دعا الرئيس قيس سعيد، منذ أيام، التونسيين إلى استفتاء هيكلي لتغيير منظومة الحكم، في 25 تموز/يوليو المقبل، عبر التصويت على دستور لم يُجهّز بعد، ودون روزنامة إلى اليوم، وسط تحذير الخبراء والمنظمات من الغموض الذي يلف الاستفتاء، عبر بروز ملامح التضييق على الأحزاب والناخبين.
ولم تعلن الهيئة العليا للانتخابات بعد عن الروزنامة الرسمية للمسار الانتخابي والحملة والمشاركين من الأحزاب، رغم تبقّي أقل من شهرين على موعد الاستفتاء.
وتتخبط هيئة الانتخابات في بحر من الصعوبات في محاولة تلافي الضغط العالي، ورغم مطالبتها الرئيس سعيد، منذ الجمعة الماضي، بإصدار حلول تشريعية أو إرجاء الاستفتاء إلى ما بعد 25 يوليو، فإنه لم يصدر بعد أي مرسوم لحل مشكلة تسجيل الناخبين وقانون الصفقات والدعاية والأحزاب البرلمانية.
واعتبر رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد"، بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ المنظمة رفعت عديد التساؤلات والتوصيات إلى هيئة الانتخابات وتنتظر إجابات حول الاستفتاء.
وبين معطر "خطورة تأخر صدور روزنامة رسمية للاستفتاء إلى اليوم على كامل المسار، في علاقة بحق المواطن في المشاركة والتصويت عن وعي على المشروع المعروض، وكذلك للأحزاب المشاركة في الحملة".
وأوضح أن المرسوم الرئاسي عدد 32 "يضرب المعايير الفضلى للاستفتاء وحقّ المواطن في الإلمام بالمفاهيم العامة للدستور الجديد، ويمسّ بدور المشاركين في الحملة، بسبب تأجيل عرض مضمونه إلى موعد متأخر جدًا".
وأضاف الخبير التونسي أن "مشروع الهيئة تضمن أسبوعا لقبول طلبات المشاركة من الأحزاب بين 2 حزيران و7 من نفس الشهر"، مشيرا إلى أن "الحل التقني الذي أوجدته الهيئة بتخصيص يومين بعد إعلان الدستور الجديد (ينتهي في أجل أقصاه 30 يونيو) يبدو غير كاف لاتخاذ قرار حول هذا المشروع".
وشدد معطر على أن هناك غموضا في عديد النقاط، على غرار "الأحزاب النيابيّة" الواردة في الفصل 116 من قانون الانتخابات والاستفتاء، وكيفية تحديد المشاركين في حملة الاستفتاء والحملة الدعائية والتمويل العمومي، مشيرا إلى أن "ضيق الفترة بين نشر مشروع نص الاستفتاء وانطلاق حملة الاستفتاء من شأنه أن يعقّد عملية التداول والتفاعل مع مضمونه".
وبين أن "المخاوف من تحوّل الاستفتاء حول الدستور إلى استفتاء حول مدى الثقة في الرئيس أو لدعم الرئيس، وهو ما سيكون على حساب مضمون الدستور".
تحذيرات من استفتاء شكلي
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمرصد "شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية"، الناصر الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "حذرنا من أن يكون الاستفتاء شكليا، أو استفتاء يقصي المجتمع المدني والسياسي والقوى الحية والمنظمات الوطنية من المشاركة، وأن يكون مآله نفس مآل الاستشارة الإلكترونية التي لم تحظ بموافقة التونسيين بنسب عالية".
وبين الهرابي أن "القانون الحالي يتيح للأحزاب ممارسة الحق في الحملة، وأن توفر لهم الدولة الإمكانيات المادية لذلك، ولكن لا نعلم هل سيتم إشراكهم أم لا، بعد حل البرلمان؟".
وأضاف أن "عديد العوائق تعترض الأحزاب والمجتمع المدني لعدم وجود الدستور، الذي لم يجهز بعد، حيث ينص المرسوم على أن اللجنة التي تقوم بالصياغة تنهي أعمالها حسب المرسوم في 30 حزيران/يونيو، لكن لا نعلم متى سيتم نشره حتى يطلع عليه المواطن".
وشدد المصدر ذاته، على أن "هناك جانبا من الغموض، وهل الدستور سيكون مقبولا من المجتمع المدني والسياسي والتونسيين، لأن هذا الدستور يجب أن يكون بشكل تشاركي حتى يحظى بالإجماع".
وأكد ممثل مرصد "شاهد"، أن "هناك مخاوف من أن تكون حملة باهتة، بلا أو نعم، على شخص الرئيس وليس على المضمون، كما يحصل في الدول غير الديمقراطية"، لافتاً إلى أن "تخوف المجتمع المدني أن يذهب الشعب إلى التصويت من دون أن يدرك على ماذا سيصوت".
"لخبطة سياسية"
بدوره، وصف الرئيس السابق لمنظمة مراقبون، والخبير الدولي في الشأن الانتخابي، محمد مرزوق، ما يحدث بـ"اللخبطة السياسية وعدم دراية بالشأن الانتخابي". منتقدا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "إصلاح الخطأ بخطأ آخر، فعوضا عن إصلاح الإشكاليات السابقة والعثرات بالمراسيم بعد السلطة العظيمة التي منحها الرئيس لنفسه، إلا أنه لم يستعمل هذه الصلاحية في سن مراسيم لحل المشاكل وتجاوز الصعوبات في المجال الانتخابي وحتى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية".
وفسّر مرزوق أن "الوضع الاستثنائي، بحسب تصور الرئيس وفكره، يتطلب إصدار مراسيم لحل المشاكل، وليس انتظار المأزق وإصدار مرسوم بعد تعقد الأمور وبمرور شهر"، متسائلا "عن سبب عدم إصداره مرسوما لحل الإشكاليات التي طرحتها الهيئة إلى الآن في مجال تسجيل الناخبين حتى لا يتم حرمان أكثر من 2 مليون من المشاركة، أو مشكل الصرف العمومي حتى تتمكن الهيئة من التصرف المالي، ومشاكل الثغرات الانتخابية التي نبهت لها المنظمات منذ فترة".
وشدد الخبير على أن "هذا يبين أن الرئيس يستعمل المراسيم اليوم لغاية سياسية، وليس لغاية موضوعية أو لحل المشاكل التي كانت قبل 25 يوليو".