قيس سعيد وأميركا والاتحاد الأوروبي: أزمة ثقة تتعمق

16 فبراير 2022
احتجاجات ضد سعيد بالعاصمة يوم الأحد الماضي (الشاذلي بن ابراهيم/Getty)
+ الخط -

كشف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، خلال حوار أجرته معه القناة الخامسة الفرنسية أن الاتحاد "بصدد النقاش لإيقاف المساعدات المالية الكبرى، إذا لم تعد تونس إلى مسارها الديمقراطي".

ويُفهم من هذا الكلام أن الملف التونسي مطروح حالياً على مائدة النقاش بين مختلف الحكومات الأوروبية.

ويعود السبب إلى أن الاتحاد، الذي يُعتبر الشريك الاقتصادي الأول لتونس، فقد ثقته أو يكاد بالرئيس قيس سعيد، وأن النية تتجه حالياً نحو ممارسة الضغط المباشر عليه من خلال ربط المساعدات بحصول تقدم فعلي في مجال الحريات واستئناف الانتقال الديمقراطي.

فهل تكون لهذا التصريح تداعيات إيجابية، أم أن الرئيس سعيد سيستمر في غض الطرف عما يعتبره "تدخلاً في الشؤون التونسية"؟.

لم يكن هذا التصريح الأول من نوعه، فالعديد من الدول الغربية لم تنفض يديها من الرئيس التونسي، لكنها تشعر بأنه يستخف بالملاحظات التي يبديها ممثلوها على بعض قراراته، ويرى في ذلك تدخلاً مباشراً في كيفية إدارته للحكم.

لم يعد خافياً وجود أزمة غير معلنة بين الطرفين، مع تأكيد سعيد أخيراً أن "بعض العواصم والمنظمات يساورها القلق بسبب حل المجلس الأعلى للقضاء، ولم يساورها هذا القلق لعدم تحقيق العدالة في الدولة التونسية، أو عندما تم التلاعب بالمليارات".

وأضاف بلهجة من التحدي والاحتجاج: "يساورنا القلق أيضاً من قلقهم لأننا دولة ذات سيادة، ونعرف التوازنات الدولية والمعاهدات والاتفاقيات أكثر مما يعرفونها، وملتزمون بفكرة الحرية والديمقراطية والعدالة".

وجاء هذا التعليق رداً على سفراء الدول السبع (كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة) والاتحاد الأوروبي، التي عبّرت في بيان مشترك، في 8 فبراير/شباط الحالي، عن "قلقها البالغ إزاء حل المجلس الأعلى للقضاء".


سيناتور أميركي: من المستحيل تصديق سعيد بموضوع إعادة الديمقراطية

أزمة ثقة بين سعيد وأميركا وأوروبا

ما يحصل حالياً بين الرئيس التونسي وبين واشنطن ومعظم العواصم الأوروبية يتجاوز مرحلة سوء التفاهم أو الاختلاف في وجهات النظر، ليتحول إلى أزمة ثقة تتعمق يوماً بعد يوم.

وأشار عضو الكونغرس الأميركي كريس مورفي إلى ذلك بوضوح، عندما قال من دون تحفظ في 8 فبراير الحالي: "أصبح من المستحيل تصديق ادّعاءات الرئيس قيس سعيد بأنه ملتزم بإعادة بلاده إلى الديمقراطية"، مضيفاً أن "من الضروري أن يفهم الرئيس التونسي أن تقديم الدعم المالي من المجتمع الدولي مرتبط بتصحيح المسار السياسي وعودة الديمقراطية في البلاد".

وبذلك يلتقي الموقف الأوروبي مع الموقف الأميركي حول مسألة ربط المساعدات بالديمقراطية والحريات.

وهو أمر يرفضه الرئيس التونسي بكل قوة، إذ سبق أن التقى بالسفير الأميركي دونالد بلوم وأبلغه استياء الدولة التونسية من إدراج الأوضاع في تونس في جدول أعمال الكونغرس الأميركي.

غير أنه على الرغم من هذا الاحتجاج، استمرت أزمة الثقة بين قيادتي البلدين، وهو ما دفع بوزير الخارجية السابق أحمد ونيس إلى القول: "يبدو أن الأسلوب الذي توخاه رئيس الجمهورية قيس سعيد، هو الذي حيّر الشركاء الدوليين".

إلى متى سيستمر قيس سعيد في تحدي هذه الأطراف الدولية، ومواصلة تنفيذ اختياراته من دون أن يكون لذلك انعكاس سلبي مباشر على تونس؟ سؤال مطروح بقوة داخلياً وخارجياً.

ويمكن للرئيس التونسي الاعتراض على مواقف هذه الدول، لكن في المقابل لا يمكنه أن ينتظر منها مواصلة تقديم القروض والمساعدات، وهي نتاج أموال دافعي الضرائب في الدول المانحة، من دون شروط وضمانات.

وكي يستغني الرئيس عن هذه المساعدات المشروطة، عليه الاعتماد على الموارد المحلية إن كانت موجودة، أو اللجوء إلى دول أخرى تكون مستعدة للدفع وقادرة على تجاوز "الفيتو" الأميركي والأوروبي، وإفشال ضغوطهما عليه.

هذا السيناريو وارد، وإن كانت حظوظه تبدو ضعيفة جداً. فدعوة سعيد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لزيارة تونس في الأسابيع المقبلة، تعدّ خطوة في هذا الاتجاه.

وما تحريك المياه الراكدة بين البلدين، واستئناف السعودية إنجاز مشاريعها المعطلة في تونس إلا مؤشر على رغبة النظام التونسي في الاستنجاد بالمملكة لمساعدته على مواجهة أزمة مالية واقتصادية، مرشحة للتصاعد خلال الأشهر المقبلة.

وهو ما حصل مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد انقلاب عام 2013، لكن واشنطن خصوصاً غير متحمسة لتكرار نفس التجربة مع الرئيس سعيد في ظل حكم الرئيس جو بايدن. 

تراجع مصادر المالية التونسية

 وتعاني المالية التونسية من تراجع مخيف في مصادرها، بعد رفض معظم المؤسسات والمصارف الدولية إسعافها بشروط ميسّرة.

وتترقّب هذه المؤسسات الضوء الأخضر من صندوق النقد الدولي، الذي ينتظر بدوره التزامات تونسية صريحة وواضحة، تتعلق بجملة من الإصلاحات التي سبق أن عرضها على مختلف الحكومات التي تعاقبت على البلاد بعد الثورة في عامي 2010 ـ 2011.

ومن بين هذه الشروط وجود برلمان يصادق على الميزانية الجديدة وعلى الإصلاحات التي ستنفذها الحكومة ويوافق عليها اتحاد الشغل.


رفضت معظم المؤسسات الدولية إسعاف تونس من دون إصلاحات

بعد رفض الرئيس اللجوء إلى الصندوق، اضطر إلى تغيير موقفه، وبناء عليه صاغت حكومة نجلاء بودن ورقة التزمت فيها بالسعي إلى "إصلاح القطاع العام والدعم والمؤسسات العامة والجباية بما يقلص حجم الدين العمومي الى 5.85 في المائة ويرفع موارد التمويل الذاتية إلى 6.66 في المائة في عام 2024".

كما تعهدت بـ"تخفيض عدد أعوان الوظيفة العمومية"، و"بلوغ الأسعار الحقيقية للمحروقات في أفق 2026".

ونظراً للكلفة الاجتماعية العالية التي ستترتب عن هذه الإجراءات، حاولت الحكومة إخفاء هذه المسودة عن الشركاء المحليين، وعندما فشلت في ذلك، تم الإعلان عن بداية المحادثات مع خبراء الصندوق، في انتظار أن ينجز اتحاد الشغل مؤتمره العام ليبدي رأيه فيما ستقدم عليه من سياسات ستكون صعبة ومؤلمة.

لكن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لن تتم بعيداً عن عيون واشنطن، ووفق إرادتها.