أعلنت الحكومة التشادية، الخميس، مقتل نحو 50 شخصاً خلال صدامات دامية بين الشرطة ومتظاهرين احتجوا على سيطرة الجيش على السلطة، وفرضت حظر تجول ليلياً.
وتظاهر مئات في العاصمة نجامينا ومناطق أخرى، الخميس، تزامناً مع الموعد الذي وعد فيه الجيش عند تسلمه السلطة بنقل الحكم لمدنيين منتخبين، قبل أن يمدد أخيراً الفترة الانتقالية عامين إضافيين.
وأكد رئيس الوزراء التشادي صالح كبزابو، مساء الخميس، بحسب ما نقلت "فرانس برس"، سقوط خمسين قتيلاً، موضحاً أن معظمهم وقعوا في نجامينا ومدينتي موندو وكومرا، فيما أصيب أكثر من 300 آخرين.
وأُعلن فرض حظر تجول بين الساعة السادسة مساء والسادسة صباحاً بالتوقيت المحلي، سيظل ساري المفعول حتى "الاستعادة التامة للأمن" في بؤر الاضطرابات. كما أعلن كبزابو "تعليق جميع أنشطة" أحزاب معارضة بارزة، متعهداً بفرض النظام في أنحاء البلاد.
وسبق أن قدّرت الحكومة عدد القتلى بـ30، بينهم عشرة من عناصر قوات الأمن. وقال المتحدث باسم الحكومة عزيز محمد صالح، لـ"فرانس برس"، إن "تظاهرة محظورة تحولت تمرّداً"، واتهم المتظاهرين بمهاجمة "مبانٍ عامة، مقر المحافظة، مقر حزب رئيس الوزراء ومقر رئيس الجمعية الوطنية".
في هذه الأثناء، أعلنت جمعية الصليب الأحمر التشادي أنها نشرت "عشرات الفرق" في المناطق المتوترة في العاصمة. وصرح رئيسها الخلا أحمد السنوسي لوكالة "فرانس برس": "نقدم الإسعافات الأولية وننقل عشرات الجرحى بالسيارات إلى المستشفيات".
وتجري هذه الاشتباكات بعد تمديد المرحلة الانتقالية مدة عامين، بعدما كان من المقرّر أن تنتهي الخميس 20 أكتوبر/ تشرين الأول.
لكن في نهاية سبتمبر/ أيلول، بقي محمد إدريس ديبي إيتنو في منصبه بصفته رئيساً للدولة حتى تنظيم انتخابات حرة وديمقراطية، يفترض إجراؤها في نهاية الفترة الانتقالية الثانية التي سيتمكّن ديبي من الترشح فيها.
وجاء بقاء محمد إدريس ديبي إيتنو على رأس السلطة في ختام الحوار الوطني الشامل والسيادي الذي قاطعه جزء كبير من المعارضة، ليستكمل بذلك استهداف المعارضة السياسية والمسلّحة وإحراج المجتمع الدولي الذي كان قد دعم ديبي قبل 18 شهراً.
وكان الجيش أعلنه رئيساً انتقاليا في 20 إبريل/ نيسان 2021، على رأس مجلس عسكري انتقالي يضم 15 جنرالاً، في اليوم نفسه لإعلان وفاة والده إدريس ديبي إيتنو الذي قتل على الجبهة بعدما حكم تشاد طوال نحو ثلاثين عاماً.
وشوهدت سحبٌ من الدخان الأسود وطلقات الغاز المسيل للدموع في العاصمة صباح الخميس، بينما أقيمت حواجز في عدّة أجزاء من المدينة وأُحرقت الإطارات على الطرق الرئيسية، وفق صحافيي وكالة "فرانس برس" في نجامينا.
"حوار الواجهة"
مُنعت التظاهرة الأربعاء من قبل السلطات. وقال عباس محمد البالغ 35 عاماً: "خرجت للتظاهر للتنديد بحوار الواجهة هذا الذي يكرّس النظام، وللمطالبة بتغيير السلطة. خلال 31 عاماً، لم نشهد أيّ تغيير إيجابي في بلدنا".
في وسط العاصمة، قال محمد مبودو، لوكالة "فرانس برس"، وهو يحدّق في هاتفه لمتابعة الأحداث في جنوب المدينة: "قيل لنا إن هناك تظاهرة في المدينة، وجئت مثل زملائي الآخرين للبقاء أمام متجري لتجنّب النهب".
في الدائرة السادسة، معقل المعارضة، حيث يقع منزل رئيس الوزراء صالح كبزانو، كانت الشوارع مهجورة. كما أشار صحافي في "فرانس برس" إلى أنّ الإطارات وجذوع الأشجار وأكوام الطوب كانت متناثرة في الشوارع، فيما أُغلقت المدارس والجامعات.
واستهدف المتظاهرون مقرّ حزب "الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد" الذي ينتمي إليه كبزابو، والذي "احترق جزئياً"، حسب ما صرّح به نائب رئيس الحزب سيليستان توبونا لـ"فرانس برس".
وكان كبزابو قد انضمّ إلى الحكومة التي عيّنها المجلس العسكري بقيادة محمد إدريس ديبي إيتنو، بعدما كان معارضاً تاريخياً لوالده الذي حكم البلاد بقبضة حديدية مدة 30 عاماً.
من جهته، قال سوكسيه مصرا، أحد أبرز المعارضين، بحسب "فرانس برس": "إنهم يطلقون النار علينا. إنهم يقتلون شعبنا. جنود الجنرال الوحيد الذي رفض احترام كلمته، واليوم هي نهاية الأشهر الـ18، هكذا ينوي تنصيب سلالته بقتل الناس"، وذلك بعدما كان قد دعا الناس إلى التظاهر بشكل سلمي.
إلى ذلك، أدانت فرنسا، عبر وزارة الخارجية، أعمال العنف. وقالت الوزارة، في بيان نقلته "فرانس برس"، إنّها تدين العنف خصوصاً مع استخدام الأسلحة الفتّاكة ضد المتظاهرين، مؤكدة في الوقت ذاته أن باريس لا تلعب "أي دور في هذه الأحداث".
الجزائر تدين استخدام "القوة المميتة" ضد المتظاهرين
كما دانت الجزائر استخدام قوات الأمن التشادية ما وصفتها بـ"القوة المُميتة" ضد المتظاهرين في جمهورية التشاد، ودعت مجموع الأطراف التشادية إلى ضبط النفس.
وأفاد بيان للخارجية الجزائرية بأن "الجزائر التي تتابع بتأثر بالغ التطورات، التي سجلت اليوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول في جمهورية تشاد، تدين بشدة استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين، ما تسبب في إزهاق أرواح العديد منهم وإلحاق إصابات خطيرة بآخرين في عدة مدن عبر أنحاء البلاد".
ودعت الجزائر الأطراف التشادية إلى ضبط النفس والحفاظ على الأرواح والممتلكات وتعزيز الحوار من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة الحالية، التي تعصف بالبلاد منذ مدة بسبب الأزمة السياسية الداخلية، والتي تطورت إلى احتجاجات شعبية، واجهتها السلطات التشادية بقمع أمني لافت، خلف، أمس، مقتل 50 شخصا وإصابة 300 آخرين.
وأكد البيان أن الجزائر "تشجع القادة التشاديين على تعزيز الانتقال التوافقي نحو الاستعادة الفعلية والدائمة للنظام الدستوري، الذي يظل السبيل الوحيد لتحقيق التطلعات المشروعة للشعب وتجنب المخاطر التي يشكلها الوضع الحالي على السلم والاستقرار في هذا البلد، الذي تجمعه بالجزائر علاقات أخوية مبنية على التضامن والتعاون".