يبدأ الكنيست الإسرائيلي، اليوم الإثنين، التصويت على مجموعة من مقترحات قوانين الانقلاب القضائي، التي أعدّتها الحكومة الإسرائيلية، والتي تهدف رسمياً لإصلاح النظام القضائي، وفي الواقع تقييد صلاحيات المحكمة الإسرائيلية العليا، لتمكين ائتلاف بنيامين نتنياهو من السيطرة، من خلال لجنة تعيين القضاة، على الجهاز القضائي الإسرائيلي وضرب استقلاله.
وتسعى الحكومة الحالية إلى تمرير قرارات تعيين وزراء في الحكومة دون قدرة المحكمة على نقض القرار (كما حدث في قرار المحكمة قبل ثلاثة أسابيع بفصل أرييه درعي من الحكومة)، والوصول ربما لاحقاً إلى سن قانون يعرف باسم القانون الفرنسي، الذي يمنح رئيس الحكومة حصانة من أي محاكمة ما دام في منصبه. وكان نتنياهو قد حاول الترويج لهذا القانون في الأعوام الثلاثة الأخيرة لمنع تقديمه للمحاكمة.
طالب عميحاي شيقلي السفير الأميركي عدم التدخل في الشؤون الإسرائيلية الداخلية
في موازاة ذلك، أعلن الائتلاف الحكومي، أمس الأحد، أنه سيطرح للتصويت في القراءة التمهيدية أيضاً، مقترح قانون يمنع المستشار القضائي للحكومة، الإعلان عن "عدم قدرة رئيس الحكومة مزاولة عمله، وتنحيته عملياً من المنصب"، وذلك إثر تقارير تحدثت في الأسابيع الأخيرة، عن تداول المستشارة القضائية للحكومة، والنيابة العامة في إسرائيل في هذه المسألة (الإعلان أن نتنياهو غير صالح لأداء مهامه) وبالتالي تنحيته بحجة خرقه تعهد وثيقة عدم تضارب المصالح بعدم التدخل في ملف التشريعات القضائية الحالية.
ارتفاع حدة النقاش داخلياً
ويأتي بدء التصويت اليوم، بعد ارتفاع حدة النقاش والجدل الداخلي في إسرائيل. ولكن وبشكل أبرز ارتفاع حدة الانتقادات الخارجية لمخاطر هذه التشريعات، ومسّها المحتمل "بالنظام الديمقراطي في إسرائيل". فقد شهدت الأيام الأخيرة حالتين من التدخل، أو التطرق الخارجي لخطة "الإصلاحات" كما تسميها الحكومة الحالية، و"الانقلاب على النظام" وفق تسمية المعارضة الإسرائيلية.
فقد أثار السفير الأميركي لدى تل أبيب، توماس نايدس، حفيظة الحكومة الإسرائيلية ووزرائها، عندما قال، في مقابلة "بودكاست" مع شبكة "سي إن إن"، إن الإدارة الأميركية طالبت الحكومة الإسرائيلية، بتخفيف وتيرة هذه التشريعات وكبح جماحها، مبيناً أن "الرئيس (الأميركي جو) بايدن لن يسكت على المس بقيمنا المشتركة".
وتولى وزير "المهجر ومكافحة العداء للسامية" في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، عميحاي شيقلي، مهاجمة نايدس، مطالباً إياه "بالاهتمام بأموره هو" وعدم التدخل في الشؤون الإسرائيلية الداخلية.
كما أعرب عدد من زعماء الدول الأوروبية، وأبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عند لقائه نتنياهو، في باريس أخيراً، عن قلق فرنسا من تداعيات التعديلات القضائية على الديمقراطية في إسرائيل والقيم المشتركة مع أوروبا.
وقد خرج نتنياهو، أمس الأحد لأول مرة للرد على هذه الانتقادات، وعلى الانتقادات الداخلية، التي وظفت الانتقادات الأميركية للتحذير من خطر فقدان التأييد الأميركي.
واستغل نتنياهو تصريحات الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله الأخيرة، وتصريحات نايدس، على التناقض الهائل بينها، ليوجه رسالة لنصر الله بأن حديثه عن "حرب داخلية" في إسرائيل لن يكون (يتحقق)، فيما رد على الانتقادات الأوروبية والأميركية بقوله إن إسرائيل ستبقى دولة ديمقراطية، وتوجيه رسالة للمعارضة متهماً إياها بتعميق الشرخ الداخلي، الذي ينتظره "العدو الخارجي"، ومطالباً إياهم "بخفض ألسنة اللهب".
وجه نتنياهو رسالة لنصر الله بأن حديثه عن "حرب داخلية" في إسرائيل لن يتحقق
وجاءت تصريحات نتنياهو، واعتزام الكنيست اليوم البدء في التصويت على جملة "الإصلاحات"، كما يسميها نتنياهو، بالرغم أيضاً من تحذيرات أجهزة أمنية ورؤساء أركان ورؤساء للشاباك والموساد من أن استمرار الأزمة السياسية بصورتها الحالية تمس بالمناعة القومة لإسرائيل وعلاقاتها الدولية، فيما كشف المفتش العام للشرطة الإسرائيلية يعقوب شبتاي أن الشرطة ومختلف الأجهزة الأمنية في إسرائيل في حالة استنفار لمنع وقوع اغتيال سياسي جديد في إسرائيل.
المعارضة غير موحدة
وبالرغم من مواصلة التظاهرات، واتساع رقعتها إلى قطاعات اجتماعية مختلفة، إلا أن المعارضة الإسرائيلية، الممثلة بالأحزاب المختلفة، لا تبدو موحدة في موقفها. إذ يبدي حزب "المعسكر العمومي"، بقيادة الجنرال بني غانتس وغدعون ساعر، مرونة أكبر في الاستعداد للتحاور مع الحكومة، لكنه يرفض وضع جدول زمني لهذا الحوار، معتبراً أن المدة التي اشترطها يئير لبيد لوقف عمليات التشريع، للدخول في الحوار، وهي 60 يوماً، خطأ ويجب عدم تحديد هذه الفترة، بل تركها وفقاً لمدى تقدم الحوار وإنجاز مكاسب خلاله.
وهو موقف يعتبر بعض المراقبين أنه رسالة لإمكانية انضمام معسكر غانتس للحكومة، في حال اتجه نتنياهو، تحت الضغوط الخارجية، لتغيير في تركيبة الائتلاف الحكومي.
نتنياهو يستفيد من حالة الاختلاف الداخلي
وفي هذا السياق يبدو أن نتنياهو، الذي حاول طمأنة الولايات المتحدة، بأنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في سياسة الحكومة، يستفيد من حالة الاختلاف الداخلي، والتظاهرات الكبيرة، باعتبارها، تشكل نقطة جذب للأنظار الخارجية عليها، وتطغى على الانتقادات لممارسات وجرائم الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، وتوفر له ذريعة للهروب من الملف الفلسطيني ومسارات التسوية بحجة تركيبة ائتلافه وقيود هذا الائتلاف، من جهة، والخلافات الداخلية من جهة أخرى.
وأخيراً، فقد بينت التظاهرات الأسبوعية أمس الأول السبت، استمرار الإجماع الإسرائيلي، بما في ذلك من يتظاهرون بادعاء حماية الديمقراطية الإسرائيلية، على إقصاء فلسطيني الداخل فعلياً من اللعبة السياسية عندما يتعلق الأمر بنظام الدولة وطابعها اليهودي، عندما رفض منظمو تظاهرات حيفا، السبت الماضي منع المندوبة العربية للحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية، ريم حزان من إلقاء كلمة في التظاهرة، إذا لم تعدل من كلمتها وتبتعد عن ذكر الاحتلال ووجوب إنهائه.