صراع القطب الشمالي: قواعد أميركية في النرويج

11 مايو 2021
يعزّز الأميركيون وجودهم في النرويج منذ عام 2018 (فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن سخونة وتوتر العلاقة الغربية – الروسية يشهدان فصولاً جديدة في أقصى الشمال الأوروبي والدائرة القطبية الشمالية، في ظلّ تصعيد متبادل بين الطرفين بشكل غير مسبوق، لم يحصل إلا في زمن الحرب الباردة (1947 ـ 1991).

وتوتر الأمر بقوة بفعل المناورات الحالية لحلف شمال الأطلسي تحت مسمى "مدافعو أوروبا 21"، التي بدأت منذ أيام وتستمر حتى 10 يونيو/ حزيران المقبل.

وفتحت النرويج أبوابها للجيش الأميركي، على خلفية مخاوف جدية من تحركات عسكرية روسية، حسبما كشف الإعلام المحلي، علماً أن النرويج، العضو في حلف شمال الأطلسي، تجري بشكل دائم مناورات مشتركة في المنطقة القطبية، في محاكاة حقيقية لحرب تقع بين الغرب وروسيا. لكن علاقتها مع الولايات المتحدة تطورت بشكل ملحوظ، مع توقيع اتفاقية تستمر لعشر سنوات، تقضي بإقامة قواعد دائمة واستقبال بوارج وسفن نووية، وصلت طلائعها يوم الأحد الماضي.

وتنص الاتفاقية، وفقاً لقناة "أن كي أر" النرويجية وعدد من الصحف، على السماح للولايات المتحدة بتأسيس قواعد ونشر معداتها الخاصة وجنودها وخبرائها، واستخدام قواعد الجيش النرويجي، خصوصاً في الحدود الشمالية المحاذية لروسيا. 

وجاءت الاتفاقية بعد سنوات من بدء الزحف الروسي نحو الدائرة القطبية الشمالية على الحدود مع النرويج، لتثبيت وجودها العسكري، وهو ما وضع أوسلو في موقف صعب بمفردها. ولم تخف موسكو تكثيف نشر غواصاتها وسفن حربية تحت مسمى "أسطول الشمال"، وتشييد مدارج طائرات في جزر المحيط المتجمد الشمالي، في خضمّ التسابق مع الغرب على القطب الشمالي.

وكشفت الاتفاقية الجديدة بين أوسلو وواشنطن، بحسب الصحافة المحلية، أنّ الجيش الأميركي "ترك عتاداً عسكرياً في الشمال النرويجي، كتخزين غير معلن، على أن يكون متاحاً في حال احتاج إليها".

الاتفاقية الجديدة ستسمح للأميركيين بنشر أسلحة واستخدامها من دون إعلام النرويجيين

ولفتت صحيفة "أفتن بوستن" النرويجية إلى أنّ الوجود الأميركي تعزز منذ عام 2018، والاتفاقية الجديدة ستمنح الجيش الأميركي للمرة الأولى صفة وجود دائم ورسمي، من دون إخبار النرويجيين عن طبيعة السلاح المنتشر في قواعد الأميركيين حتى، بل وإمكانية استخدامها من دون الحاجة لإبلاغ الجيش النرويجي. وأفادت الصحيفة بأنّ الأميركيين سينشرون مقاتلات حديثة وطائرات استطلاع بشكل دائم بالإضافة إلى البحرية، والتي بدأت بالوصول.

ونقلت وكالة الأنباء النرويجية "أن تي بي" عن وزير الدفاع النرويجي فرانك باكا ينسن قوله إنّ حجم الانتشار الأميركي "سيساهم بالتشارك في تحديث التدريبات والمناورات".

وحاولت حكومة يمين الوسط النرويجي طمأنة معارضي القواعد الأميركية، لأن قوانين البلاد لا تسمح بانتشار جيوش أجنبية في زمن السلم، بقول وزيرة الخارجية إيني إريكسن إن "النشاط الأميركي سيكون بالتنسيق مع حكومة النرويج".

ونصّت الاتفاقية على نشر طائرات الإنذار المبكر والاستطلاع الأميركية في قواعد ثابتة في الشمال النرويجي وقرب حدود أقصى الشمال الروسي، وهو ما لم يكن متاحاً سابقاً. ووصلت أخيراً الغواصة النووية الأميركية "يو أس أس مكسيكو" إلى منطقة ترومسو، في أقصى الشمال، للرسو في ميناء رامسوند.

وتحت سطح الاتفاقية النرويجية ـ الأميركية يظهر أنّ سباق التسلح بين الغرب وروسيا لم يعد مجرد تكهنات، فالوجود الأميركي الدائم قبالة حدود روسيا يضع موسكو في موقف صعب، أشبه بالتطويق، إذا ما أضيف إلى ذلك أنّ كلاً من فنلندا والسويد دخلتا في اتفاقيات تعاون مع الأطلسي منذ 2015، وتعززت خلال العام الحالي بشكل متسارع.

وعدا النرويج، أبدت الولايات المتحدة استعدادها للتعاون مع الأطلسي والدنمارك، لزيادة الوجود العسكري في غرينلاند، معيدة إلى الأذهان قاعدة "ثول" التي برزت خلال الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفييتي سابقاً، وأثارت جدلاً حول احتوائها على أسلحة نووية في ذلك الحين. 

بدورها ترفع دول البلطيق، ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، نسبة تعاونها مع دول الجوار الإسكندينافي عسكرياً. وكُشف أيضاً، خلال الأيام الماضية، عن أكبر إنزال عسكري أميركي في إستونيا، عدا عن الانتشار شبه الدائم لقوات الأطلسي في ليتوانيا وبولندا منذ عام 2016.

وبالنسبة لروسيا، فإنّ البلطيق وفنلندا والسويد وجزيرة بورنهولم الدنماركية مناطق حساسة عسكرياً. بالتالي، فإنّ السيطرة الغربية فيها تعني وضع روسيا بين فكي كماشة من أقصى شمال النرويج إلى شواطئ بولندا على البلطيق، باستثناء جيب كالينينغراد، الذي نُشرت فيه صواريخ "إسكندر" وأسلحة نووية تكتيكية، بحسب أكاديمية الدفاع السويدية. وأثارت تحركات روسيا الجوية والبحرية في البلطيق قلق دول الشمال لسنوات، خصوصاً اتهام السويد لروسيا بالتجسس وانتهاك مياهها الإقليمية.

ودخلت التغيرات المناخية خلال العقد الماضي على الخط، مع بروز نوايا صينية للولوج إلى المنطقة، وإن كانت بصفة "مراقب" في "المجلس الشمالي"، الذي يضم الدول المجاورة للقطب (النرويج، السويد، الدنمارك، فنلندا، إيسلندا)، فضلاً عن أقاليم تتمتع بحكم ذاتي (جزر فارو، آلاند، غرينلاند)، والعديد من المراقبين.

ولسنوات حاولت بكين إيجاد موطئ قدم لها على جزيرة غرينلاند، باقتراح إقامة مطارين ومشاريع استثمارية ضخمة. وهو ما رفضته كوبنهاغن، المسؤولة عن السياسات الدفاعية والخارجية لغرينلاند ذات الحكم الذاتي. وحاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الدخول على الخط من زاوية طرحه "شراء الجزيرة"، كمشروع تجاري استثماري، موتّراً علاقته بحكومة يسار الوسط، والتي ألغى بسببها زيارة له إلى الدنمارك.

وكشفت التحركات العسكرية المتسارعة تزايد المخاوف الغربية من التمدد العسكري الروسي، والتحديثات التي أولاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأسطول الشمال خلال السنوات الست الماضية. ولاحظ محللون غربيون في السياق جهود موسكو لبناء المزيد من سفن كاسحات الجليد، والدفع بغواصات نووية أكثر إلى المنطقة. وخلال الأعوام الماضية لم تكن دول الشمال والأطلسي تتفرج على المساعي الروسية، بل وسّعت أيضاً من وجودها العسكري.

تنوي الولايات المتحدة تعزيز جزيرة غرينلاند بقاعدة عسكرية

وتزايدت أنشطة مثل نشر بوارج عسكرية وطائرات حربية، سواء على طول السواحل الشمالية، أو في غرينلاند، حيث عززت كوبنهاغن نشر مقاتلاتها وزيادة نشر عسكريين فيها، مثلما نشرت النرويج طائرات حربية في القاعدة العسكرية "إيفنيس"، في أقصى الشمال عند الحدود الروسية، وبشكل ظاهر للعلن لموسكو. وهي خطوات استعادت مشهد الحرب الباردة، خصوصاً أن طائرات الاستطلاع الغربية لا تفارق المنطقة القطبية، وتضع الروس تحت المجهر. 

وردت موسكو على أنباء الانتشار الأميركي في النرويج في 29 إبريل/ نيسان الماضي، بقول المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إنه بذلك "تتخلى أوسلو عن قيودها السابقة (منع نشر القوات الأجنبية في زمن السلم)". بدوره، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الحكومة النرويجية زادت أخيراً موازنتها الدفاعية بنسبة 30%. 

ومن المقرر أن يشهد الشمال النرويجي، في العام المقبل، أكبر مناورة عسكرية منذ عام 1980، تحت اسم "الرد البارد 2022"، وفقاً لقائد القوات النرويجية، الجنرال أريك كريستوفرسن، الذي أكد "مشاركة نحو 40 ألف جندي، بمن فيهم أميركيون وبريطانيون، وستشمل الدائرة القطبية". 

وإلى ذلك التوتر، انضمت تسع دول من أوروبا الشرقية لطلب انتشار المزيد من قوات الأطلسي على أراضيها. وكشف النقاب عن ذلك بعد اتصال أخير بين الأمين العام للحلف ينس ستولتنبيرغ، والرئيس الأميركي جو بايدن. وخلال لقاء افتراضي جمع قادة دول أوروبا الشرقية، بعد توتر علاقة كل من تشيكيا وبلغاريا مع روسيا، على خلفية تفجير مخازن أسلحة في براغ وصوفيا، عبّر القادة عن استنكارهم لما سموه "الأعمال التخريبية لروسيا على أراضي الحلف".

المساهمون