- تعتمد تركيا على روسيا للضغط على النظام السوري، بينما يصر النظام على انسحاب القوات التركية. تطالب تركيا بخطوات سياسية متزامنة مثل انتخابات حرة ودستور جديد، مع معالجة المخاوف الأمنية.
- قد يتأثر التقارب بالأوضاع الإقليمية، لكن قد يفتح آفاقًا جديدة بدعم دول عربية. تفضل روسيا والنظام السوري انتظار نتائج الانتخابات الأميركية لتحديد خطواتهما المستقبلية.
كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن وجود "رغبة جادة" لدى تركيا والنظام السوري لاستئناف الحوار ضمن مسار تطبيع العلاقات بين الطرفين، مؤكداً أن روسيا ستسهم بنشاط في هذا الملف. وقال لافروف، في مقابلة مع صحيفة "حرييت" التركية، إن "الحكومة السورية تُصر على ضرورة اتخاذ قرار بانسحاب الوحدات العسكرية التركية من أراضي الجمهورية العربية السورية". وأوضح أنه "في تركيا، من حيث المبدأ، يؤكدون التزامهم بسيادة سورية ووحدة أراضيها، غير أنهم يقترحون بحث مسألة سحب قواتهم في وقت لاحق. ونظراً لوجود مؤشرات على وجود اهتمام جاد باستئناف الحوار من العاصمتين، فإننا سنعمل بنشاط على إعادة استئناف عملية التفاوض في أقرب وقت ممكن".
وشدد لافروف على أن "تطبيع العلاقات السورية - التركية له أهمية كبيرة لتحقيق الاستقرار في سورية، وتعزيز الأمن في الشرق الأوسط"، مبيناً أن "روسيا تبذل جهوداً حثيثة للتغلب على الخلافات بين دمشق وأنقرة". وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 24 من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، المساعدة في ضمان التواصل مع النظام السوري من أجل تطبيع العلاقات بينهما.
وقال أردوغان حينها في تصريحات صحافية على متن الطائرة عائداً من مدينة قازان الروسية بعد مشاركته في قمة مجموعة "بريكس"، إن أنقرة "تؤيد منذ البداية وحدة الأراضي السورية، وإحلال السلام الدائم والعادل والشامل لدى جيرانها"، مضيفاً أن "منطقتنا تحولت إلى حلقة من النار، وللأسف هذه الحلقة تضيق يوما بعد يوم". ولفت إلى أن بلاده "تتطلع لأن تفهم الحكومة السورية الفوائد التي سيوفرها لها التطبيع الصادق والواقعي لعلاقاتها مع تركيا، وأن تتخذ خطواتها وفقاً لذلك".
وتعول تركيا على روسيا لممارسة ضغوط على النظام السوري من أجل الاستجابة لمبادراتها لدفع التقارب بين الجانبين، في حين يتمسك نظام الأسد بمطلبه الأساسي بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية شرطاً لإنجاح هذا الحوار، وهو ما ترفضه أنقرة، وتعتبر الأمر سابقاً لأوانه، نظراً للمخاطر المتوقعة على أمنها القومي في حال انسحاب قواتها من سورية فوراً، لكنها تقول إنها مستعدة من حيث المبدأ لمناقشة مسألة سحب القوات في وقت لاحق.
وكان مسار التقارب بين الجانبين بدأ علنياً بلقاء ثلاثي جمع وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام نهاية العام 2022، قبل أن تنضم إيران التي خشيت أن يكون تقارب نظام الأسد مع تركيا على حسابها. غير أن عملية التقارب لم تحقق قفزات كبيرة برغم التصريحات المتوالية الصادرة عن أردوغان والمسؤولين الأتراك منذ مايو/أيار الماضي.
يقول المحلل السياسي غازي دحمان لـ"العربي الجديد" إن مطالب النظام السوري من تركيا بسحب قواتها من الأراضي السورية، قابلتها مطالب تركية من النظام بضرورة أن تتزامن عملية التقارب بين الجانبين مع خطوات على طريق الحل السياسي في سورية بناء على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومن ذلك إجراء انتخابات حرة في سورية وإقرار دستور جديد للبلاد، وضمان عودة اللاجئين، ومعالجة المخاوف الأمنية التركية المتعلقة بالسيطرة على الحدود، وحل التنظيمات الكردية المسلحة في سورية.
وأوضح دحمان أن النظام في دمشق، ربما يتخوف من أن يقود التقارب مع تركيا إلى انطلاقة دينامية سياسية تجبره على تقديم تنازلات في ملفات يعتبرها خطرة، مثل إجراء انتخابات حرة، ووضع دستور جديد يحدد صلاحيات رئيس البلاد ومدة رئاسته، وصلاحيات الأجهزة الأمنية، ويخضعها مع الجيش للقانون.
ورأى أن مسار التقارب بين الجانبين "تأثر سلباً بسبب الأوضاع الساخنة في المنطقة والحرب في غزة ولبنان، لكن من الممكن أن تفتح هذه التطورات آفاقاً جديدة لهذا المسار". وأوضح أن خيار التقارب بين النظام السوري وتركيا، يحظى أيضاً بدعم من بعض الدول العربية التي لها تواصل مع النظام مثل الإمارات، وهو ما يمثل، أي التقارب مع تركيا والدول العربية، خياراً بديلاً للنظام بشأن علاقاته مع إيران ومحورها في المنطقة".
وكان سكرتير مجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، رحب بالجهود الإماراتية لمساعدة النظام السوري في التغلب على الأزمة الاقتصادية الحادة ضمن مناطق سيطرته. وقال شويغو خلال زيارته إلى الإمارات قبل يومين إنه "من المهم مواصلة إعادة الدمج النشط لسورية في البيئة الإقليمية"، مشدداً على ضرورة "تعزيز العودة الكاملة لها إلى الأسرة العربية وتحفيز الاستثمار من دول الخليج الأخرى في الاقتصاد السوري".
ورأى الباحث محمد جزار في حديث لـ"العربي الجديد" أن روسيا ربما تفضل الانتظار إلى حين جلاء نتائج الانتخابات الأميركية لتحديد خطواتها التالية في سورية. وأضاف جزار: "لا يخفى أن روسيا تراهن على فوز دونالد ترامب في الانتخابات نظراً للعلاقة التي تربطه مع رئيسها بوتين، ووعوده بإنهاء الحرب في أوكرانيا. كما أن فوز ترامب قد يخلق إمكانيات تقارب بين الجانبين في سورية، خاصة أن الأخير عبر غير مرة عن زهده بهذا الملف، وكان على وشك سحب القوات الأميركية من سورية نهاية العام 2018 لولا تدخلات إقليمية لدى بعض المؤسسات الأميركية للضغط على ترامب للتراجع عن قراره".
ويرى مراقبون أن النظام في دمشق الذي تتقاذفه الضغوط الإقليمية، ربما يفضل بدوره انتظار نتائج الانتخابات الأميركية، ويراهن على التوصل إلى تهدئة في لبنان وغزة، حتى لا يضطر إلى تحديد خياراته المصيرية، تحت الضغط ولهيب النيران المشتعلة في المنطقة.