح وظهرت جليا من خلال تصريحات أردوغان في الأيام الماضية".
وأضاف "بتصوري، العلاقات التركية الأميركية تعيش حاليا أسوأ حالاتها، وإلى هذه اللحظة، يبدو أن المحاولات التركية لطمأنة الجانب الأميركي بخصوص بعض الملفات والمتعلقة بصواريخ إس 400 والعلاقة مع روسيا لم تنجح، وهذا بدوره يعزز المخاوف لدى الحزب الحاكم بخصوص العلاقة بين الحكومة التركية والإدارة الأميركية خلال السنوات القادمة".
يبدو أن المحاولات التركية لطمأنة الجانب الأميركي بخصوص بعض الملفات والمتعلقة بصواريخ إس 400 والعلاقة مع روسيا لم تنجح
وذهب مبينا مستقبل العلاقات بين البلدين بالقول "أعتقد أن الأوراق التي يملكها الأتراك حاليا هي التلويح بورقة إس 400، وهذا ما يقوم به أردوغان، ولكن نجاح هذه التهديدات غير واضح في ظل العلاقة المتوترة بين حكومة أردوغان وإدارة بايدن، التي تقوم هي على الجانب الآخر بفتح قنوات الحوار مع الروس وبلورة تفاهمات في الملف السوري، ولهذا، يبدو واضحا أن الأشهر المقبلة ستشهد تصعيدا كبيرا بين الأميركيين والأتراك في ظل تمسك أنقرة بالصواريخ الروسية، وهذا سوف يضاعف الضغوط الأميركية على أنقرة، خصوصا حكومة أردوغان التي تستعد للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة".
من جانبه، قال الصحافي سعيد يوسف أوغلو إن "العلاقات التركية الأميركية لا تبشر بمرحلة جيدة، خاصة أن تصريحات أردوغان تشير إلى أن العلاقات تمر بأصعب مراحلها، وإن صحت التوقعات، فنحن أمام اضطرابات تصل إلى حين الانتخابات المقبلة في العام 2023".
وأضاف يوسف أوغلو "يمكن للحكومة التركية أن تصمد مؤقتا، ولكن لا أعتقد أنها تستطيع الصمود وصولا إلى الانتخابات، وبالتالي، يجب على الحكومة أن تعتمد على التوازن في العلاقات وعدم الاستعجال في استخدام كافة أوراقها، وإلا فستكون ضربة قاصمة للاقتصاد التركي".
وتوقع أن "تعود العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها في مرحلة ما بعد الانتخابات".