قضية جوليو ريجيني... تفاصيل تناقض رواية السلطات المصرية

04 يونيو 2024
وقفة للمطالبة بكشف الحقيقة بقضية جوليو ريجيني في روما، 2017 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تكشفت تفاصيل جديدة حول قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، الذي تعرض للاختطاف والتعذيب والقتل في 2016 بالقاهرة، مع توجيه الاتهام إلى أربعة ضباط من جهاز الأمن الوطني المصري.
- في جلسة محكمة روما، كشفت النيابة العامة الإيطالية عن وقائع جديدة تدحض رواية السلطات المصرية، بما في ذلك تسريب صوتي يمثل عنصر اتهام جديداً، ووجود جواز سفر ريجيني ومستنداته بحوزة ضابط برتبة عقيد في مباحث القاهرة.
- تحقيق حصري على قناة راي 3 الإيطالية يكشف "الحقائق المخفية" عن القضية، مع تأكيد على تأثير مصالح الشركات الإيطالية العملاقة في مصر على مسار القضية، مما يعزز الجهود الرامية لكشف الحقيقة والمطالبة بالعدالة لريجيني.

ظهرت في الأسابيع الماضية تفاصيل جديدة متعلقة بقضية اختطاف وتعذيب وقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في يناير/كانون الثاني عام 2016 في القاهرة، المتهم فيها أربعة من ضباط جهاز الأمن الوطني المصري، هم اللواء طارق صابر والعقيد آسر كامل محمد إبراهيم، والرائد مجدي إبراهيم عبد العال شريف والنقيب حسام حلمي. وعقدت دائرة الجنايات في محكمة روما، أواخر شهر مايو/أيار الماضي، جلسةً لمتابعة النظر في قضية جوليو ريجيني بحضور النائب العام الإيطالي المساعد سيرجو كولايوكو، وأسرة ريجيني ومحاميتها أليساندرا بالليريني. وتضمنت الجلسة كشف النيابة العامة الإيطالية عن وقائع جديدة، بما في ذلك تسريب صوتي، قالت محامية عائلة ريجيني إنها تدحض رواية السلطات المصرية. كما بثّت قناة راي 3 الحكومية الإيطالية، مساء أول من أمس الأحد، تحقيقاً حصرياً تضمن معلومات تفيد بأن ريجيني كان ما زال حيّاً يوم 29 يناير 2016 بعد أن كان قد اختفى يوم 25 يناير.

يرى متابعون أن محادثة صوتية سجّلها سرّاً أحد الشهود تمثل عنصر اتهام جديداً لضباط مصريين

تفاصيل جديدة في قضية جوليو ريجيني

وأعلن النائب العام الإيطالي المساعد سيرجو كولايوكو، الذي أُسند إليه ملف قضية جوليو ريجيني في يناير 2017، أمام هيئة المحكمة في شهر مايو الماضي، أن "الأحراز والمستندات الخاصة بريجيني، بما فيها جواز سفره، كانت بحوزة ضابط في مباحث القاهرة برتبة عقيد، وذلك قبل العثور عليها إثر عملية مداهمة يوم 24 مارس/آذار 2016 في مسكن خمسة من أفراد إحدى العصابات الإجرامية، التي تبادلت معها الشرطة المصرية إطلاق النار وأردتهم جميعاً قتلى، بعد اتهامهم زوراً بقتل الباحث الإيطالي".

وأوضح كولايوكو أن "هذه الوقائع تضمنتها محادثة صوتية مدتها 18 دقيقة، سجّلها سرّاً أحد الشهود في قضية جوليو ريجيني الذي نشير إليه لدواع أمنية بحرف "ز" لحماية المصدر، وهو مواطن مصري تعاون معنا في التحقيقات، لكنه لن يتمكن من الإدلاء بشهادته في إيطاليا خوفاً منه على سلامته وسلامة أسرته، وذلك لأنه عندما تعاون مع نيابة روما في السابق، قُبض عليه بواسطة أحد الضباط المتهمين في قضية جوليو ريجيني تحديداً". وأضاف أن "نيابة روما طلبت من المحكمة الحصول على هذا التسجيل"، وهو الطلب الذي تحفظت عليه هيئة المحكمة بناء على معارضة الدفاع.

وقد شهدت الجلسة مداخلة للعقيد أونوفريو بانيبيانكو، من تجمع العمليات الخاصة بسلاح الكارابينييري (قوات الدرك الوطني الإيطالية)، قال فيها إن "المعلومات التي تحصلنا عليها حول ضابط المباحث، الذي أدار عملية المداهمة للعصابة المزعومة، كشفت لنا أنه كان على اتصال هاتفي مع العقيد الذي كان المسؤول الرئيسي عن البحث الاستخباري للسلطات المصرية حول جوليو ريجيني عندما كان لا يزال على قيد الحياة. وهذا يعني أن الروايات التي قدمتها لنا السلطات المصرية لم تكن متطابقة". وخلص بانيبيانكو، الذي كان مسؤولاً عن متابعة التحقيقات في قضية ريجيني، إلى أن كل ما سبق "لم يكن في حقيقة الأمر سوى إجراءات كيّفتها القاهرة لتلبية الحاجة إلى إلصاق تهمة قتل ريجيني بشخصيات أخرى لا تمت بصلة إلى أجهزة الأمن المصرية".

هذه الخلاصة هي ما ذهبت إليه أيضاً أليساندرا بالليريني، محامية أسرة جوليو ريجيني، التي علّقت بقولها عقب انتهاء الجلسة إن "عملية إطلاق النار على عصابة إجرامية مدعاة لم تكن لها علاقة تُذكر باختطاف وتعذيب وقتل جوليو ريجيني، وما هي إلا إحدى التلفيقات الدموية التي ألّفها المصريون". وفي تصريحات للصحافيين عقب الجلسة، أكدت بالليريني أن "قضية جوليو ريجيني تتخذ منحى أكثر إثارة في ما يتعلق بالمسؤولية عن الروايات الملفقة، ونحن نقترب من الحقيقة شيئاً فشيئاً"، مضيفة أن "جميع الشهود مهمون، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين أُخفيت هويتهم: هؤلاء عرّضوا حياتهم للخطر من أجل مساعدتنا في الحصول على العدالة".

فجوة زمنية في كاميرات المراقبة

من ناحية أخرى، استمعت هيئة المحكمة إلى أقوال خبيري الأدلة الجنائية اللذين عكفا على فحص وتحليل تسجيلات كاميرات المراقبة في هيئة أنفاق القاهرة، واللذين أقرّا بوجود "فجوة زمنية من الساعة السابعة و49 دقيقة إلى الساعة الثامنة و8 دقائق مساء يوم 25 يناير 2016، لا تظهر فيها صور أو فيديوهات".

أليساندرا بالليريني: عملية إطلاق النار على عصابة إجرامية مدعاة ما هي إلا إحدى التلفيقات الدموية التي ألّفها المصريون

وأوضح الخبيران كيف أن "القدرة التخزينية لمنظومة المراقبة في محطة مترو أنفاق الدقي، آخر موقع حُدّد فيه موضع هاتف ريجيني، تقدر بـ36 تيرابايت، بما يكفي للتسجيل مدة 15 يوماً. أما منظومة الإدارة فقد تغيرت في الفترة بين 25 يناير و3 مارس 2016، ما أدّى إلى فقدان تسجيلات المنظومة السابقة من خلال الكتابة على ملف الدخول الذي يسمح بالتعرف على العمليات التي نُفذت على المنظومة، بما فيها عمليات المحو".

من بين الشهود الذي سيجرى استدعاؤهم، وفقاً لكولايوكو، أيضاً، الدكتورة مها عبد الرحمن من جامعة كامبردج البريطانية، والتي كانت تشرف على جوليو ريجيني أثناء فترة إقامته في القاهرة. وقد تقدمت نيابة روما بطلب إلى المحكمة من أجل الاستماع إلى شهادة عبد الرحمن عبر خاصية الفيديو كونفرانس وعن طريق الاتصال مع إحدى الهيئات القضائية الإنكليزية.

وكان من بين الحضور في الجلسة، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي الإيطالي وزعيمة المعارضة في إيطاليا، إيللي شلاين، التي أعربت عن تضامنها مع أسرة جوليو ريجيني منتقدة تواطؤ النظام المصري. وقالت شلاين إن "مصر ليست بلداً آمناً وهذا ما أثبتته بنفسها. نحن هنا من أجل التضامن مع أسرة جوليو ريجيني ومع هذه الجمهرة التي تحركت بجد على مدار هذه السنوات في قضية جوليو ريجيني من أجل الوصول إلى الحقيقة والحصول على العدالة"، مضيفة أنه "من العار حقاً أن نفتقد للتعاون بينما تتواصل انتهاكات الحقوق الأساسية".

ويرى مراقبون أن الملف الصوتي الذي تحدثت عنه النيابة أثناء الجلسة يمثل عنصر اتهام جديد حيال ضباط جهاز الأمن الوطني المصري الأربعة المتهمين باختطاف وتعذيب وقتل جوليو ريجيني، وأن الوقائع الخاصة التي تكشفت حول العصابة الإجرامية المزعومة، التي قيل إنها المسؤولة عن قتل الباحث الإيطالي، ليست سوى حلقة في سلسلة المحاولات التي بذلتها السلطات المصرية من أجل حرف مسار التحقيقات في القضية.

وبالإضافة إلى هذه الوقائع، بثّت قناة راي 3 الحكومية الإيطالية، مساء أول من أمس الأحد، تحقيقاً حصرياً تحت عنوان "الحقائق المخفية عن جوليو ريجيني" تضمن معلومات عن القضية. وفي هذا السياق، ذكر الإعلامي الإيطالي دانييلي أوتييري أنه "في الوقت الذي كان العالم يتساءل عن مكان جوليو ريجيني، كان ثمّة من بين كبار المسؤولين من يعرف الإجابة". وأضاف: "هذه هي الحقيقة التي كشفتها بعض الوثائق التي لم تنشر من قبل، ومن رواية شاهد بالغ الأهمية، الذي قرّر أن يتحدث إلينا للمرة الأولى بعد مرور 8 سنوات".

وتابع أوتييري، في تحقيق أعدّه وقدمه ضمن برنامج "ريبورت"، أن "السردية التي تبنتها الحكومة والاستخبارات الإيطالية والسفير الإيطالي في القاهرة (السفير السابق ماوروتسيو ماساري)، في فترة الأيام الـ10 منذ اختفاء ريجيني يوم 25 يناير 2016 وحتى العثور على جثته يوم 3 فبراير من العام ذاته، كانت تقوم على نفي الحكومة أي مسؤولية لها عن الحادث وتأكيدها أكثر من مرة عدم علمها بمصير الباحث الإيطالي"، متسائلاً بقوله: "ولكن هل تتوافق الرواية الرسمية حقاً مع ما حدث بالفعل في تلك الأيام؟ هذا ما سنجيب عنه في تحقيقنا".

والتقى الإعلامي الإيطالي، خلال التحقيق، بالبروفيسور الإيطالي جينارو جيرفازيو، صديق ريجيني وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة البريطانية في القاهرة، الذي قال إنه "كان من المفترض أن يذهب برفقه صديقه إلى إحدى الحفلات مساء 25 يناير، وعندما تأخر ريجيني، شعر بالقلق واتصل هاتفياً بسيدة إيطالية تُدعى زينا سبينيللي، كانت تعمل في قسم العلاقات العامة بالسفارة الإيطالية بالقاهرة وعلى اتصال بالاستخبارات المصرية والإيطالية، لمساعدته في معرفة أخبار عن ريجيني". وأضاف أن "سبينيللي أخبرته أنها طلبت المساعدة من أحد أصدقائها المصريين، ويُدعى أيمن راشد وكان يعمل مساعداً لوزير العدل آنذاك، والذي أوصاها بالانتظار مدة 24 ساعة، ثم نرى بعد ذلك ما يمكننا فعله".

وهنا علّق أوتييري بأن هذه السيدة لم ترو شيئاً عن تلك الأحداث حتى لوفد إيطالي من سلاح الكارابينييري كان قد حضر إلى القاهرة من أجل التحقيق في الحادث، ولكنها روت ما حدث لأحد أصدقائها من العاملين في السفارة. هذا الأخير، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، ذكر للإعلامي الإيطالي أن "زينا طلبت منه، بعد انتهاء الحفل، توصيلها بسيارته حيث روت له القصة وأطلعته على رسائل تطبيق الواتساب التي تبادلتها مع راشد، الذي كتب لها في إحداها بالإنكليزية: "لقد فقدنا أثره، لكنه ما زال على قيد الحياة". وكان ذلك يوم 29 يناير، بينما كان ريجيني في قبضة من اختطفوه وعذبوه قبل أربعة أيام. وقد عمدت سبينيللي بعد ذلك، وفقاً للتحقيق، على محو تلك الرسالة علاوة على جميع اتصالاتها مع جهاز الاستخبارات الإيطالي ومع مساعد وزير العدل المصري. وقد ذكر الشاهد شفوياً أنه قرأ هذه الرسائل.

واستدرك التحقيق في قضية جوليو ريجيني بقوله إنه على الرغم من أن وقائع القضية تضمنت أن السيدة الإيطالية كانت قد أرسلت صور بعض الرسائل المتبادلة بينها وبين المسؤول المصري، فإن النائب العام المساعد سيرجو كولايوكو الذي يدير التحقيق في القضية لم يشر قط إلى سبينيللي بين الشهود.

مصالح الشركات العملاقة

من ناحية أخرى، ذكر مدير الحملات الدولية لمنظمة "ري كومون" الحقوقية الإيطالية أنطونيو تريكاريكو أن "الشركات الإيطالية العملاقة، مثل مجموعة إيني للطاقة وليوناردو لصناعات الدفاع، تتحكم في عملية صنع القرار في إيطاليا وفقاً لمصالحها، ما ظهر جلياً في قضية جوليو ريجيني التي لم تتخذ فيها الحكومة الإيطالية قرارات قوية ضد مصر". وأوضح تريكاريكو أن "مجموعة إيني، عملاق النفط والغاز الذي تملك الدولة الإيطالية 30 في المائة من أسهمه، تعتبر مصر بلداً محورياً، بالنظر إلى أنها مسؤولة عن ربع أرباحها وعن 20 في المائة من الاحتياطيات التي تسيطر عليها".

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" أن "مصر أيضاً كانت ولا تزال بحاجة إلى إيني، التي تبيع لمصر جانباً كبيراً من الغاز الطبيعي الذي تستخرجه بأسعار تفضيلية للمجموعة"، مشيراً إلى أن إيني ساعدت الحكومة المصرية "بمجرد توليها مقاليد السلطة في البلاد في التصدي للوضع الاقتصادي الصعب عن طريق تحويل ديونها المستحقة من مصر إلى استثمارات جديدة واتفاقيات تفضيلية". ولفت إلى أن "عام 2015 شهد الكشف عن حقل ظهر للغاز الطبيعي، ومن ثم مُنحت إيني الترخيص باستخراجه بعد أسبوعين فقط من اكتشاف جثة جوليو ريجيني يوم 3 فبراير/شباط 2016 مقتولاً في حفرة على جانب طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي".

وذكّر تريكاريكو أن الرئيس التنفيذي لإيني كلاوديو ديسكالزي أدلى، غداة المأساة، بتصريح لصحيفة "إل ميسادجيرو" الإيطالية، جاء فيه: "لقد قلنا بوضوح إننا نقف في جانب حقوق الإنسان، لذا فإننا نطالب بالوضوح المطلق. نريد الحقيقة بوصفنا إيطاليين وبوصفنا إيني". وذكّر بأن "إيني استثمرت في عام 2016 وحده 2.2 مليار يورو في مصر، بينما بلغت استثماراتها 11.6 مليار يورو في الفترة من 2016 إلى 2021، هذا بالإضافة إلى 2.4 مليار يورو انتهى بها المطاف في خزائن النظام على شكل ضرائب وإتاوات وعلاوات".

 

المساهمون