عام على اقتحام السفارة الأميركية في بغداد: حقيقة مغيّبة

31 ديسمبر 2020
أضرم المهاجمون النيران في غرف استعلامات وحطموها (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -

يتفق سياسيون ومراقبون عراقيون على أنّ ما تعرض له العراق من أزمات أمنية واضطرابات على الساحة السياسية خلال عام 2020، كان مرتبطاً بالأحداث التي شهدتها بغداد في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2019، وتحديداً في 31 ديسمبر، حين اقتحم عناصر يتبعون لمليشيات مسلحة حليفة لطهران، وبمشاركة قيادات بارزة فيها، منها نائب رئيس "الحشد الشعبي" وقتها، أبو مهدي المهندس، وزعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، وزعيم مليشيا بدر هادي العامري، حرم السفارة الأميركية في بغداد، بعد عملية دخول سهلة للمنطقة الخضراء. ويؤكد مسؤولون عراقيون أنّ عملية الاقتحام تمت بعلم حكومة رئيس الوزراء حينها، عادل عبد المهدي، وتمت التهيئة لها بشكل مسبق على أنها احتجاج في الشارع المقابل للسفارة. وجاء الاقتحام عقب غارات شنّتها مقاتلات أميركية مستهدفةً مقراً يتبع لـ"كتائب حزب الله" العراقية الموالية لطهران، في بلدة القائم أقصى غربي العراق على الحدود مع سورية، وقتلت حينها 19 عنصراً من "الحشد الشعبي" بينهم قادة، فيما أصيب آخرون، وذلك رداً على حادثة مقتل متعاقد أميركي في قاعدة "كي وان" في مدينة كركوك، اعتبرت الحكومة الأميركية أن "كتائب حزب الله" هي المسؤولة عنها.

وهاجم عناصر المليشيات في مثل هذا اليوم من العام الماضي مبنى السفارة داخل المنطقة الخضراء، فبعد نحو ساعتين من التجمهر حولها، تسلق عدد منهم أسوارها واقتحموا باحتها الأمامية ومرافق خدمية مختلفة فيها، بينما كان الطاقم الدبلوماسي الأميركي في المبنى الرئيس المحصن فيها. وأضرمت النيران في غرف استعلامات وكسرت كاميرات مراقبة وسرقت سيارة نقل وأخرى لاستقبال الضيوف، كما تم تحطيم أثاث وأدوات خدمية مختلفة، قبل تدوين كتابات على جدران السفارة من بينها "سليماني قائدنا"، في إشارة إلى قائد "فيلق القدس" السابق قاسم سليماني. كما رفع المتظاهرون أعلاماً لـ"حزب الله" اللبناني وأخرى لفصائل مسلحة مختلفة، لينفذوا بعد ذلك ما اعتبروه اعتصاماً أمام بوابة السفارة، ناصبين خياماً كبيرة لساعات عدة قبل انسحابهم بعد حراك حكومي إثر تصريحات واتصالات لمسؤولين أميركيين. واعتبر رئيس الجمهورية برهم صالح، وقتها، أن الحدث "يعدّ تجاوزاً للاتفاقات الدولية الملزمة للحكومة العراقية".


عملية الاقتحام تمت بعلم حكومة عادل عبد المهدي

بعد الاقتحام، شُكّلت لجنة تحقيق للكشف عن ملابسات وطريقة وصول أفراد المليشيات إلى أحد أكثر المناطق حساسية في بغداد والعراق عموماً. لكن رداً سريعاً جاء من قبل الولايات المتحدة على مهاجمة سفارتها، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط، بقتل سليماني وأبو مهدي المهندس، بصاروخ استهدف موكبهما، بالقرب من مطار بغداد، وهو ما غطى على الحدث ومجرياته.

وعلى الرغم من مرور عام كامل على اقتحام السفارة الأميركية، إلا أنّ أسئلة كثيرة لا تزال بلا أجوبة، منها طريقة دخول المقتحمين إلى المنطقة الخضراء، وكيفية وصولهم إلى السفارة، ومن ثمّ تسلّق أسوارها، والسر وراء عدم فتح القوة الأميركية الموجودة فيها النار على المهاجمين والاكتفاء بغاز مسيل للدموع لم يمنع من استمرار عملية الاقتحام، ووصولهم إلى نقطة لا يفصل فيها مكاتب الموظفين الأميركيين بما فيهم السفير ماثيو تولر، عنهم سوى باب واحد.

وفي هذا الصدد، كشف مسؤول سابق في حكومة عبد المهدي، لـ"العربي الجديد"، أن الأخير "كان على علم بوجود مخطط للدخول والتظاهر أمام السفارة، رداً على غارة القائم التي قتل فيها عناصر من كتائب حزب الله، ووُعد من هادي العامري وقيس الخزعلي، اللذين أشرفا إلى جانب أبو مهدي المهندس على التحضير للتظاهرة، بأنّ المحتجين لن يتجاوزوا رصيف السفارة الأمامي، وسيوصلون رسالة للسفير الأميركي ويطالبون بخروج قوات بلاده من العراق. وهذا كان السبب الرئيس في دخولهم إلى المنطقة الخضراء بالآلاف من دون أي منع من مسؤولي الأمن، خصوصاً أن عبد المهدي كان قد وضع القيادي في الحشد، تحسين العبودي، المعروف باسم أبو منتظر الحسيني، مسؤولاً عن حماية المنطقة الخضراء، قبل الحدث بفترة بسيطة".

وأشار المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أنّ "المخطط كان منذ البداية هو إهانة السفارة من خلال اقتحام حرمها ومحاصرة من فيها بالمبنى الرئيسي الذي يضم مكتب السفير ومساعديه، لذلك التزم المقتحمون بالمخطط وأغلبهم من كتائب حزب الله والعصائب وحركة النجباء ومليشيا بدر"، مضيفاً أنّ "العثور على سلالم ومقاطع حديدية لكسر الأقفال في باحة السفارة، أكد أنّ المهمة كانت فعلاً اقتحام الأخيرة بشكل محدود كرد على غارة القائم".


السفارة الأميركية تمتلك صوراً وبيانات حول كل من شارك باقتحام حرمها

وأوضح المسؤول أنّ "التحقيق الذي وعد به عبد المهدي في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حينها، لم يكتمل واستمر يوماً واحداً فقط، لكن الاتهامات تشير لتورط هادي العامري وقيس الخزعلي و(الأمين العام لحركة النجباء) أكرم الكعبي، وعبد العزيز المحمداوي المعروف بأبو فدك أو الخال، (أحد أبرز قيادات كتائب حزب الله ورئيس أركان الحشد حالياً) إلى جانب أبو مهدي المهندس، بالإعداد للعملية. في حين أنّ الحديث عن تورط أو مشاركة رئيس الحشد ومستشار الأمن الوطني حينها، فالح الفياض، بالحادث لم يكن صحيحاً".

في السياق، أكد نائب في البرلمان طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "السفارة الأميركية تمتلك صوراً وبيانات حول كل من شارك باقتحام حرمها من خلال كاميرات المراقبة التي رصدت الاعتداء طوال نحو 4 ساعات متواصلة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يُفهم سبب عدم تسليم السفارة ما لديها من معلومات لحكومة مصطفى الكاظمي الآن، خصوصاً أنها تصرّ على إجراء التحقيق وتقديم المتورطين للقضاء".

وتواصل القوات العراقية منذ نحو 10 أيام فرض إجراءات مشددة حول المنطقة الخضراء ومناطق عدة من بغداد تمثل معاقل تقليدية للمليشيات الموالية لإيران، وذلك تحسباً لتكرار الهجمات بصواريخ الكاتيوشا على السفارة الأميركية. إذ يؤكد مسؤولون عراقيون أنّ احتمالية رد عسكري أميركي على أي هجوم آخر يستهدف السفارة، بات أقرب من أي وقت آخر.

إلى ذلك، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي رعد هاشم، إنّ "اقتحام السفارة الأميركية في بغداد، يمكن اعتباره نقطة تحول كاملة في ملف الصراع الأميركي الإيراني في المنطقة عموماً، وليس على مستوى العراق فقط". وأضاف في اتصال هاتفي من العاصمة الأردنية عمّان مع "العربي الجديد"، أن "الحادث فتح في نهايته باباً ليس في صالح الإيرانيين على الإطلاق، لما لمسألة اقتحام السفارات أو استهداف البعثات الدبلوماسية من أثر كبير في الرأي العام الغربي عموماً، والأميركي على وجه التحديد. لذا وجدت واشنطن أنّ الرد يجب أن يكون مناسباً، واستشعرت في الوقت نفسه خطر هذه المجموعات المسلحة، وذهبت إلى استهداف رأس الحربة للمليشيات في المنطقة عموماً، وهو قاسم سليماني".


هاشم: اقتحام السفارة يمكن اعتباره نقطة تحول كاملة في ملف الصراع الأميركي الإيراني في المنطقة

وحمّل هاشم حكومة عادل عبد المهدي "مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في مثل هذه الأيام من العام الماضي"، واصفاً إياها بأنها "كانت حكومة انبطاح كامل أمام إيران، تسيطر المليشيات على القرار فيها". وتابع "ما زالت تداعيات اقتحام السفارة متواصلة ولم تتوقف عند قتل سليماني، بل شملت على فترات متقاربة ضربات في سورية والعراق استهدفت معسكرات ومواقع الجماعات المسلحة الموالية لإيران".

وتوقع هاشم أن تتم "معاقبة الشخصيات الكبيرة التي شاركت وأشرفت على الاقتحام تباعاً، سواء بالعقوبات أو ربما بالاستهداف على طريقة سليماني والمهندس، خصوصاً في حال أصرت المليشيات على تكرار مهاجمة المصالح الأميركية في العراق، وهو ما قد لا يتطلب هذه المرة مقتل أو إصابة أميركيين لترد واشنطن، بل قد يكفي هجوم صاروخي آخر على السفارة ليحصل رد عسكري أميركي وقد يكون أكبر من السابق".