قوة خاصة لـ"طالبان" لمحاربة "داعش"... وخسائر أمام الحكومة الأفغانية

كابول
avata
صبغة الله صابر
صحافي باكستاني؛ مراسل "العربي الجديد" في مناطق أفغانستان وباكستان.
30 أكتوبر 2015
D54D7B17-F90B-40ED-8910-61E4C1DD1E0A
+ الخط -
تعرّضت حركة "طالبان" في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد إعلان وفاة زعيمها الملا عمر، لتغييرات كثيرة، وكادت أن تنقسم إلى عدة تنظيمات متناحرة بسبب الخلافات التي نجمت عن وفاة زعميها وتعيين خليفة له. وبينما كان بعض القادة البارزين في الحركة منشغلين بخلافاتهم الداخلية، بدا أن زعيم الحركة الملا أختر منصور وجد في تغيير استراتيجية الحركة إزاء الحكومة الأفغانية وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مفراً من كل تلك الخلافات ووسيلة مهمة لإشغال مقاتلي الحركة بالقتال وتنظيم الصفوف.

ومع تزايد التكهنات بشأن قوة تنظيم "داعش" في أفغانستان، كانت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على رأس من حذروا من تعاظم قوة التنظيم، وتدفّق المسلحين باتجاهه، على حساب "طالبان". وعلى الرغم من إشارة بعض المراقبين إلى أن الحكومة الأفغانية وراء ترويج هذه التكهنات للحصول على دعم دول المنطقة، إلا أن تحركات "داعش" على الأرض أثارت قلقاً لدى كل الأطراف المعنية بالأزمة. وبدأت "طالبان"، بعد أن تلقت ضربات قوية على يد "داعش" في شرق البلاد، اتخاذ خطوات للوقوف في وجه تنظيم يعتبر "طالبان" أول وأشرس أعدائه، ويحاول أن يشاطرها القوة العسكرية في شرق وجنوب البلاد.

وبعد معارك ضارية بين الجماعتين، واستيلاء "داعش" على مناطق شاسعة في شرق البلاد وبالقرب من الحدود الباكستانية، قررت قيادة "طالبان" تشكيل قوة خاصة، تهدف إلى الوقوف في وجه التنظيم. وفي هذا السياق، يؤكد قائد ميداني في الحركة لـ"العربي الجديد"، أن "ثمة فِرقاً عديدة لمسلحي الحركة في كل مديرية أفغانية وتسمى واحدة منها محلياً "دلكي" أي الجماعة القتالية، واللجنة المخوّلة بهذا المجال قررت أن يتم تعيين شابين أو ثلاثة من كل جماعة، ليشكّل هؤلاء فرقة خاصة على مستوى المديرية، ثم لتشكّل جميع تلك الفرق قوة خاصة في الإقليم".

ولا يقتصر عمل هذه القوة على مواجهة "داعش"، والدفاع عن أراضي الحركة، إنما قد تشارك في العمليات الهجومية. وأوضح المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في حوار له مع قناة "بي بي سي"، أن هناك العديد من مراكز تدريب هذه القوة، وقد انضم إليها أعداد كبيرة من الشباب، مشيراً إلى أن هذه الفرق قد تشارك في العمليات الهجومية، إذا دعت الحاجة.

كما علمت "العربي الجديد" من مصادر قبلية أن "طالبان" شكّلت بموازاة هذه القوة لجاناً من العلماء والمثقفين من مسلّحي الحركة، تجوب المدن والأحياء، وتحذر المواطنين من الانضمام إلى "داعش"، وتحضّهم على العمل مع "طالبان" ضد الفئة التي تصفها بالمتشددة والدخيلة.

وبينما تُعتبر استراتيجية "طالبان" ناجعة إلى حدٍ ما في مواجهة "داعش"، إلا أن تغيير استراتيجية الحركة في التعامل مع الحكومة الأفغانية تُعدّ فاشلة وفق البعض، وقد تسببت في توجيه ضربة قوية لنفوذ "طالبان"، وخلقت تصدعات في صفوف قياداتها الميدانية. ولم يكن الهجوم على مدينة قندوز الأفغانية هجوماً عادياً كما اعتبره البعض آنذاك، إنما كان بداية استراتيجية جديدة لطالبان.

فقد كان زعيم الحركة الراحل الملا عمر يناهض بقوة، كما يقول قيادي في الحركة رفض ذكر اسمه، الزحف إلى المدن والطرق الرئيسية التي يخشى أن تتسبب في إلحاق أضرار بعامة المواطنين وممتلكاتهم. بيد أن الزعيم الجديد للحركة اتخذ الزحف إلى المدن وإغلاق الطرق الرئيسية وسيلة للوصول إلى الأهداف بشكل سريع. وقد دفع سكان قندوز وتجارها بل المدينة برمتها، أثماناً كبيرة للهجوم الكبير الذي شنّته الحركة على المدينة، والذي له تفسيرات عديدة لدى المراقبين الأفغان.

اقرأ أيضاً: السلطات الأفغانية تعلن استعادة السيطرة على قندوز

ويرى البعض أن الهجوم على قندوز تم بمباركة أميركية تهديداً لروسيا ودول آسيا الوسطى من جهة، ولخلق مبرر لسياساتها المستقبلية تجاه أفغانستان من جهة أخرى. إذ إن الحادث سبق إعلان الرئيس الأميركي بارك أوباما، تعزيز انتشار قواته في أفغانستان بعد 2016، وكان السبب الأساسي في تغيير الولايات المتحدة خطة انسحاب قواتها من أفغانستان. في حين يرى آخرون أن الهجوم جاء للضغط على الحكومة الأفغانية كي تقبل الجلوس على طاولة المفاوضات مع "طالبان"، ولكي تقوي موقف الأخيرة في المفاوضات.

وبغض النظر عن كل تلك التفسيرات، إلا أن الأهم أن هجوم قندوز شكّل تحوّلاً كبيراً في استراتيجية الحركة، وهو ما أثبتته الأحداث المتتالية والمتواصلة. وبعد الهجوم على قندوز والانسحاب عنها، تجمّعت أعداد كبيرة من مقاتلي الحركة في إقليم قندهار، وبالقرب من الحدود الباكستانية لشن هجوم مماثل على قندهار وضواحيها. ولكن الاستخبارات الأفغانية تلقت معلومات من داخل الحركة، كما قال مسؤول أمن قندهار الجنرال عبد الرازق، واستطاعت منع الهجوم على قندهار. وأعلنت قوات الأمن الأفغانية مقتل 150 من مسلحي الحركة، فيما لجأ آخرون نحو الأراضي الباكستانية، على حد قول الجنرال عبد الرازق.

بعد ذلك جاء الهجوم على مدينة غزنة في وسط البلاد، وقبل بدء الهجوم عليها فجّر مسلحو "طالبان" جسوراً رئيسية على الطريق الممتد بين كابول والأقاليم الجنوبية وأغلقوها في وجه المواطنين لمدة ثلاثة أيام. المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد أعلن أن الهجوم بهدف الوصول إلى أهداف جهادية، لم يفصح عنها. وجاء ذلك بعد أن شنت قوات الأمن الأفغانية هجوماً كبيراً على تجمّعات للمسلحين كانت تنوي الهجوم على مدينة غزنة والاستيلاء عليها.

سيطرة طالبان على مناطق مختلفة على امتداد الطريق الرئيسي بين كابول وقندهار، وإغلاقها، خلقت صعوبات جمّة أمام المواطنين، إذ توقفت آلاف السيارات على امتداد الطريق. ففي مدينة زابل وحدها بقي 12 ألف مواطن محاصرين، بعدما كانوا في طريقهم إلى كابول أو الأقاليم المجاورة لها. تحركت السيارات المتوقفة صوب العاصمة بعد أن شنّت قوات الأمن عملية ضد المسلحين المتمركزين على جانبي الطرق، وتمكّنت من فتحها. إلا أن "طالبان" أغلقت الطريق مرة أخرى في إقليم وردك المجاور للعاصمة، قبل أن ينجح الجيش بفتحها إثر عمليات دامت ساعات. وهكذا تتواصل الأحداث، فـ"طالبان" تغلق الطرق والجيش يفتحها، ويبقى المواطن هو الضحية.

بالإضافة إلى ما سبق، بدأت حركة "طالبان" بقصف مدن رئيسية، وكان أول هجوم بالصواريخ على مدينة غزنة الأسبوع الماضي، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد، بينهم نساء. أعقبه هجوم مماثل على مدينة ميدان عاصمة وردك، ولكنه لم يسفر عن أية خسائر. وأعلنت الهجمات ان هذه الهجمات جاءت بذريعة استهداف القواعد العسكرية، نافية الأنباء عن وقوع خسائر في صفوف المواطنين.

هذه التحركات الجديدة لـ"طالبان" تسبّبت بحالة غضب تجاهها من قِبل الشعب الأفغاني، كما أنها من المتوقع أن تؤدي إلى تدهور شعبية الحركة، إضافة إلى خسارتها أعداداً كبيرة من مسلحيها، إذ إنها فقدت في قندوز وحدها أكثر من 500 مسلح. وتقول مصادر قبلية إن مديرية شاردره التي تقطنها قبائل البشتون الموالية لطالبان، قد استقبلت وحدها نحو 200 قتيل، ما أثار حفيظة سكان تلك القبائل، التي باتت تتساءل حول الهدف من وراء كل تلك التضحيات. علاوة على مقتل 150 مسلحاً في قندهار ونحو 60 في عملية الجيش لفتح طريق كابول-قندهار في غزنة.

وقال الزعيم القبلي في قندوز جان أحمد، إن "ما حل بمدينتنا بعد زحف "طالبان" أمر مخيف للغاية، ولن يقبل سكان أية مدينة أفغانية أن تدخل إليها الحركة ويحل بهم ما حل بنا"، مشدداً على أن الحركة لن تستطيع فعل شيء إذا لم يصحبها دعم شعبي وقبلي.

اقرأ أيضاً: تطورات الشمال الأفغاني... بوابة عودة النفوذ الروسي

ذات صلة

الصورة
تواصل الاحتجاجات ضد "هيئة تحرير الشام"، 31/5/2024 (العربي الجديد)

سياسة

شهدت مدن وبلدات في أرياف محافظتي إدلب وحلب الواقعة ضمن مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام احتجاجات ضد زعيمها أبو محمد الجولاني وجهازها الأمني
الصورة
سيول الفيضانات في بغلان (عاطف أريان/ فرانس برس)

مجتمع

بين 10 و20 مايو/ أيار الجاري، شهدت مناطق في أفغانستان فيضانات جارفة غمرت مناطق شاسعة في عدد من الولايات.
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة
المخدرات مصدر تمويل رئيسي لحركة الشباب

تحقيقات

تمول حركة الشباب أنشطتها المحلية في الصومال، والإقليمية في دول الجوار، عبر تجارة المخدرات والضرائب التي تفرضها على من يعملون بها، في ظل الفوضى الأمنية
المساهمون