تُعتبر مذكرات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان (صبح الشام) الرواية الإيرانية الرسمية الأولى عن حجم الدعم الذي قدمته إيران لمنع سقوط نظام بشار الأسد، وتكشف عن الدور الذي لعبه قاسم سليماني، المسؤول عن تنفيذ الاستراتيجية الإيرانية، وتتمثل هذه الاستراتيجية في الشأن السوري بمنع سقوط النظام ومنع تغيير بشار الأسد شخصيا، لأن سقوطه يعني ضرب محور المقاومة ونجاح "المؤامرة الأميركية"، حيث "توصل الأميركيون والإسرائيليون إلى أن أهم العوامل في جبهة المقاومة وجود سورية في الجبهة الخلفية، لذا، فإن سقوط النظام فيها يضعف قاعدة المقاومة". إن سقوط نظام الأسد "قطع ليد إيران في المنطقة" بحسب هذه الاستراتيجية.
تبدأ المذكرات منذ تعيين صاحبها، وزير الخارجية الإيراني الحالي حسين عبد اللهيان، معاوناً لوزير الخارجية عام 2011، بعد أن أمضى خمس سنوات سفيراً لبلاده في البحرين.
اللواء قاسم سليماني
تقع المذكرات المترجمة إلى اللغة العربية والصادرة عن دار المحجة البيضاء في بيروت في 340 صفحة، معظمها تمتدح الدور الفريد للواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، حيث تجد اللواء يتدخل في كل تفصيل مهما كان صغيرا عندما يتصل الموضوع بسورية ولبنان والعراق وأفغانستان والميلشيات الشيعية وغيرها في كل مؤسسات إيران، ومنها وزارة الخارجية، إذ "كان التنسيق كاملا بين وزارة الخارجية واللواء سليماني، وقد تراوحت جهوده بين المستوى العسكري والسياسي الدولي والأمني حتى الثقافي والاقتصادي".
يسبغ اللهيان صفات نادرة على سليماني، فهو "جنرال ذو سمة عالمية واستراتيجي التفكير ودبلوماسي ماهر"، ويورد الكثير من الأحداث التي تشرح دوره وأهمها المحادثات الأمنية والعسكرية التي أجراها سليماني، ولقاء فلاديمير بوتين بخامنئي قد أقنع الروس بالتدخل، ما أعاد حلب إلى النظام السوري بمساعدة الطيران الروسي وتدخل إيران وحزب الله، وأدى لتغيير المعادلة على الأرض.
لا يخفي الوزير جهود نظامه بتشكيل مليشيات شيعية وحماية المقامات الشيعية في سورية وإيلاء اهتمام خاص للأقلية الشيعية في سورية، و"كان اللواء سليماني قلقا دائما بسبب الفوعة وكفريا"، وهما منطقتان شيعيتان في إدلب، "وظل على اتصال وتنسيق مع المسؤولين السوريين إلى أن أفضت جهوده في النهاية إلى تحرير أهالي المنطقتين". ويذكر بهذا الصدد أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف حذر بقوة نظيره الأميركي جون كيري في فيينا من دخول المسلحين إلى الفوعة وكفريا.
وفي هذا الإطار، يتحدث عن خطة إيرانية لـ"الدفاع عن الحرم" لحماية المقامات الشيعية في سورية بالتعاون مع حزب الله، حيث جرى إعداد ألوية عسكرية شيعية من كل الجنسيات.
أوصى سليماني، رغم خطورة الأوضاع في سورية، باستمرار الزيارات من إيران، ويتحدث عن اختطاف 48 زائرا إيرانيا في الغوطة الشرقية جرى تحريرهم بوساطة قطرية مقابل تبادل تم مع القطريين. ويتضح في الكتاب أن سليماني صاحب فضل على المؤلف، حيث يبدي سليماني رد فعل عنيفا عندما نقل وزير الخارجية جواد ظريف الملف السوري من يد اللهيان، ويورد كيف ذهب المؤلف إلى دمشق والتقى الأسد، فأُخبره أن سليماني يريد رؤيته ووجده برفقة عدد من قادة حزب الله وضابط سوري يخططون لتحرير منطقة في أطراف دمشق.
يتحدث عن بداية تعرفه إلى سليماني قبل عشرين عاما في مبنى وزارة الخارجية، حيث كان اللواء يتصل به لمتابعة القضايا ولو كانت بسيطة، وكان يزوره في مكتبه من دون تنسيق مع الخارجية. يورد بعض تفاصيل الزيارة الأخيرة لسليماني إلى بغداد بدعوة من رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي، لمتابعة المباحثات التي بدأها المؤلف مع مسؤول سعودي عام 2019، ويرى أن اغتيال سليماني يعني أن الأميركيين كانوا غير موافقين على الاتفاق الإيراني- السعودي.
يلخص الوزير دور سليماني بالقول إن "نظرة الحكومات الإيرانية لمسألة سورية كان يعتريها الكثير من التذبذبات"، وما حصل من انتصار يعود فضله إلى خامنئي وسليماني.
الدعم الإيراني
يصف المؤلف ثورات الربيع العربي بالصحوة الإسلامية، وأنها بدأت بتأثير الثورة الإسلامية في إيران وقوة الاتصالات، باستثناء الثورة السورية. مع اندلاع الأحداث في البحرين، زار وزير الخارجية السورية وليد المعلم إيران حاملا رسالة من السعوديين والبحرينيين لتهدئة الأوضاع في البحرين، ولكن "بعد أسابيع من هذه الرسالة، طلبت سورية من إيران المساعدة لمواجهة الأعمال الإرهابية، فلبينا الدعوة فورا". زودت إيران النظام بداية بمستشارين عسكريين وفي كل المجالات ولكل أجهزة النظام، بما فيها "الاستشارات السياسية لبشار الأسد". ثم يتحدث عن مشاركة قادة الألوية والكتائب والفرق الإيرانيين "في الخط الأمامي للجبهة"، لتحقيق "نجاة دمشق"، ما أدى إلى مقتل بعضهم.
زوّدت إيران النظام بشحنات ومساعدات بلغت في بعض الأحيان حوالي 1500 شاحنة يوميا عن طريق العراق، فضلا عن تزويد النظام بالمحروقات التي لم يدفع ثمنها نقدا وإنما تم الاتفاق على تصفية الحساب بأشكال أخرى. كان الإيرانيون يخشون من ضعف أداء بشار وألا يكون مثل أبيه، لكن المؤلف يخلص إلى: "أما في العمل، فقد وجدنا بشار الأسد صلبا وقويا للغاية في مواجهة الأزمة". في النهاية، يصبح الأسد بطلا في نظر الإيرانيين، حيث أعرب خامنئي للأسد خلال زيارة الأخير إلى طهران عام 2019 عن فخره بدعم سورية، الذي حقق الانتصار في مواجهة تحالف أميركا وحلفائها وعبر عن إعجابه بصمود الأسد الذي حوله إلى بطل.
إيران وأميركا
يعتبر صاحب المذكرات أن الخطوط الحمراء الأميركية في التحولات خلال الثورات العربية هي "ألا تصل المنطقة إلى انفجار شبيه بالثورة الإسلامية في إيران.. الخط الأحمر هو تكرار النموذج السياسي الشبيه بالثورة الاسلامية". يتساءل المؤلف: هل كانت أميركا عاجزة عن منع إيران من مساعدة سورية؟ ويجيب بأن سلوك الأميركيين لم يدل على الذكاء، فـ"عندهم كل شيء ممتاز على الورق، أما على الأرض فلا".
التنسيق مع دول المنطقة
يتحدث عن محاولات تركيا وقطر إقناع إيران بالتخلي عن الأسد، ويذكر أن وزير الخارجية التركية آنذاك أحمد داود أوغلو كان يتصل بنظيره الإيراني على أكبر صالحي ثلاث مرات على الأقل أسبوعيا، ويحذر من أن الأسد سيسقط في الأسبوع القادم، وكان صالحي ينصحه بعدم الاستعجال، ومع ذلك، عملت إيران "على عدم السماح بإلحاق ضرر بالعلاقات الممتازة مع تركيا رغم تعارض وجهات النظر بينهما حول سورية، وتحديدا في ما يخص مستقبل بشار الأسد. أعتقد أن هذا الأمر نوع من الحنكة (الفن)". يعتبر مباحثات أستانة ابتكاراً إيرانياً روسياً تركياً بعد تحرير الرقة من داعش عام 2016، للاتفاق على مناطق منزوعة السلاح وتجميع المسلحين في مناطق محددة كإدلب، ليجرى التفكير بعد ذلك في حل لهم. يشيد بموقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من الموضوع السوري، ويرى أن الرئيس الراحل محمد مرسي "يعمق الخلاف بين الشيعة والسنة، في حين أن السيسي حافظ للقرآن الكريم، ملتزم بمسائل الإسلام والشريعة". يتحدث عبد اللهيان عن لقائه برئيس البرلمان التونسي، رئيس حركة النهضة آنذاك راشد الغنوشي، الذي عجز عن اتخاذ موقف مختلف حول سورية رغم حرصه على ألا يتكلم بنبرة عالية ضد النظام السوري. كما يتحدث عن تنسيق مع وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش مرة شهريا، وعن تنسيق مستمر مع المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميتسورا.
يقدم رواية إيران للتدخل الروسي، حيث تم تثبيت أوضاع الجبهة في عام 2015 رغم وجود مساحات كبيرة خارج سلطة الأسد، وساد الركود وكان لا بد من إدخال قوة ثالثة لتغيير موازين القوى، فـ"سعينا في جميع الاتجاهات لإقناع روسيا بالتدخل في سورية، وعدم ترك الأميركي مستفردا بالساحة". كان الروس، كما يورد المؤلف، قد اتخذوا موقفا مراقبا وكانوا مقتنعين بإجراء تغيير في رأس النظام، وأن المبعوث الرئاسي الروسي ميخائيل بوغدانوف أخبره عام 2013 بأن الحفاظ على سورية أهم من الحفاظ على بشار، فضرب اللهيان مثلا عن البحرين: "دولة ــ جزيرة صغيرة انفصلت عن إيران عام 1971 بسبب سوء تدبير النظام البهلوي"، ليقنعه بأن مطلب إقالة رئيس وزراء البحرين يُرفض كي لا يسقط الحكم، وكذلك سقوط بشار سينجم عنه اضطراب النظام السياسي وتقسيم سورية وضياع قاعدة الروس العسكرية في طرطوس، وأيضا لا يمكن نسيان موضوع المقاتلين الشيشان في سورية. كذلك، يوضح أن الروس ينظرون إلى سورية من منظور مصالحهم في حين أن إيران تنظر إليها من باب محور المقاومة.
حماس
يورد المؤلف أن إيران لامت حماس على موقفها من النظام السوري، وقد خاطب عبد اللهيان رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في مكتبه بالدوحة قائلاً: "نحن نعجب ونتأسف لأن بعض الأفراد في حماس قد أخذهم الشك في مستقبل سورية، وقد ابتعدوا عن بشار، أنتم تدركون تأثير هذه المواقف في مصير فلسطين.. كأنكم قد جلستم في سفينة وتعلمون وجود ثقب بداخلها". يضيف عبد اللهيان أن مشعل أشاد ببشار ودعمه لقضية فلسطين، ولكن لم تمض مدة طويلة قبل أن يعيد خالد مشعل تعديل آرائه ورؤيته. وعلى العكس من لومه لمشعل، يشيد برؤية إسماعيل هنية تجاه سورية وقيادتها.
السعودية
يكرر اللهيان ذكر السعودية في مذكراته، فيروي أن "من أكثر أمور السياسة الخارجية الإيرانية توترا، خلال عملي معاونا لوزير الخارجية، موضوع العلاقة مع السعودية عقب إعدام الشيخ النمر، وما أعقب ذلك من ردود فعل واعتداءات بعض المحتجين على القنصلية السعودية في مشهد والسفارة السعودية في طهران". يسرد خطة سعودية أميركية تبدأ بقصف أميركي محدود بحجة استخدام النظام السلاح الكيماوي، ويبدأ المسلحون بدخول دمشق، ولكنه يتحدث عن رسالة أميركية لإيران تفيد بأن واشنطن تريد قصف مواقع محددة، ليس بينها القصر الجمهوري في دمشق، وأن لا نية ولا خطة لأميركا بإسقاط النظام، ويصف الرسالة بأنها صادقة وكاذبة، والسبب أن الأميركان كانوا يريدون قصف مواقع محددة إلا أنهم يعلمون بخطة دخول المسلحين إلى العاصمة.
ويعزو فشل هذا المخطط إلى التدابير التي اتخذتها إيران وروسيا وسورية، ولا سيما تسليم السلاح الكيميائي السوري، وينسب استخدام السلاح الكيميائي للمعارضة بعد سرقة غاز الكلور من أحد السدود في الشمال السوري، مع فبركة صور بأن الحكومة السورية هي من استخدمت هذا السلاح ضد المدنيين. وفي السياق، يحمّل عبد اللهيان السعوديين وتحديدا الأمير بندر بن سلطان مسؤولية الهجوم على السفارة الإيرانية في بيروت عام 2013، والتي قتل فيها المستشار الثقافي الإيراني وموظفين لبنانيين، مع أنها كانت تهدف لقتل السفير غضنفر ركن أبادي، الذي قتل لاحقا بتدافع مشعر منى عام 2015.
خطة إيران للحل
قدمت إيران خطة سياسية للأمين العام للأمم المتحدة عام 2013 من أربع نقاط، وهي توقف القتال وإرسال مساعدات إنسانية وإعادة النظر بالدستور ومن ثم تنظيم استفتاء على الدستور الجديد وانتخابات نيابية ورئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية من المؤمنين بالحل السياسي. عقد مؤتمر طهران للحوار الوطني السوري وحضرته حوالي 170 شخصية من أحزاب المعارضة، وهي أحزاب صغيرة رخصها النظام بعد 2011، ويشيد بهذه الأحزاب التي برأيه "تعبر عن الشعب السوري، على عكس المعارضين الذين يعيشون في الخارج ولم يحضروا إلى سورية منذ عشرات السنوات، وبالتالي، لا يمتلكون معرفة صحيحة بآلام الشعب السوري". يكشف عن لقاد جمعه بهيثم مناع مسؤول هيئة التنسيق الوطنية في الخارج حينها، ورجاء الناصر أمين سر هيئة التنسيق في طهران، ولا يأتي على ذكر أن الناصر اختطفه الأمن السوري من قلب دمشق عند محطة الحجاز وما زال مصيره مجهولاً حتى اليوم.