أخفق البرلمان العراقي، أمس الأربعاء، في حسم قانون الانتخابات، والذي تبقى منه أهم جزء، والمتعلق بالدوائر الانتخابية وتوزيعها الجغرافي، وسط مخاوف مما يصفه ناشطون ومتظاهرون بخبث أحزاب السلطة في إفراغ القانون من محتواه والخروج بصيغة لا تضمن فوزهم فقط، بل تكرس الطائفية وحتى المناطقية في المحافظات.
ويظهر في مسودة مشروع قانون الانتخابات توزيع الدوائر بشكل طائفي وقومي، وليس جغرافيا، حيث تتوفر دوائر انتخابية تجمع مدينتين متباعدتين جغرافياً ومتقاربتين طائفياً، بينما تم تفريق مدينتين متجاورتين للسبب ذاته، وهو ما يمكن أن يعزز هيمنة الأحزاب الحاكمة اليوم، ويقتل فرص القوى المدنية التي تشكلت أخيراً من رحم ساحات التظاهر. وحتى الآن، لم تتفق القوى السياسية على شكل وطبيعة وآلية إجراء الانتخابات المبكرة، المقرر أن تُجرى منتصف العام المقبل، بالرغم من تصويت البرلمان، بالأغلبية البسيطة، على استكمال قانون الانتخابات، التي بات واضحاً أنها ستكون مختلفة عن تلك التي أجريت بعد 2003، والتي اعتمدت طريقة التمثيل النسبي مع معاملة المحافظة كدائرة واحدة وفقاً لنظام القوائم المفتوحة.
"الشيوعي": الدوائر المتعددة ستعزز الطائفية والمناطقية
وكان العراق يعتمد في تجاربه الانتخابية السابقة على آلية تسمح بفوز مرشحين حصلوا على أصوات قليلة، لمجرد أن القوائم التي تدعمهم حصلت على أصوات كثيرة. ومع الإعلان عن اتفاق سياسي استجابة لمطالب المتظاهرين باعتماد الدوائر الصغيرة، بواقع واحدة لكل 100 ألف نسمة، انتقل الحديث إلى تقسيم كل محافظة إلى ثلاث أو خمس دوائر، يتم تقسيمها وتوزيعها بالتوافق بين الكتل السياسية، من دون تدخّل مفوضية الانتخابات التي تعتبر جهة تنفيذية.
وبالرغم من أن التظاهرات الشعبية، التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أجبرت البرلمان على التخلي عن طريقة التمثيل النسبي القديمة، ودفعت به إلى إضافة تعديل جوهري على قانون الانتخابات، والذي اعتبرته الأوساط المدنية في البلاد نصراً للاحتجاجات، إلا أن قوى سياسية تجد أن اعتماد الصيغ المطروحة حالياً للتداول، والخوض في مباحثات ونقاشات جدلية من قبل بعض الكتل السياسية، يمثل حالة من حالات الالتفاف على مطالب الشعب وتطلعاته في التغيير.
وقال النائب عن ائتلاف "دولة القانون" علي الغانمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "البرلمان أخفق من جديد في حسم قضية الدوائر الانتخابية بسبب الخلافات السياسية، خصوصاً مع وجود إرادة سياسية معينة، تريد فرض رأيها على القانون وفقا لمصالحها". وأشارت مصادر سياسية، لـ"العربي الجديد"، إلى وجود محاولات لتمرير القانون بصيغة الدوائر المتوسطة قريباً، من خلال التوصل إلى تسوية مع تحالف "دولة القانون"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي يدفع باتجاه دائرة واحدة في كل محافظة.
وقال سكرتير اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، إن "شكل القانون الحالي، والتوجه السياسي نحو الاعتماد على الدوائر المتعددة، سيُعزز الطائفية والمنطق العرقي والمناطقي، وهو أمر يخالف كل الأسس والمطالبات التي يتظاهر العراقيون لأجلها منذ سنة. نحن لا نؤيد الدوائر المتعددة كونها تساعد على إبراز الهويات الفرعية على حساب الوطنية". وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "نجاح الانتخابات المبكرة المرتقبة يعتمد على توفر شروط عدة، ولكن أبرزها قانون الانتخابات الذي لا أحد يعلم شيئاً عنه، كون تطبيقه بالطريقة الصحيحة سيؤدي إلى منع المال السياسي الذي تملكه الأحزاب المتنفذة. كما أن الأحزاب، التي تمتلك جماعات مسلحة، ستُمنع من المشاركة في الانتخابات".
يدعم الكاظمي وفريقه صيغة الدائرة الواحدة لكل مقعد نيابي
ويدعم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وفريقه صيغة الدائرة الواحدة لكل مقعد، (دائرة لكل 100 ألف مواطن)، لكنه وبحسب المتحدث باسم حكومته، أحمد ملا طلال، منفتح على مناقشة مقترح ينص على اعتبار كل محافظة أربع دوائر انتخابية، أو اعتبار العراق كله 80 دائرة، تنتخب كل واحدة 4 نواب، ليصبح العدد الجديد للنواب 320 قبل إضافة ممثلي الأقليات. لكن يقف على الضفة الثانية زعماء الأحزاب الدينية الذين يرون أن التوجه نحو الدوائر المتعددة يعني نهاية سلطتهم التي تمتد منذ 2003، ومنهم نوري المالكي وهادي العامري وفالح الفياض، على عكس زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي يجد نفسه رابحاً بأي طريقة يتم التوصل إليها لإجراء الانتخابات.
من جهته، أشار عضو تحالف "سائرون" رعد المكصوصي إلى أن "الدوائر المتعددة هي الطريقة الأفضل لزيادة تمثيل المستقلين في البرلمان، من أجل استمرار مشروع الإصلاح في البلاد، وهو ما ينشده المتظاهرون منذ سنة عبر احتجاجاتهم، ومن خلالها سيحدث التغيير". وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "بعض الأحزاب السياسية تُدرك تماماً حجم خسارتها في الانتخابات المقبلة، وبالتالي فهي تسعى حالياً للاعتراض على كل ما يتوافق مع المشاريع الإصلاحية، وأن قانون الانتخابات وإعادة تعديله بما يتناسب مع وجهة نظر المحتجين، كان قاسياً على بعض الكتل السياسية".
وقال عضو ائتلاف "دولة القانون" سعد المطلبي إن "المصادر الرسمية في البلاد تؤكد أحقية 26 مليون عراقي في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهذا الرقم كبير، وبحاجة إلى قانون انتخابات ينسجم مع طبيعة الحالة العراقية. إن تحويل المحافظات إلى أكثر من دائرة انتخابية، قد تصل إلى أربع وخمس، سيؤدي إلى تمكن الأحزاب الكبيرة من الاستحواذ عليها من خلال المال السياسي والترهيب والترغيب". وأكد، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "العمل بالدوائر المتعددة لن يسهم في صعود أي وجوه مستقلة للبرلمان، وإن تمكّن بعضهم من الفوز، فقد نشهد 10 برلمانيين جدد من الأحزاب الجديدة، مقابل أكثر من 300 نائب ينتمون لذات الأحزاب المعروفة".
وإلى جانب الورطة التي تعاني منها بعض الأحزاب نتيجة اقترابها من خسارتها مكانتها السابقة، يحذر قانونيون عراقيون من معضلة ثانية، تتمثل في اختلال نصاب المحكمة الاتحادية العليا، التي تعتبر أعلى هيئة قانونية مختصة بالفصل بين النزاعات القانونية بين السلطات والتصديق على نتائج الانتخابات. وقال الخبير القانوني علي التميمي لـ"العربي الجديد"، إن "قانون المحكمة يوجب أن تعقد جلسات المحكمة بحضور كامل هيئة المحكمة وبعكسه تكون قراراتها غير صحيحة، ويعني ذلك أن المحكمة لن تتمكن من المصادقة على نتائج الانتخابات، وبالتالي فإن إجراء الانتخابات مرتبط باكتمال عدد أعضاء المحكمة".