عوفر كاسيف... نائب إسرائيلي مناهض للصهيونية والاحتلال والإبادة

عوفر كاسيف... نائب إسرائيلي مناهض للصهيونية والاحتلال والإبادة

04 فبراير 2024
كاسيف خلال تظاهرة بالقدس، يونيو الماضي (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

عاد عوفر كاسيف النائب في الكنيست الإسرائيلي عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والمناهض للصهيونية والاحتلال، إلى واجهة عناوين وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة، عقب تصويت لجنة الكنيست البرلمانية على عزله، بسبب توقيعه على عريضة تؤيد الدعوى التي قدّمتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وتتهمها فيها بارتكاب "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

لكن مسيرة أستاذ الفلسفة السياسية في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، قبل أن يصبح نائباً في الكنيست لاحقاً ويُنتخب لعدة دورات، مليئة بالمواقف المناهضة للاحتلال، والمواقف الجدلية على المستوى الإسرائيلي، بوصفه أكثر من وزير في مناسبات عدة، بأنهم "نازيون جدد".

كما اتهم إسرائيل غير مرة بالعنصرية، وحمّلها مسؤولية رد فعل المقاومة الفلسطينية على الاحتلال. واتُهم بضرب شرطي، فيما اعتدي عليه من قبل الشرطة في مناسبة أخرى.
ووصف عوفر كاسيف بأنه اشتراكي ويساري متطرف، من قبل الكثير من الإسرائيليين.

كما اعتبر من الشخصيات الأقل شعبية على المستوى الداخلي، بسبب بعض المواقف التي أثارت مراراً غضب مسؤولين في الشرطة وجيش الاحتلال، وكذلك في الكنيست، الذي رأى غالبية أعضائه، الأسبوع الماضي، أنه "بلغ السيل الزبى" بشأن كاسيف، على خلفية انضمامه إلى عريضة مؤيدة لدعوى جنوب أفريقيا، وهو ما اعتبره بعضهم "خيانة" لإسرائيل.

وعبّر عن ذلك بوضوح رئيس لجنة الكنيست الإسرائيلي أوفير كاتس، معتبراً أن "هذه ليست حرية تعبير، بل خيانة".

ووقّع عوفر كاسيف على العريضة إلى جانب أكثر من 200 إسرائيلي، مبرراً ذلك بأنه يحمي المجتمع الإسرائيلي وقيمه، في حين أن إسرائيل هي من تسببت برفع الدعوى في ظل ما ترتكبه في غزة.

اعتبر عوفر كاسيف غير مرة أن العمليات الفلسطينية سببها الاحتلال

وكتب، في السابع من يناير/ كانون الثاني الماضي، عبر حسابه على منصة "إكس": "عندما تعمل الحكومة ضد المجتمع والدولة ومواطنيها، خاصة عندما تضحّي بهم وترتكب الجرائم باسمهم على مذبح الحفاظ على وجودها، فمن حقي، بل وواجبي، أن أحذّر من ذلك، وأن أفعل كل ما بوسعي في حدود القانون لوقف ذلك".

وأضاف: "لن أتخلى عن النضال من أجل وجودنا كمجتمع أخلاقي. هذه هي الوطنية الحقيقية. لا حروب انتقامية ودعوات إبادة، ولا إراقة دماء بلا داع، ولا التضحية بالمواطنين والجنود المختطفين في حروب كاذبة".

واعتبر عوفر كاسيف أن سلوك حكومة الاحتلال في الحرب الحالية على قطاع غزة، يرقى إلى مستوى التحريض على التطهير العرقي والإبادة الجماعية. وفي الوقت ذاته، رفض تبريرات لجنة الكنيست لعزله، بأنه يدعم الكفاح المسلح لحركة حماس، مؤكداً أنه لا يدعم "حماس" وما قامت به في 7 أكتوبر الماضي.

ولم يتأخر الرد، إذ صوتت اللجنة، في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، بأغلبية 14 نائباً مقابل معارضة اثنين، لصالح عزل كاسيف، بعد يومين من النقاش. وهو القرار الذي سيُعرض في وقت لاحق على الهيئة العامة للكنيست، للتصويت عليه، ويحتاج إلى أغلبية 90 عضواً من أصل 120 للموافقة عليه.

ويبدو أن عوفر كاسيف لن يكون بعيداً عن مرمى إطاحته، خصوصاً أن المبادرة لعزله جاءت من المعارضة، وتحديداً من حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا)، فيما وقّع عليها 85 من أعضاء الكنيست. وبتجنيد 5 أعضاء إضافيين قد يعزل الكنيست لأول مرة منذ إقامته عضواً منتخباً فيه.

وقد يكون عوفر كاسيف هدفاً سهلاً، كونه يهودياً، وبالتالي لا يمكن اتهام الكنيست بالعنصرية. في المقابل، فإن الوصول إلى 90 صوتاً مؤيداً لعزله ليس مؤكداً، وقد يتغيب الكثيرون عن التصويت، فيما يرى البعض أن عزله قد يكون منافياً للديمقراطية.

وحتى لو حصل القرار على الأغلبية المطلوبة، فإنه من المرجّح أن تشطبه المحكمة العليا، خاصة أن موقف المستشارتين القضائيتين للحكومة والكنيست يرفض عزل كاسيف، رغم توجيههما انتقادات لموقفه.

سجن عوفر كاسيف لرفضه الخدمة بالمناطق المحتلة

على الرغم من التحاق كاسيف، المولود في العام 1964، بالخدمة الإلزامية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتحديداً في وحدة "ناحال"، مع بلوغه جيل الخدمة الإلزامية، إلا أنه سُجن خلال الانتفاضة الأولى التي اندلعت في العام 1987، إثر رفضه الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة.

في 6 مارس/آذار 2019 ترشح كاسيف لأول مرة للكنيست في قائمة "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة". وقررت لجنة الانتخابات المركزية وقتها إلغاء ترشحه، بسبب تصريحات ومواقف أبداها عندما كان ناشطاً ومحاضراً جامعياً، لكن المحكمة العليا أبقت عليه، ليدخل الكنيست لأول مرة.

وجاء طلب شطب ترشيح كاسيف، بسبب مواقفه، ومنها مقارنته وزراء في حكومة الاحتلال بالنازيين. كما نادى بمقاومة عنيفة للعنصرية، وفق ما نُشر في حينه في وسائل إعلام عبرية. وقال كاسيف، في دفاعه عن نفسه: "لقد استخدمت العبارة بشكل مجازي ولن أستخدم مثل هذه العبارات كمسؤول منتخب من قبل الجمهور".

ضرب عوفر كاسيف في الشيخ جراح

في 9 إبريل/نيسان 2021، تعرض كاسيف للضرب من قبل عناصر في الشرطة، ما أدى إلى تحطم نظاراته، وذلك خلال مشاركته بوقفة احتجاجية مع نشطاء إسرائيليين وفلسطينيين ضد إخلاء عائلات فلسطينية من بيوتها في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة.

وقرر قسم التحقيق مع عناصر الشرطة (ماحاش) إغلاق الملف ضد عناصر الشرطة الضالعين في الاعتداء على كاسيف، بعد إفضاء التحقيقات إلى أنهم استخدموا "قوة معقولة".

وفي 8 سبتمبر/ أيلول 2021، وصف عوفر كاسيف الأسرى الفلسطينيين الستة الذين تمكّنوا من الهرب من سجن "جلبوع" بأنهم سياسيون، وذلك بخلاف اعتبار دولة الاحتلال لهم بأنهم أسرى أمنيون. وطالب، في حينه، بإطلاق سراحهم، الأمر الذي أثار ردود فعل إسرائيلية ضده.

اتهام كاسيف بالاعتداء على شرطي في مسافر يطا

وخضع كاسيف للتحقيق في 7 أغسطس/ آب 2022، بشبهة قيامه في مايو/ أيار من نفس العام، بالاعتداء على شرطي، خلال تظاهرة لنشطاء في مسافر يطا في محافظة الخليل، اعتراضاً على قرار المحكمة العليا الإسرائيلية والحكومة، إخلاء مبانٍ فلسطينية وتهجير السكان الفلسطينيين من أراضيهم.

وكتب كاسيف يومها: "من الواجب على أعضاء الكنيست انتقاد الحكومة، وبالأساس، عندما ترتكب جرائم مثل التطهير العرقي في مسافر يطا وتجمعات الرعاة الفلسطينيين".

وقال إن "المنع التعسفي لوصول أعضاء الكنيست إلى الميدان هو أحد دعائم الانقلاب السلطوي، لأنه عندما يستحيل فضح جرائم الاحتلال لا توجد إمكانية لتغيير الواقع الدموي. بدلاً من تقييد حرية وعمل أعضاء الكنيست وتقليص حصانتهم، ينبغي دعمها وتعزيزها. سأقف ضد الادعاءات الكاذبة في المحكمة من أجل الازدهار والحريّة لكلا الشعبين".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وفي 17 يناير الماضي، قررت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف ميارا، تقديم لائحة اتهام ضد عوفر كاسيف تتهمه فيها بالاعتداء على شرطي في ظروف خطيرة. ويتطلب تقديم لائحة الاتهام بشكل فعلي موافقة الكنيست على رفع الحصانة عنه.

أفكار عوفر كاسيف مناهضة للاحتلال

يحمل عوفر كاسيف أفكاراً مناهضة للاحتلال وسيطرة إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وقارن عدة مرات بين الاحتلال والنازية. كما اعتبر غير مرة أن العمليات الفلسطينية سببها الاحتلال.

وصف عوفر كاسيف المستوطنين الذين يقتحمون المسجد الأقصى بأنهم سرطان يجب القضاء عليه بيد من حديد

ومن بين تلك المواقف قوله، أواخر أكتوبر 2022 بعد مقتل مستوطن في "كريات أربع": "نحن مع المقاومة السلمية للاحتلال، ولكن يجب أن نفهم أن الاحتلال هو السبب في المقاومة. وعندما تكون هناك اعتداءات يومية من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين فإن المسؤولية عليهم". ووصف البؤر الاستيطانية بأنها "ليست أقل من أوكار إرهاب للمستوطنين".

ويعتبر كاسيف الصهيونية قيمة عنصرية. ولطالما أثارت العديد من تصريحاته، نقاشاً في الكنيست ووسائل الإعلام الإسرائيلية، وبعضها تسببت في تقديم شكاوى ضده لدى الشرطة، مثلما فعلت إيليت شاكيد في 2015، عندما كانت وزيرة للقضاء، بعد أن وصفها كاسيف بأنها "حثالة نازية".

وقال كاسيف في ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام، رداً على تعديل قانون يقضي بالتضييق على الجمعيات والمؤسسات الحقوقية، التي تتلقى تمويلاً من الخارج وتطالبها بكشف الكيانات الأجنبية التي تموّلها، إن شاكيد "الحثالة النازية الجديدة ليست مسؤولة فقط عن فاشية إسرائيل، ولكنها أيضاً شريك غير مباشر في الإبادة الجماعية في أفريقيا والجرائم ضد الإنسانية".

وفي إبريل/ نيسان 2017، قارن عوفر كاسيف، أثناء محاضرة ألقاها في الكلية التحضيرية الأكاديمية للجامعة العبرية، بين قوانين سنّتها حكومة بنيامين نتنياهو وقوانين ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي.

وفي أغسطس 2017، وصف كاسيف المستوطنين الذين يقتحمون المسجد الأقصى بأنهم "سرطان يجب القضاء عليه بيد من حديد".

وأيد كاسيف النضال الإسرائيلي الفلسطيني المشترك. وذكر في حديث لموقع "والاه" العبري، في مارس/ آذار 2019، أنه سُجن 4 مرات لرفضه الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة. وكان ذلك عندما كان في قوات الاحتياط بعد إنهائه الخدمة الالزامية خلال الانتفاضة الأولى.

وقال كاسيف إنه نشأ في بيت صهيوني، لكنه تغيّر مع الوقت، موضحاً للموقع: "نشأت في بيت مع تربية صهيونية قومية وليس في بيت يساري، ومررت بعملية تغيير ذاتي من خلال التفكير والتأمل، وأنا سعيد بذلك".

وفي مقابلة مع صحيفة "هآرتس" في 14 إبريل/ نيسان 2021، عرّف كاسيف نفسه بأنه مناهض للصهيونية. وقال: "أنا أعارض الأيديولوجية والممارسة الصهيونيتين، وأدّعي أنهما ممارسة وأيديولوجية عنصرية تدعو إلى الفوقية اليهودية". وأعرب عن دعمه لإلغاء "قانون العودة" الإسرائيلي، مشيراً إلى أنه يرى أنه قانون عنصري. ويعطي "قانون العودة" الذي سنته دولة الاحتلال الإسرائيلي في العام 1950 كل يهودي حق الهجرة والاستقرار في فلسطين المحتلة ونيل الجنسية الإسرائيلية.

وفي 1970، عُدل القانون ليشمل أصحاب الأصول اليهودية، مثل الأحفاد وأزواجهم.

وفي 18 أكتوبر الماضي قررت لجنة الأخلاقيات في الكنيست إبعاد كاسيف عن الكنيست لمدة 45 يوماً، وحرمانه من راتبه لمدة 14 يوماً، لأنه عبر عن نفسه "بطريقة تربط بين عوالم المحتوى في المحرقة لسياسة الحكومة أثناء الحرب"، وذلك في لقاء مع وسائل إعلام أجنبية.

400 شكوى ضد كاسيف

وقُدمت ضد عوفر كاسيف أكثر من 400 شكوى من قبل إسرائيليين وأعضاء في الكنيست. وقال كاسيف، في المقابلات، بعد استنكاره عميلة "طوفان الأقصى"، إن "دولة إسرائيل تستغل العنف الفلسطيني كذريعة للهجوم على غزة وارتكاب جرائم ضد الشعب الفلسطيني، وإنها هي من اختارت هذا العنف".

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يُبعد فيها كاسيف عن الكنيست، إذ قررت لجنة الأخلاقيات في 28 يونيو/حزيران الماضي إبعاده لمدة شهر عن جلسات لجان الكنيست، في أعقاب عدة شكاوى ضده، منها وصف أحد أعضاء الكنيست بأنه "نازي جديد".

كما قدم إسرائيلي شكوى ادعى فيها أن عوفر كاسيف دعا، خلال لقاء مع عضو في حزب بلجيكي، إلى "مقاطعة إسرائيل طالما استمر الاحتلال". وقدمت شكوى أخرى اتهمت كاسيف بتمنّي الموت لإسرائيلي، حين قال مستوطن إن صديقه قُتل "على يد فلسطينيين"، ليرد كاسيف الذي كان مشاركاً في تظاهرة في البلدة القديمة في القدس المحتلة، "قريباً عندك".

في 6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، دعا كاسيف، في خطاب على منبر الكنيست، إلى إطلاق سراح القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي. جاء ذلك بعد تمهيد تحدث فيه عن بعض المحطات في مسيرة نيلسون مانديلا، الذي كافح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

واعتبر كاسيف وقتها أنه "في السجون الإسرائيلية يجلس أيضاً شخص أدين بالإرهاب، لكن في داخله إمكانيات هائلة لوضع حد لصراع الدماء في بلادنا. للأسف الشديد، فإن حكومات إسرائيل فضّلت تجاهل مروان البرغوثي. وبخلاف نيلسون مانديلا لم يتم إطلاق سراح البرغوثي، ولكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فضّل بدلاً من ذلك، إطلاق سراح يحيى السنوار عام 2011، والذي لم يوقّع مثل البرغوثي على وثيقة الأسرى"، التي قال كاسيف إنها تدعو إلى إنهاء الصراع وإحلال السلام.