في مفاجأة سياسية، قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون مراجعة مسودة قانون "لم الشمل"، المعلن قبل مدة، والمصادق عليه من مجلس الحكومة قبل شهر، وحصر الفئة المستفيدة منه في المسلحين الذين سلّموا أنفسهم للسلطات بعد عام 2005.
وأفاد بيان للرئاسة، عقب اجتماع مجلس الوزراء، بأن الرئيس تبون أمر "بإعادة النظر في مشروع هذا القانون، وحصر الفئة المستفيدة منه فيما تبقى من الأفراد، الذين سلموا أنفسهم، بعد انقضاء آجال قانون الوئام المدني".
ويعني ذلك أن القانون لن يشمل مجموعة من الفئات التي كان الرئيس تبون نفسه أعلن أنها ستستفيد من القانون المذكور، على غرار "مساجين التسعينيات (كوادر وناشطين وعسكريين اتهموا بالانتماء إلى "جبهة الإنقاذ" والجماعات المسلحة وعددهم يقارب 160 سجيناً)، وناشطين معارضين في الداخل والخارج، بينهم مسؤولون في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة.
ويقصد بيان الرئاسة بالأفراد الذين سلموا أنفسهم بعد انقضاء آجال الوئام المدني والمصالحة الوطنية، عدداً من عناصر وقيادات في "الجماعة السلفية للدعوة" سابقاً، و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، اللذين سلموا أنفسهم للسلطات بعد انتهاء الآجال القانونية لقانون المصالحة الوطنية، والذي كان أقر في استفتاء شعبي في سبتمبر/ أيلول 2005، وأتاح فترة ستة أشهر حتى مارس/ آذار 2006 للمسلحين ونشطاء الجماعات الإرهابية تسليم أنفسهم قبل هذا التاريخ، للاستفادة من تدابير العفو.
ويوجد من بين هؤلاء الأمير السابق لجماعة السلفية حسان حطاب، والذي أعلن وقف العمل المسلح منذ 22 سبتمبر/ أيلول 2007، والمسؤول السابق للجنة الإعلامية لـ"القاعدة" عمر عبد البر، والمسؤول السابق للجنة الطبية أبو زكريا، وأمير المنطقة التاسعة للتنظيم المسلح مصعب أبو داود، والأمير السابق لـ"كتيبة الجند" أبو حذيفة عمار، وغيرهم.
وبقيت وضعية هؤلاء المسلحين غامضة إزاء القانون، وفي الأول من شهر أغسطس/ آب الجاري، قال الرئيس تبون في حوار تلفزيوني إن هؤلاء "وجدوا أنفسهم معلقين، وما زالوا يوقعون حتى الآن دورياً في مراكز الأمن، لذلك فإن القانون المقبل سيحررهم من هذه الوضعية غير القانونية، ويمكنهم من العيش مثل الآخرين".
وأعلن الرئيس الجزائري، في المناسبة نفسها، أن "قانون الشمل" الذي يمثل "امتداداً لقوانين الرحمة عام 1996، والوئام المدني عام 1999 والمصالحة عام 2006"، سيشمل أيضاً الناشطين المعارضين في الداخل والخارج، و"كل من تم تغليطهم، فهموا أخيراً بأن مستقبلهم مع بلادهم وليس مع السفارات الأجنبية"، إضافة إلى "أولئك الذين ابتعدوا عن الركب نتيجة تعرّضهم لسوء المعاملة"، ولمح إلى المساجين الإسلاميين، (مساجين التسعينيات).
إلا أن قرار تبون الجديد بإلغاء مصادقة الحكومة على القانون الموسع، وحصر الاستفادة من قانون "لم الشمل" المرتقب فقط على المسلحين الذين سلموا أنفسهم، يطرح أسئلة جدية حول دوافع تغيّر موقف الرئيس تبون بشكل مفاجئ، وإقصاء باقي الفئات من الاستفادة منه، خاصة أنه جرى الحديث عن قرب الإفراج عن مساجين التسعينيات، (لا يعرف ما إذا كان تبون سيمكنهم من قرار عفو رئاسي خاص) وكذا عن اتصالات مع الناشطين المعارضين في الخارج لإفادتهم بالعفو.
قرار تبون الجديد يطرح أسئلة جدية حول دوافع تغير موقفه
وكان تبون قد تعهّد بأن يجري تمرير هذا القانون عبر البرلمان، ليصادق عليه خلال الدورة النيابية المقبلة التي تبدأ في الثاني من سبتمبر/ أيلول المقبل، "لكون البرلمان الممثل الحقيقي للشعب"، بدلاً من تمريره كمرسوم رئاسي بصفة منفردة.
وفي 21 يوليو/ تموز الماضي كان مجلس الحكومة الجزائرية (يرأسه رئيس الحكومة) قد صادق على مسودة قانون "لم الشمل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية"، وقالت الحكومة إن هذا القانون "يأخذ بعين الاعتبار التجربة الوطنية، ويستهدف تجديد قيم التسامح، وتفضيل مقاربة الحوار الوطني، بما يسمح بتجسيد المبادرة الرامية إلى فتح آفاق جديدة نحو المصالحة الوطنية".