طوفان الأقصى: الدوافع والأسباب والتداعيات

29 أكتوبر 2023
مذابح إسرائيلية بالجملة ضد الأبرياء الفلسطينيين (ساهر الغرة/فرانس برس)
+ الخط -

تعتبر عملية طوفان الأقصى من أكثر العمليات تأثيراً على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يجيب المقال عن تساؤلاتٍ ثلاثةٍ: ما هي عملية طوفان الأقصى؟ وما هي أسبابها ودوافعها؟ وما تداعياتها على الدوائر الأربع (المحلية، الإسرائيلية، الإقليمية، الدولية)؟

أوّلاً: عملية طوفان الأقصى

السبت 7/10/2023، في تمام الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة، استيقظ سكان قطاع غزّة على صوت رشقات القذائف والصواريخ محلية الصنع في كلّ اتجاهٍ، ودار جدلٌ بين السكان المحليين؛ هل ما يحدث مناورةٌ عسكريةٌ، أم ردٌ على اغتيال قائدٍ كبيرٍ؟ لم يستطع أحد أن يتنبأ بماذا يحدث، حتّى بدأت الرسائل تأتي تباعاً، مجموعةٌ من النخبة التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام؛ الذراع المسلّح لحركة المقاومة الإسلامية حماس، نفذت عبورًا جديدًا، يعيد إلى الذاكرة يوم العبور الكبير في أكتوبر المجيد عام 1973م، عندما نجح الجيش المصري في عبور خطّ بارليف.

اقتحمت المقاومة الفلسطينية السياج الفاصل بين غزّة ودولة الاحتلال، وتجاوزت كافّة تدابير الاحتلال الأمنية والتكنولوجية، في مشهدٍ يؤكّد حالة الإعجاز في الإنجاز، من اختيار التوقيت (يوم السبت وفي عيد العرش وفي ساعات الصباح الأولى)، والعمل الاستخباراتي، والتضليل الاستراتيجي (لم يتوقع جهاز الأمن الإسرائيلي العملية، وأبدعت المقاومة في تضليل العدوّ عبر مناورات مختلفة)، ومن طريقة الاقتحام والأدوات المستخدمة ( المسيرات، الاقتحام البري، الأنفاق، المظليين، إزالة السياج والاقتحام البري)، وتنفيذ العملية لنظرية الصدمة (نجحت العملية في الاقتحام والاشتباك والانسحاب لبعض قوات النخبة بعد تحقيق نتائج مبهرةٍ، تمثّلت في تكبيد العدوّ خسائر بشرية بلغت 1300 قتيلٍ حتّى تاريخه، وعشرات الأسرى).

أفشلت طوفان الأقصى مخططاتٍ ومشاريع دوليةً كادت أن تمنح إسرائيل مكانةً وقوّةً سياسيةً واقتصاديةً على منطقة الشرق الأوسط

ثانياً: طوفان الأقصى، الأسباب والدوافع

يقول نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشيخ صالح العاروري، لقناة الجزيرة حوّل سبب عملية طوفان الأقصى "إنها جاءت استباقًا لهجومٍ كانت تنوي إسرائيل شنه على قطاع غزّة، فور انتهاء الأعياد اليهودية". لكن في تقدير الكاتب ثمة أسبابٌ ودوافع إضافية تقف خلف تنفيذ العملية هي:

1.    سلوك الاحتلال الصهيوني (الاغتيال، الاعتقال، التهويد، التوغل، الأبارتايد، الحصار)، ومخططاته القائمة على حسم الصراع، وفرض السيادة على القدس بمقدساتها، تمهيداً للتقسيم المكاني والزماني، وبناء الهيكل المزعوم.
2.    ساهم انسداد الأفق السياسي في زيادة حاضنة المقاومة الشعبية، وأصبح المأمول منها كثيرًا لتحقيق أهداف وتطلعات شعبنا بالتحرر والانعتاق من الاحتلال.
3.    البيئة الإقليمية والدولية، التي تشهد مخططاتٍ إقليميةً ودوليةً، وتطبيعًا يؤهل إسرائيل لأن تكون دولةً قائدةً في الشرق الأوسط.

ثالثاً: تداعيات عملية طوفان الأقصى

سأتناول في مقالي تداعيات عملية طوفان الأقصى على الدوائر الأربعة (المحلية – الإسرائيلية – الإقليمية – الدولية).

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

1.    فلسطينيًا

مثّلت عملية طوفان الأقصى رافعةً للمقاومة، وجددت أمل الشعب الفلسطيني بإمكانية التحرير، وباقتراب تبيض السجون، وأثبتت أنّ الجيش الإسرائيلي من حيث الأداء ضعيفٌ جداً وجبانٌ، ومن الممكن هزيمته، وهو ما ينعكس على أداء المقاتلين في جبهاتٍ أخرى غير غزّة.

2.    إسرائيليًا

تمكّنت عملية طوفان الأقصى من كي وعي الجمهور الإسرائيلي حول صورة جيشه، ما يعني أنّ ميزان المناعة القومي في إسرائيل (العلاقة بين المجتمع والمؤسسة العسكرية والأمنية)؛ خلال الفترة المقبلة، سيشهد هبوطاً ملحوظاً، ما يعني أن معدل الهجرة العكسية لرأس المال الاجتماعي في إسرائيل ستزداد. كما نجح طوفان الأقصى في كسر هيبة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأسطورته الأمنية أمام دول وشعوب المنطقة. ووجود أسرى لدى المقاومة من شأنه أن يبقي المعركة مشتعلةً، حتّى لو خمدت نيران الرد الصهيوني على غزّة، والذي يريد منه نتنياهو تهشيم غزّة، وكي وعي سكانها، وإفساد صورة الانتصار عليهم وعلى غيرهم.

3.    إقليميًا ودوليًا

أفشلت طوفان الأقصى مخططاتٍ ومشاريع دوليةً كادت أن تمنح إسرائيل مكانةً وقوّةً سياسيةً واقتصاديةً على منطقة الشرق الأوسط. أهمّها: مشاريع التطبيع، طريق الحديد بنسخته الأميركية والغربية (خطوط سكك الحديد، وانعكاساتها على قناة السويس)، فرض السيادة على المقدسات، ما يعني الانقلاب التدريجي على الوصاية الهاشمية الأردنية، وكذلك تغيير الواقع القانوني والتاريخي في المدينة المقدسة.

الخلاصة: رغم حجم الرد الصهيوني على طوفان الأقصى، إلّا أنّها من العمليات الفارقة من حيث التخطيط والتنفيذ والتحكم، وسيكون لها ما لها لا سيّما بعد زوال غبار المعركة، التي لا يمكن إلّا أن تعكس مشهداً واحداً بأنّ إسرائيل دولةٌ بلا أخلاقٍ، ومن يفقد أخلاقه يقترب زواله.