عادت الحياة إلى شوارع قطاع غزة من جديد، اليوم الجمعة، بعد ساعات قليلة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ومع استمرار الهدوء وتوقف القصف الإسرائيلي، ورجع كثير من النازحين إلى منازلهم القريبة من الحدود مع الأراضي المحتلة بعدما هجروها بفعل القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقف طوال الـ11 يوماً الماضية.
تنفس الفلسطينيون الصعداء بعد حرب لم تترك شارعاً أو حارة في القطاع إلا وخلّفت فيها أثراً، سواء من القصف العنيف أو الشهداء والجرحى والمهجرين، وفتح الهدوء جروحاً عميقة لمن فقد منزله أو أحداً من أهله.
ورغم توقف القصف ووقف إطلاق النار، إلا أنّ طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي يطلق عليها الفلسطينيون "الزنانة" لا تزال تحلق في أجواء القطاع، وهي نذير شؤم بالنسبة لأهالي غزة.
في الساعات الأولى من فجر وصباح اليوم خرج الفلسطينيون إلى الشوارع لتفقدها، والتوقف عند حجم الأضرار التي أصابتها جراء العدوان الإسرائيلي، وكلهم أمل بأنّ يعاد بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية التي أصابت كل بناية في القطاع المحاصر منذ 15 عاماً وأكثر.
وتحولت شوارع وأحياء كاملة إلى ركام ودمار، وأعيد فتح بيوت العزاء للشهداء الذين قضوا خلال الحرب الرابعة على القطاع، بعدما منع العدوان الإسرائيلي ذلك في حينه، وعاد الناس ليتفقدوا بعضهم بعضاً في محاولة للملمة جراحهم من جديد.
وانتشلت الطواقم الطبية وفرق الدفاع المدني 7 شهداء من نفق هجومي للمقاومة شرقي مدينة خان يونس جنوب القطاع، بعدما تعرض النفق لقصف إسرائيلي عنيف في الأيام الأولى من العدوان الواسع.
وانقشع غُبار القصف عن المباني والأبراج والعمارات السكنية والمرافِق المدنية المُستهدفة، ليكشف عن حجم الدمار الذي خلّفه القصف، فيما تغيرت ملامح الشوارع ومفترقات الطرق الرئيسية، التي طاولها القصف العنيف على مدار أيام وليالي العدوان.
وحَوَّل القصف الإسرائيلي، الذي بدأ في العاشر من مايو/ أيار الحالي، حتى الثانية من فجر الجمعة، مناطق بأكملها إلى مناطق مدمرة، فيما نسفت صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية، أبراجاً سكنية، وحَوّلتها إلى أكوام من الحُطام، بعدما كانت تضم الشقق السكنية، ومراكز التدريب، والمشاريع الصغيرة الناشِئة، ومقار لوسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية.
وفي الشجاعية شرقي مدينة غزة، بدأ الفلسطيني مُهند الحلو في تفقد منزله الذي لحِقت به أضرار نتيجة القصف الإسرائيلي على الحيّ، بعد عودته برفقة أسرته، بعد نزوحهم إلى مدرسة ذكور غزة للاجئين، نتيجة القصف المدفعي العنيف الذي طاول المنطقة.
وقال الحلو في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه فوجئ بملامح الدمار التي سببتها آلة الحرب الإسرائيلية على مدار أيام العدوان، مضيفًا: "نشعر وكأن زلزالًا ضرب المنطقة، ليحولها بما فيها من مبانٍ وحياة وأمان، إلى دمار وتخريب".
ولم تُلغِ ملامح الفرحة في عيون أهالي قطاع غزة بما حققته المقاومة من إنجازات وصمود، ملامح الحُزن على الشهداء، والعائلات التي قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بإبادتها بشكل كامل وجَماعي، في ليالي العدوان المُرعبة، مُخلِّفة وراءها قصص الألم والفقد والحزن.
وبدأ النازحون في مدارس اللجوء، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا)، وبلغ عددهم نحو 50 ألف نازح، بالعودة تدريجيًا إلى منازلهم، ومناطقهم التي كانت مُهددة بالقصف، أو التي شهدت قصفاً متواصلًا، ما دفعهم إلى تركها، خوفًا من تكرار مشاهد المجازر التي ارتكبتها تلك الطائرات بحق المدنيين.
ولم يتمكن أصحاب البيوت المُهدمة كُليًا من العودة، بفعل قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية منازلهم الآمِنة، ويبلغ عدد الوحدات السكنية المُهدمة كُليًا 1335، فيما تعرضت نحو 12.886 وحدة لأضرار متوسطة وطفيفة، إلى جانب قصف 184 من الأبراج والمباني وهدمها بشكل كُلي، وفق الإحصائية الرسمية الأخيرة في غزة.
ودبت الحركة في شوارع قطاع غزة، بعد أيام من انعدام الحركة بشكل شبه تام، بفعل الاستهداف الإسرائيلي العشوائي لكل هدف متحرك، وتحديدًا في المناطق الحدودية، حيث امتلأت الطرقات بالمُشاة والسيارات، وقد بدأ الأهالي بزيارة بعضهم البعض للاطمئنان والتهنئة بالسلامة.
وفتح أصحاب المحال التجارية أبوابها، لتفقد الأضرار التي طاولتها بفعل القصف الإسرائيلي المُجاور، والذي خَلّف أضرارًا واسعة، بفعل القوة التدميرية الكبيرة التي رافقت عمليات القصف والاستهداف، فيما افتتح البعض الآخر أبوابه، للبدء في تعويض الخسائر التي مُنِي بها جراء إغلاق مشروعه طوال فترة الحرب.
وأدى العدوان الإسرائيلي إلى استشهاد 243 فلسطينياً، وفق إحصائيات وزارة الصحة، منهم 66 طفلا و39 سيدة و17 مسناً إضافة إلى إصابة 1910 مواطنين بجراح مختلفة، منها 90 إصابة شديدة الخطورة و500 إصابة في الأجزاء العلوية ومنها 155 إصابة في الرأس والرقبة، بين هذه الإصابات 560 طفلا و380 سيدة و91 مسناً.