فلسطينيو الداخل... انقسام على وهم التأثير   

28 فبراير 2021
التجمع رفض دعم أي من رؤساء الأحزاب الصهيونية (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

 

في الرابع من فبراير/شباط، وفي ساعات النهار، خطا عضو الكنيست ، منصور عباس، نائب رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية، ورئيس كتلة "القائمة العربية الموحدة" ضمن القائمة المشتركة للأحزاب العربية، برفقة كل من النائب إيمان خطيب ياسين ورئيس بلدية سخنين مازن غنايم، إلى قاعة لجنة الانتخابات المركزية للكنيست، ليقدموا نهائيا قائمة "القائمة العربية الموحدة" ويضعوا حدا نهائيا قانونيا ورسميا لأي بصيص أمل بالتوصل إلى اتفاق يحول دون انشقاق القائمة المشتركة للأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني ويكرس انشقاق القائمة إلى قائمتين تخوضان الانتخابات، فيما كانت باقي الأحزاب الثلاثة المشكلة للقائمة المشتركة وهي التجمع الوطني الديمقراطي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغير، تعلن فجر ذلك اليوم عن توصلها لاتفاق خوض الانتخابات في قائمة واحدة والاحتفاظ باسم القائمة المشتركة وشارتها الانتخابية و.ض.ع.م، والرمز البصري رباعي الألوان: أحمر أخضر أصفر برتقالي، التي يرمز كل منها لحزب من مركبات القائمة فالأول للجبهة (الأحمر) والثاني للحركة الإسلامية (الأخضر) والثالث للحركة العربية للتغيير (الأصفر) وأخيرا البرتقالي الذي يرمز للتجمع الوطني.  

ومع أن الخطوة الرسمية والنهائية لتكريس الانقسام في القائمة المشتركة، في الانتخابات الإسرائيلية سجلت رسميا يوم الرابع من شباط/فبراير 2021، إلا أن نذره العلنية كانت تلوح في الأفق منذ بضعة أشهر إلى الوراء، وخصوصا في أواخر أكتوبر ومطلع نوفمبر 2020، بعد إلغاء النائب منصور عباس نتائج تصويت في الكنيست على إقرار تشكيل لجنة تحقيق برلمانية ضد شبهات تورط نتنياهو في قضية الرشاوى التي رافقت شراء إسرائيل قبل أعوام عدة غواصات جديدة من طراز دولفين، وموافقة نتنياهو على السماح لألمانيا ببيع مصر غواصتين نوويتين.   

كانت هذه النذر العلنية التي رافقت بدء اتجاه النائب منصور عباس العلنية تحت خيمة القائمة المشتركة للحديث عن نهج جديد يقوم على التعاون البرلماني مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ودعم نتنياهو في مشاكله السياسية مقابل تحقيق مكاسب عينية وخدمات للمجتمع الفلسطيني، تحت شعار محاولة استغلال القائمة لنتنياهو، واستغلال نتنياهو للقائمة.  

أما في الواقع فقد اتضح أنه منذ انتخابات نيسان، وتحديدا في يوم حل الكنيست الحادية والعشرين في 29 أيار 2015 بعد أن تعذر على نتنياهو تشكيل حكومة، فقد كان النائب عباس شرع في مد خيوط اتصال مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تتعدى حالات التعاون العادية في تصويتات النواب العرب على قضايا مطلبية وقوانين، وتفاهمات مع الائتلاف الحكومي، إلى الانتقال للتعاون السياسي والائتلافي المباشر مع نتنياهو ومقايضة دعمه للإبقاء على الائتلاف وفي مشاكله العالقة مقابل مطالب تخدم المجتمع العربي، وهو ما اعتبره الشركاء في القائمة المشتركة مقايضة للموقف الوطني بالخدمات والحقوق المستحقة للفلسطينيين في الداخل ودفع ثمن سياسي مقابل حق أساسي.  

لكن محادثة هاتفية في برنامج إذاعي هزلي إسرائيلي مع نائب سابق عن الحركة الإسلامية، هو المهندس عبد الحكيم حاج يحيى، تمت في 24 سبتمبر، بعد الانتخابات المعادة في 17 سبتمبر، وبعد عودة تشكيل القائمة المشتركة، كشف عن أن نتنياهو كان اتصل سرا بالنائب منصور عباس عبر كل من مستشاره الشخصي نتان إيشل ورئيس ائتلافه ميكي زوهر، وحاول التوصل معه إلى صفقة مقابل التصويت ضد حل الكنيست، إلا أن نتنياهو رفض شروط عباس بحسب ما أكد رئيس ائتلاف نتنياهو عضو الكنيست ميكي زوهر لموقع يديعوت أحرونوت. وأوضح هذا الكشف المقال المفاجئ الذي كان نشره المستشار الشخصي لنتنياهو، نتان إيشل في يونيو/ حزيران من نفس العام داعيا لفتح صفحة جديدة من التعاون مع النواب العرب، فيما كان نتنياهو يواصل علنا تحريضه العنصري والدموي ضد الأحزاب العربية بما فيها الحركة الإسلامية واصفا هذه الأحزاب بأنها مناهضة للصهيونية ومؤيدة للإرهاب. 

بعد تجربة الانقسام الأولى للقائمة المشتركة في انتخابات إبريل/ نيسان 2019 (للكنيست الحادية والعشرين) والذهاب لانتخابات مجددة في 17 سبتمبر2019، بقائمة موحدة، ثم في مارس 2020، بدا أن الشركاء العرب في القائمة المشتركة تغاضوا عن "تجربة" التواصل مع نتنياهو، كما تغاضت الحركة الإسلامية بدورها، ضمن القائمة المشتركة على تصويتات خلافية على قوانين تتعلق بالعلاج القسري للمثليين، والاكتفاء بزوبعة لبعض الوقت سرعان ما خفتت لكن رواسبها ظلت عالقة في الأذهان، وفي الوعي الجمعي للفلسطينيين في الداخل، لتعود هذه القضية لتثار مجددا في الأشهر الأخيرة، مع إصرار الحركة الإسلامية على خطها الجديد بشأن "استغلال نتنياهو" من جهة وتعاظم ما بدا أنه صراع على الهيمنة وعلى الخطاب السياسي بين الحركة الإسلامية الجنوبية بقيادة منصور عباس، وبين الجبهة بقيادة رئيس القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة، من جهة، وحرب "الأنا" والتنافس على من صاحب تحقيق الإنجازات التي تدعي القائمة المشتركة أنها حققتها بفضل التعاون المشترك لنوابها الـ15 بما فيهم نواب الحركة الإسلامية ومحاولات النائب منصور عباس لنسبها لنفسه ولما سماه بخطاب المطالب أمام نتنياهو، في إشارة لكلمة له أمام الهيئة العامة للكنيست في مطلع نوفمبر، ثم بعد ذلك بأسبوع تقريبا، خلال مشاركة نتنياهو عبر موقع "زوم" في جلسة للجنة مكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي، التي يرأسها منصور عباس، عندما حمل الأخير خطابا مهادنا أمام نتنياهو ووزير الأمن الداخلي معلنا وسط ذهول وغضب باقي النواب العرب، أن الشرطة حالت دون وقوع جرائم كثيرة وسفك للدماء، فيما يرى المجتمع الفلسطيني ككل والفعاليات السياسية والمجتمعية أن الشرطة الإسرائيلية والحكومة، تغض الطرف عن جرائم القتل ونشاط عصابات الجريمة المنظمة في المجتمع الفلسطيني، وهو ما أوقع في العام الماضي وحده نحو 113 قتيلا من أبناء المجتمع الفلسطيني في الداخل.  

حرب تخوين وتكفير وتشويه وشيطنة  

كان لا بد من هذا التسلسل الزمني في الأحداث لفهم حالة التنافر التي سادت داخل القائمة المشتركة مع ظهور بذور الفرقة  الأولى، وعدم بذل الطرفين في الواقع جهدا حقيقا لتفادي الانقسام، علما بأن التجمع الوطني الديمقراطي قدم مبادرة من 7 نقاط لمحاولة رأب الصدع، كما حاولت اللجنة القطرية لرؤساء البلديات العربية عقد جلسة مفاوضات وتفادي الانقسام. بين هذه المحاولات دارت حرب إعلامية جرى خلالها  استحضار الدين والعقيدة، وتبادل  حملات من التخوين (من قبل نشطاء وقياديين في الأحزاب الوطنية )مقابل التكفير والتحريض البائس على الخصوم (من قبل نشطاء وقياديين في الحركة الإسلامية الجنوبية) وكأن الطرفين حزبان أو خصمان في منافسة انتخابية على الحكم في دولة مستقلة وليسا أحزابا تنشط، في مجتمع يعاني من كل صنوف الاضطهاد والتمييز العنصري، وتفشي الجريمة المنظمة.  

انقسام سياسي ومخاطر شرخ اجتماعي داخلي 

يعكس الانقسام في القائمة المشتركة، وخوضها الانتخابات في قائمتين منفصلتين، حقيقة انقسام سياسي في التوجهات وبين نهجين، نهج تمثله الإسلامية بقيادة منصور عباس، وحزب جديد يدعىمه يقوده محمد دراوشة بشأن التأثير في سياسات الحكومة الإسرائيلية سواء كانت بقيادة نتنياهو واليمين أو حكومة أخرى أيا كان رئيسها ما دامت تلبي المطالب العربية التي تتحدث أساسا في هذه الحالة على رفع مستوى الحياة والمساواة ورفع التمييز والاعتراف بقرى مسلوبة الاعتراف، ووقف سياسات الهدم ومحاربة الجريمة المنظمة مع الاحتفاظ بالموقف من القضية الفلسطينية من جهة، وبين من يرى أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال التعاون مع حكومة بقيادة نتنياهو ولا "مقايضة الحقوق بتصويت ومواقف سياسية، تمثله القائمة المشتركة، التي ترفض مع ذك، على الأقل مركبين منها، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة العربية للتغيير، الالتزام رسميا بعدم تكرار تجربة التوصية على الجنرال بني غانتس، والامتناع بالتالي عن التوصية على مرشح آخر يمكن له أن يشكل حكومة بديلة، وفي الحسبان، بحسب الاستطلاعات الأخيرة زعيم حزب "ييش عتيد" يئير لبيد، الذي حتى لو فاز بإمكانية التوصية عليه للحصول على تكليف بتشكيل الحكومة المقبلة فإن شركاءه في الحكومة سيكونون أيضا من أحزاب اليمين المناهض لنتنياهو، مثل حزب "تكفاه حداشاه" الذي يقوده غدعون ساعر المنشق عن حزب الليكود مؤخرا وحزب "يمينا" بقيادة زعيم التيار الديني الصهيوني الاستيطاني، نفتالي بينت، وحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة راعي الترانسفير أفيغدور ليبرمان.  

ومع ذلك ففيما حاول في الأيام الأخيرة، رئيس القائمة المشتركة التهليل لتصريحات يئير لبيد أنه خلافا للماضي (عندما أطلق تصريحات عنصرية قال فيها إنه لن يتعاون مع "الزوعبيز"، في إشارة للنائبة السابقة حنين زعبي وحزبها التجمع الوطني الديمقراطي) فإنه سيتعاون مع القائمة المشتركة، وأخر هذه التصريحات كانت في 22 من الشهر الماضي كمؤشر على تعزيز قوة "الصوت العربي ومكانة العرب في إسرائيل" كإنجاز للقائمة المشتركة، كان شريكه في القائمة،عضو الكنيست أحمد طيبي يعلن  في المؤتمر الصحافي لإطلاق الحملة الدعائية  للقائمة السبت الماضي، متهربا من الالتزام بعدم المشاركة في لعبة التوصيات بالقول بداية إنه على ضوء الاستطلاعات قد لا تكون هناك حاجة للخوض في هذا الموضوع، (في إشارة لاحتمال تمكن المعسكر المناهض لنتنياهو تحقيق 61 صوتا، من أصل 120 في الكنيست، أو حصول معسكر نتنياهو مع نفتالي بينت على 61 تمكنه من تشكيل حكومة يمينة قادمة، دون حاجة لأصوات القائمة المشتركة) وأنه سيكون علينا على أية حال انتظار نتائج الانتخابات وفقط بعدها يمكن اتخاذ القرار. 

مقابل هذا الموقف غير الملتزم، يبرز موقف التجمع الوطني الديمقراطي، الضلع الثالث في القائمة المشتركة. فقد قال رئيس الحزب جمال زحالقة، لـ"العربي الجديد" بشكل صريح إن الحزب لن يوصي على أي من رؤساء الأحزاب الإسرائيلية، وأنه خلافا لاتفاقية تشكيل القائمة المشتركة في مارس الماضي ألتي ألزمت الحزب بمبدأ الأغلبية وجعلته يلتزم بقرار أغلبية مركبات القائمة بالتوصية على الجنرال بني غانتس، فإن دستور القائمة المشتركة بمركباتها الثلاثة يتيح للتجمع أن يرفض التوصية على أي من رؤساء الأحزاب الصهيونية. 

مع ذلك  وبالرغم من إعلان القائمة المشتركة بمركباتها الثلاثة، والقائمة العربية الموحدة، كل منها على انفراد، بأن أيا منها ليست في جيب اليمين أو اليسار الإسرائيلي، فإن دستور القائمة المشتركة الجديد، يتيح تحت بند حرية الموقف لحزبين من مركباتها بالتوصية على مرشح مناهض لنتنياهو، في حال سنحت فرصة للبيد بالحصول على التكليف، مما يعني عمليا الركون في معسكر يمين الوسط واليسار الإسرائيلي، خصوصا وأن القائمة المشتركة وصفت نفسها في دعايتها بالعبرية على فيسبوك أنها تمثل المجتمع العربي الفلسطيني وقوى اليسار، في المقابل ورغم إعلانات متكررة للقائمة الموحدة بقيادة منصور عباس بأنها تسعى لتحقيق وزن نوعي للقوة العربية البرلمانية، فإن تصريحات أقطابها تؤكد أنها لا تسقط خيار دعم أي حكومة من الخارج في حال لبى مطالبها، بالرغم من أن نتنياهو أعلن مؤخرا في أكثر من مناسبة أنه لن يتعاون مع هذه القائمة ولا مع أي حزب عربي، لتشكيل حكومته القادمة.  

بين هذا وذاك تنذر حرب الدعاية والتراشق الإعلامي بين الطرفين، مع ما يرافقه من فيديوهات تحريضية مسيئة يتهم كل طرف الآخر بتجهيزها ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي كان أخطرها مجموعة أشرطة وفيديوهات ضد النائب عايدة توما من القائمة المشتركة، حاولت شيطنتها وقذفها بأشنع العبارات والتوصيفات المسيئة، بتعميق التصدع الاجتماعي وتحويله إلى شرخ عميق قد تكون له تداعيات خطيرة على المجتمع الفلسطيني ككل، فيما يسرح نتنياهو والأحزاب الصهيونية في المجتمع الفلسطيني سعيا لكسب وسرقة أصوات الناخبين العرب، بموازاة استمرار التحريض على الأحزاب الممثلة لهم واتهامها بالتطرف وبأنها لا تعمل لخدمتهم، أو الدفاع عن مصالحهم، خلافا للواقع والحقيقة، وللتغطية على سياسات التمييز العنصري والقومي ضدهم.