غزو أوكرانيا: حدود تسليح كييف والخطوط الحمراء

02 يونيو 2022
جنود أوكرانيون على متن عربة مدرعة في سلوفيانسك، شرقي البلاد، أمس (أريس ميسينيس/فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت الأيام الـ99 من الغزو الروسي لأوكرانيا، أن النقطة المفصلية التي تطالب بها كييف لتحرير كامل أراضيها، متعلقة بنوعية الأسلحة، لا بعددها، في ظلّ استعداد الجيش الأوكراني لمواصلة القتال. وبدا على إثر سقوط خيرسون وماريوبول والضغط الشديد في الأيام الأخيرة على سيفيرودونيتسك، أن الأسلحة النوعية عامل حاسم في أي محاولة ميدانية أوكرانية.

خطوط حمراء غربية

غير أن رغبة الأوكرانيين في الاستحواذ على أسلحة ثقيلة وتتمتع بمدى بعيد، تصطدم بمحاذير سياسية غربية، وصلت إلى حدّ رسم خطوط حمراء، لمنع انزلاق القتال من الأرض الأوكرانية إلى حرب غير محسوبة لا بحدود ولا بزمن.

وفي المقابل، بلغ مسار حظر الطاقة الروسية منعطفاً شبه مسدود، مع ترك الاتحاد الأوروبي الباب مفتوحاً أمام خيار آخر غير "الاستغناء عن الطاقة الروسية"، ويتمثل في "فرض رسوم أكبر على واردات الطاقة من روسيا"، بفعل اعتراض بعض الدول الأوروبية على قطع العلاقة النفطية مع روسيا، خصوصاً المجر.

وتُظهر هذه التطورات أن الحرب باتت أكثر تعقيداً، في ظلّ رفض الأوروبيين السماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"الانتصار في الحرب" من جهة، وعدم قدرتهم على الاتفاق على موقف موحّد تجاه الطاقة الروسية من جهة أخرى.


تصدّرت صواريخ "ستينغر" و"جافلين" قائمة المساعدات العسكرية

 

ومنذ ما قبل الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط الماضي، سعى المعسكر الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، إلى تموين أوكرانيا بالأسلحة، عدا المساعدات الإنسانية، لكن التطورات الميدانية، خصوصاً القصف الروسي بالصواريخ الباليستية، للعاصمة كييف ومدن أخرى في الغرب الأوكراني، مثل لفيف، دفع الأوكرانيين إلى المطالبة بأسلحة مماثلة.

وبرأي كييف، فإن موسكو قادرة على إطلاق الصواريخ بعيدة المدى من البحر الأسود والعمق الروسي وبيلاروسيا، من دون ردّ. المطالبات الأوكرانية لم تجد صدى لدى الغرب، الذي شدّد دوماً على منح الأسلحة الكافية لتحرير أوكرانيا، لا قصف روسيا.

وهذه المعادلة هي ما سمحت بغضّ النظر الروسي عن قصف قوافل الإمداد الغربية، البريّة والجويّة، لأوكرانيا. وآخر محطات الدعم الغربي لأوكرانيا، كان إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، نيّة إدارته إمداد أوكرانيا بعدد محدود من أنظمة الصواريخ عالية التقنية ومتوسطة المدى.

وهو سلاح بالغ الأهمية كان القادة الأوكرانيون يطمحون في الحصول عليه لعرقلة التقدم الروسي في منطقة دونباس. وقال مسؤولان بارزان في الإدارة الأميركية، أول من أمس الثلاثاء، إن أنظمة الصواريخ جزء من مساعدات أمنية جديدة بقيمة 700 مليون دولار، تضمّ مروحيات وأنظمة أسلحة مضادة للدبابات ومركبات تكتيكية وقطع غيار أسلحة.

وحاولت واشنطن إرساء التوازن بين الرغبة في مساعدة أوكرانيا في التصدي لوابل المدفعية الروسية، مع عدم إمدادها بأسلحة قد تسمح لها بضرب أهداف في عمق روسيا وتصعيد الحرب.

ويمكن لأي نظام أسلحة استهداف روسيا إذا كان قريباً بدرجة كافية من الحدود، علماً أن أنظمة الصواريخ الجديدة يبلغ مداها نحو 80 كيلومتراً. وأثار القرار الجديد حنق موسكو، فقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف لصحافيين: "نعتقد أن الولايات المتحدة تصب عمداً الزيت على النار. من الواضح أن الولايات المتحدة متمسكة بقتال روسيا حتى آخر جندي أوكراني".

وعندما سُئل عن الكيفية التي سترد بها روسيا إذا استخدمت أوكرانيا مثل هذه الصواريخ لضرب الأراضي الروسية، ردّ: "دعونا لا نتحدث عن أسوأ السيناريوهات".

كما اعتبر وزير الخارجية سيرغي لافروف، أن "هناك مخاطر باحتمال انخراط دولة ثالثة في الصراع الأوكراني بسبب تزويد كييف براجمات صواريخ".

وسبق لبايدن أن شدّد على عدم تزويد أوكرانيا بـ"أنظمة صواريخ يمكنها ضرب روسيا"، في مؤشر إضافي على تمسكه بعدم خروج النزاع من ساحته الحالية، ومنع الاشتباك الروسي ـ الأميركي المباشر.

وهو موقف مشابه لذاك الذي أعلنه في 10 فبراير/شباط الماضي، قبل الغزو بأسبوعين، حين قال في مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز": "نحن نتعامل مع أحد أكبر الجيوش في العالم". وأضاف: "عندما يبدأ الأميركيون والروس بإطلاق النار على بعضهم البعض ستندلع حرب عالمية".

ولم يكن بايدن وحده من وضع هذا "الخط الأحمر"، إذ إن ألمانيا عارضت لفترة طويلة مدّ أوكرانيا بالسلاح، قبل أن تبدأ بإرسال ذخائر ومعدات وصواريخ قصيرة المدى، لزوم حروب المدن والشوارع، ثم إعلانها منح 15 دبابة من نوع "ليوبارد 2 إيه" إلى جمهورية التشيك، بدلاً من دبابات "تي ـ 72 أم" التي قدمتها براغ لكييف.

كما عرض الألمان على سلوفينيا، مدّهم بدبابات قديمة ومدرعات عوضاً عن دبابات "أم ـ 84"، التي قدمتها ليوبليانا لكييف. وفي 23 إبريل/نيسان الماضي، أوقفت سويسرا شحنات الأسلحة الألمانية إلى أوكرانيا، من خلال منع إعادة تصدير الذخيرة السويسرية الصنع المستخدمة في مركبات المشاة القتالية من طراز "ماردر" التي تود كييف الحصول عليها، وفق ما ذكرته وكالة "رويترز" في حينه، نقلاً عن صحيفة "تسايتونغ" السويسرية.

وعلّلت برن ذلك، بأنها "تدعم أوكرانيا بالعقوبات وغيرها"، لكن وضعها الحيادي لا يسمح لها في نقل معدات عسكرية سويسرية الصنع إلى ساحة حربية.

في المقابل، لم يكن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا "رمزياً" أو "محدوداً"، بالعكس، فقد نجح الغرب في تشكيل أكبر حلف تعاضدي لبلد، أقلّه منذ نهاية الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، لكنه الأكبر مالياً.

في المجموع، بلغ عدد الدول الداعمة لأوكرانيا، سواء بالسلاح أو بالأموال أو بالمساعدات الإنسانية، 70 دولة. اختارت الأرجنتين والنمسا وأذربيجان والبحرين والبرازيل وبلغاريا وتشيلي والصين وقبرص وجورجيا والمجر والهند وإسرائيل وكازاخستان وكوسوفو والكويت وليشتنشتاين ومالطا ومولدوفا ومنغوليا وباكستان وقطر وسان مارينو والسعودية وسنغافورة وسويسرا وتايوان وتايلند وتركمانستان والإمارات وأوزبكستان والفاتيكان وفيتنام، تقديم دعم إنساني لأوكرانيا.

أما صربيا فقدمت دعماً مالياً. أما الدول التي قدمت دعماً عسكرياً وإنسانياً، فهي: أستراليا وكولومبيا وكرواتيا وجمهورية التشيك والدنمارك وإستونيا وإيطاليا وليتوانيا ومونتينيغرو ونيوزيلندا والنرويج ورومانيا وإسبانيا والسويد وتركيا.

من جهتها، قدمت سلوفاكيا ومقدونيا الشمالية وهولندا ولوكسمبورغ وأيرلندا واليونان وبلجيكا وألبانيا مساعدات عسكرية فقط. بدورها، قدمت كندا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وأيسلندا واليابان ولاتفيا وبولندا والبرتغال وسلوفينيا وكوريا الجنوبية وبريطانيا والولايات المتحدة، كل أنواع الدعم العسكري والمالي والإنساني.

الأسلحة والصمود الأوكراني

وساهمت الأسلحة العسكرية في الصمود الأوكراني، خصوصاً بعدم سقوط العاصمة كييف في الأيام الأولى من الغزو. وكان واضحاً أن الاستخبارات الأميركية كانت تتوقع الغزو، حتى أنها "حددت" موعداً أولياً له في 18 فبراير الماضي، ورسمت خريطته العسكرية.

وبناءً عليه، سلّمت الإدارة الأميركية صواريخ "ستينغر" (المضادة للطائرات) و"جافلين" (المضادة للدبابات)، فضلاً عن أنظمة رادار وبضع مروحيات وعربات وزوارق قتالية وبنادق وذخائر، وصولاً إلى مدافع "هاوتزر أم 777"، التي تدرّب عليها أفراد من الجيش الأوكراني، ومسيرات من نوع "الشبح الفينيقي"، التي تخرج للمرة الأولى من خارج عنابر الجيش الأميركي.

وقدمت بريطانيا صواريخ "جافلين" و"أن أل إيه دبليو" (المضادة للدبابات أيضاً) وصواريخ دفاعية و"ستار ستريك" (نظام دفاع جوي محمول على الكتف) وعربات وذخائر ومسيرات وأنظمة رادار ومعدات إلكترونية وصواريخ "بريمستون" (صاروخ جو ـ أرض يُطلق من المروحيات).

أما الأتراك، فقدموا مسيرات "بيرقدار تي بي 2"، والسويد صواريخ "إيه تي 4" المضادة للدبابات، وإسبانيا عربات "إنستالازا سي – 90" المضادة للألغام، وسلوفينيا دبابات "أم ـ 84"، وسلوفاكيا أنظمة دفاع جوي وصواريخ مضادة للدبابات ونظام "أس ـ 300" الروسي الصنع، ومدافع "أس بي جي أتش زوزانا 2".

وقدمت البرتغال عربات وذخائر وناقلات جند من طراز "أم 113" ومدافع "هاوتزر أم 114 إيه 1"، وبولندا صواريخ "آر – 73" (صاروخ جو ـ جو تُستخدم على طائرات ميغ 29 وسوخوي 27)، ومسيرات "فلاي آي"، ومدافع متوسطة المدى، والنرويج صواريخ "أم 72 أل إيه دبليو" المضادة للدبابات، و100 صاروخ "ميسترال" للدفاع الجوي، وهولندا أنظمة رادار ودفاعات جوية، وصواريخ "ستينغر" و"بانزر فاوست 3" (المضاد للدبابات) ومدافع "بانزرهاوبيتز 2000".

وقدمت لوكسمبورغ 100 صاروخ "أن أل إيه دبليو"، وليتوانيا قدمت صواريخ "ستينغر" وناقلات "أم 113"، ولاتفيا "ستينغر" ومسيرات، وإيطاليا "ستينغر" و"بانزر فاوست 3"، واليونان صواريخ راجمات من نوع "أر أم ـ 70"، وألمانيا "بانزر فاوست 3" و"ستينغر" و"ستريلا 2" (المصمم لاستهداف الطائرات والمروحيات) وصواريخ "ماتادور" (المضادة للدبابات) ومسيرات و5600 لغم مضاد للدبابات و50 مدفع "فلاكبانزر جيبارد" (المضاد للطائرات) ومدافع "بانزرهاوبيتز 2000".


لافروف: احتمال انخراط دولة ثالثة في الصراع بسبب المساعدات العسكرية

 

وقدمت فرنسا مروحيات ومسيرات وصواريخ مضادة للسفن، وصواريخ "ميلان" (المضاد للدبابات) و"جافلين" و"ميسترال"، وإستونيا قدمت "جافلين" وعربات ومدافع "هاوتزر دي ـ 30"، والدنمارك 2700 صاروخ "أم 72 أل إيه دبليو" (المضاد للدبابات) و"ستينغر" و25 مسيرة "سكاي ووتش" و50 ناقلة "أم 113" ومدافع هاون من عيار 120 ميليمتراً وصواريخ "هاربون" (المضاد للسفن).

وقدمت جمهورية التشيك "ستريلا 2" وعدد غير معلوم من دبابات "تي 72 أم" ومدافع من أنواع عدة من طراز "هاوتزر"، وصواريخ "أر أم ـ 70" و"غراد بي أم 21" ومروحيات "ميل ميغ 24" وعربات "بي أم بي 1"، وكندا 4500 صاروخ "أم 72 أل إيه دبليو" المضاد للدبابات ومدافع "هاوتزر أم 777"، وبلجيكا صواريخ مضادة للدبابات وأستراليا عربات "بوشماستر" ومدافع "هاوتزر أم 777". وعدا ذلك، قدّم الغرب الذخائر والقنابل والبنادق والقنّاصات والعربات الخفيفة، بالإضافة إلى تدريب الجنود الأوكرانيين.

ونجحت أوكرانيا بفعل هذا الدعم في ردّ الغزو عن كييف أولاً، ثمّ في تثبيت خط الجبهة في الشرق، في منطقة دونباس، حيث إقليما دونيتسك ولوغانسك ثانياً، على وقع إثبات الجيش الاوكراني قدرته على مواجهة الروس في حرب المدن والمناطق ذات التجمّعات السكنية الكثيفة.

خسائر أوكرانية في خيرسون وماريوبول

لكن خسارة خيرسون وماريوبول والسقوط المرجّح لسيفيرودونيتسك، دفع كييف للمطالبة بقاذفات صواريخ متعددة بعيدة المدى من طراز "أم 270". وترى أوكرانيا أن حاجتها الماسّة إلى صواريخ بعيدة المدى، تسمح لها في شنّ حرب مضادة لتحرير المناطق المحتلّة بعد 24 فبراير، وأيضاً كامل منطقة دونباس وشبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا بالقوة في عام 2014، كما تسمح لها هذه الأسلحة في فك الحصار عن موانئها المطلّة على البحر الأسود.

غير أن حسابات الغرب مختلفة عن أوكرانيا، فأي توّجه لمنح كييف ما تطلبه من صواريخ، سيفضي في الغالب إلى قصف الأراضي الروسية. ففي خاركيف مثلاً، شق الجيش الأوكراني طريقه باتجاه الحدود مع روسيا، محرراً العديد من القرى والمناطق، وفي حال حصوله على الصواريخ المطلوبة، فإن قصف بيلغورود الروسية، حيث تتمركز قاعدة للجيش الروسي، والمتاخمة للحدود الأوكرانية، سينقل القتال إلى مستوى اللاعودة مع روسيا.

مع العلم أنه في 1 إبريل/نيسان الماضي، قصفت مروحيتان أوكرانيتان خزانات للوقود في بيلغورود، قبل أن تنفي كييف تورّطها في القصف، في مؤشر لحصر القتال في الأراضي الأوكرانية.

(العربي الجديد، رويترز)