كشف حقيقة الصهيونية دولياً وصراعها المستمر

كشف حقيقة الصهيونية دولياً وصراعها المستمر

30 ابريل 2022
تظاهرة مؤيدة لفلسطين في أمستردام 23 / 4/ 2022 (أنّا فيرنانديز/Getty)
+ الخط -

يتمثل جوهر المشروع الصهيوني في الترانسفير والتطهير العرقي، حيث يقوم المشروع على أنقاضِ شعبٍ آخَرَ، وهناك ثلاثَ استراتيجيات تقوم عليها الفكرة الترانسفيرية الصهيونية: الأولى: تتمثّل في إنكار وجود الشَّعْبِ الفلسطيني كَمُقدِّمةٍ لتجريدهِ من حقوقه: الوطنية، والسياسية، وصولاً إلى ترحيله عن أرضه، أما الثَّانية فتتمثَّلُ في ممارسةِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ بحق الشَّعبِ الفلسطيني، كما حدث عام 1948 بتهجير أكثر من نصفه عن أرضه، أما الثَّالثة: فهي استراتيجية (الترانسفير الزَّاحف) بوسائلَ مختلفةٍ، حيثُ بدأ في هذه الاستراتيجية بعد حرب حزيرانَ عام 1967، وهي مستمرة حتى يومنا هذا، وقد شكّلت هذه الاستراتيجيات الثلاث جوهر المشروع الصهيوني منذ أكثر من مائة عام.

تمحو إسرائيل وتزيل كل ما يثبت الوجود الجسدي والتاريخي والثقافي للشعب الفلسطيني المهجر، وبذلك تمحو تاريخه الثقافي من المنطقة، كي تضمن أن الشعب الفلسطيني الذي هجر قسرا لن يتمكن من العودة إلى أرضه.

كان القادة الصهاينة يصدرون أوامر تقضي بتطهير المناطق التي كانت تستولي عليها قواتهم من الشعب الفلسطيني، وترسخت هذه السياسة بشكل بارز بين عامي 1948-1949 واستمرت حتى الوقت الحاضر، لا سيما في مدينة القدس التي تواجه اليوم شتى أنواع الممارسات العنصرية.

أما مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، التي رفعها الصَّهاينة كشعار لجوهر المشروع الصهيوني، فهي في الشق الأول منها تُمَثِّلُ نفياً لوجود شعبٍ على أرض فلسطينَ، كمقدمةٍ لتبرير ما يعتزم الصهاينةُ تنفيذَهُ على الأرض بحق الفلسطينيين، وذلك بهدفِ تحقيقِ غاية المشروع الصُّهيوني، بإقامة دولة يهودية على أنقاضه. فمن أجل أن يحقق اليهودُ الصهاينة مشروعهم، طالبوا بالأرض التوراتية، واستحضروها، أو بالأحرى اخترعوها مهداً لحركتهم القومية الجديدة، وبحسب زعمهم أصبحتْ فلسطينُ بلداً يحتله غرباء، ويجب استردادها منهم. وفي مرحلتها المبكرة وطبقاً لتوجيه هرتزل، كشفتِ الحركةُ الصهيونية عن سِمَتَيْنِ أساسيتين كانت لهما أهمية جوهريةً ومستمرةً في تاريخها الْلَّاحق وهما: عدم الاعتراف بفلسطين، والسعي نحو التَّحالف مع قوى عظمى، وكان تجاهل الفلسطينيينَ اتِّجاهاً مُمَيَّزا للسِّياسَةِ الصُّهيونية منذ المؤتمر الصهيوني الأول. وهكذا دأب القادة الصهاينة على تجاهل وجودِ الشَّعْبِ الفلسطيني، وعلى العمل على ترحيلة كما حدث عام 1948، ولم يتوقّف هذا التَّجاهُلُ، وَنَفْيُ وجودِ الشَّعْبِ الفلسطيني بعد نكبة فلسطين، بل استَمَرَّ حتى بعد حرب 1967، كاستراتيجية في خطاب قادة إسرائيل، ولَعَل عبارةَ غولدا مائير الشهيرة تُلَخِّصُ هذا التَّوجُّهَ، حيث قالت، "ليس حقيقياً أنه كان هناك أناسٌ فلسطينيون في فلسطين، يعتبرون أنفسهم الشَّعب الفلسطيني، ونحن جئنا وألقينا بهم في الخارج، وأخذنا وطنهم...إنَّهُمْ لَمْ يكونوا موجودين.

وليس عبثا أن يأتي القرار العسكري الإسرائيلي الأخطر في تاريخ الاحتلال، الذي يمثل في الخريطة السياسية الأيديولوجية الصهيونية خلاصة الفكر الصهيوني الاقتلاعي الاستيطاني الإحلالي في فلسطين، والتي أخذت الحكومات الصهيونية المتعاقبة تعمل بها وتطبقها تباعا على نحو سافر.

ولذلك، في عهد نتنياهو قد أعلن أمام مؤتمر هرتسليا عن خطة إحياء وتجديد تهويد نحو ثلاثين ألف معلم تاريخي تراثي في القدس وانحاء الضفة وفلسطين بزعم أنها يهودية، فإنه يبلغ بذلك ذروة المخططات الصهيونية الرامية إلى محو وشطب كل الآثار والرموز السيادية المرتبطة بالتاريخ العربي في فلسطين، وإحكام القبضة الصهيونية الإستراتيجية على الأرض والسكان.

وقف الممارسات الاستيطانية لن يكون عبر انتظار الضمير الحر للمجتمع الدولي

تنامت أفكار ومشاريع وممارسات الترحيل والتهجير والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في ظل الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 1987، لتصل إلى ذروتها في ظل انتفاضة الأقصى 2000.

هناك عوامل أخرى ساهمت في إطالة بقاء المشروع الصهيوني في فلسطين، منها نجاحه في بناء تحالف استراتيجي فريد من نوعه مع الدولة العظمى؛ الولايات المتحدة الأميركية، إضافةً إلى التحالفات القوية مع الدول الغربية، والتي أسّستها "إسرائيل" منذ نشأتها، والعلاقات الدولية، واكتساب الشرعية والغطاء من الدول العظمى، وعامل بناء القوة العسكرية والتفوق العسكري النوعي على مجموع الدول العربية.

راكم المشروع الصهيوني المزيد من النجاحات على صعيد كسر العزلة عنه بوصفه قوة احتلال، وأحدث اختراقات نوعية في الجدار العربي منذ إبرام معاهدة "كامب ديفيد" بين مصر و"إسرائيل" في العام 1979، مروراً بتوقيع اتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" في العام 1993، واتفاقية "وادي عربة" بين الأردن و"إسرائيل" في العام 1994، وصولاً إلى اتفاقيات التطبيع أو ما يطلق عليها أميركياً وإسرائيلياً اسم "اتفاقيات أبراهام".

وفي ظل الواقع الدولي المتسم بسيادة لغة المصالح وطغيان قانون القوة، والذي يُعد دعم الولايات المتحدة لدولة الاحتلال في كل إجراءاتها غير الشرعية في فلسطين، بما فيها ضم الأراضي المستولى عليها قسرًا، إلى إقليمها أهمَّ تجلياته.

لا بد من استقصاء فرص نجاح المحكمة الجنائية الدولية في الحد من جريمة الاستيطان كجريمة حرب مستمرة في حق أبناء الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال تتبع مسلسل الاستيطان الإسرائيلي ورصد أهم المشاريع الاستيطانية التي أقامتها إسرائيل في الأراضي المحتلة، وبحث موقف القانون الدولي منها، ورصد أهم العوائق السياسية والقانونية التي بإمكانها عرقلة تدخّل المحكمة لوضع حد لسياسة الاستيلاء على الأراضي والضم التي تنهجها إسرائيل في فلسطين، في تحدٍّ سافر للشرعية الدولية وكأنها دولة فوق القانون.

حتى الأمم المتحدة لا تقدم أي رد فعل ضد جرائم الاحتلال الاستيطانية، سوى كلمات روتينية وتصريحات بروتوكولية لطيفة، لا تحمل أي آثار أو تداعيات سلبية على دولة الاحتلال، بل إنها لا تعبأ بها من الأساس، وهو ما يمكننا من القول: إن ممارسات المجتمع الدولي، تساهم بشكل كبير في التواطؤ على حماية الكيان الصهيوني الغاصب.

إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، التي رأت في الاستيطان خرقًا سافرًا للقانون الدولي، وجريمة حرب تنتهك حقوق الفلسطينيين، رغم ذلك، فإن إسرائيل مستمرة في سياسة الاستيلاء على الأراضي المحتلة وضمها إلى إقليمها، غير عابئة بما يدور حولها من شجب وتنديد. ويمكن إرجاع الاستخفاف الإسرائيلي بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية إلى الدعم الأميركي اللامحدود للمشروع الصهيوني في الشرق الأوسط، الأمر الذي يفسر عدم اتخاذ مجلس الأمن تدابير زجرية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، واكتفاءه بالشجب والتذكير بمسؤولية إسرائيل كقوة احتلال.

موقف
التحديثات الحية

الحقيقة التاريخية والواقعية تفيد بأن المجتمع الدولي لا يتحرك بشكل فاعل مع القضية الفلسطينية، إلا بعد أن يوجع الفلسطينيون الصهاينةَ، ويؤلمونهم كما يتألمون، هنا تتحرك الولايات المتحدة وأذنابها في المجتمع الدولي.

وهذه الحقيقة بديهية لا يستطيع أحد إنكارها، وهنا يأتي السؤال استنكارًا عن أولئك الذين يطالبون بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية، ما هي أهدافهم الحقيقية؟ وإلامَ يسعون؟

إن وقف الممارسات الاستيطانية للدولة الصهيونية لن يكون عبر انتظار الضمير الحر للمجتمع الدولي بأي حال من الأحوال، ولكن عبر الاستمرار في تقوية شوكة المقاومة الفلسطينية، حتى تكون لها كلمة مسموعة تجبر المجتمع الدولي على التحرك لوقف الاستيطان.

ورغم تمتّع العدو بعناصر قوة، فقد ظهرت بوادر لتراجع الوزن النسبي لتلك العناصر، بل فُقد بعضها كليّاً، وظهرت عوامل ضعف لم تتوفر في الماضي أو على الأقل كانت بمستوى أدنى مما عليه هي الآن، وبرز العديد من المؤشرات على تراجع المشروع الصهيوني وضعفه، ولا سيما في العقدين الأخيرين، منها مؤشرات ذاتية في بنية المشروع الصهيوني، وأخرى موضوعية وواقعية دلّت عليها أحداث الأعوام العشرين الأخيرة ومتغيراتها.

وفي الجانب الآخر من المعادلة، راكم الشعب الفلسطيني تجارب مهمة في صراعه مع المشروع الصهيوني، ترجمت بانتفاضات ومقاومة شعبية وعسكرية، وانتصر في معارك ومواجهات مسلحة مع العدو، وتمكَّن من تحرير أول بقعة فلسطينية منذ النكبة، وهي قطاع غزة في العام 2005.

يجب فضح التطبيع والمطبعين وتجديد العداء للصهيونية والاحتلال الإسرائيلي المغتصب، والتذكير بحقيقة أهدافه تجاه الأمتين العربية والإسلامية، وبجرائمه ومذابحه واعتداءاته التي لم تتوقف منذ احتلاله لفلسطين، ومناهضة المشروع الصهيوني في المنطقة، ومناشدة الجميع بالتوحد ضد العدو الحقيقي، وترك كل أشكال الصراع والاقتتال الداخلي.

ستبقى قضية فلسطين حاضرة في نفوسنا، على الرغم من موجات التطبيع مع الكيان الصهيوني، من أنظمة فقدت شرعيتها، وباعت الوهم للشعوب، بأن التقارب مع العدو الصهيوني سيجلب الخيرات والاستقرار للمنطقة!

ولا أمل في مجتمع دولي يدّعي سعيه لإقرار حق الشعوب في تقرير مصيرها، فالغرب في مجمله يدعم الكيان الصهيوني، على حساب فلسطين وأهلها، ولا تعويل على الكيانات الرسمية العربية والإسلامية وحتى الشعوب التي لم تقم بالدور المطلوب منها.

والأمل والتعويل الكبير على صمود الشعب الفلسطيني بكل فئاته، وعلى قدرات وإمكانيات المقاومة المشروعة في كل فلسطين لردع العدو الإسرائيلي المحتل، وإيقافه عند حده.