شهادات الدكتوراه للسياسيين العراقيين... شغف بالألقاب العلمية

08 يونيو 2024
طلاب في جامعة الموصل، يناير 2018 (يونس كليس/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ساسة العراق يسعون للحصول على شهادات علمية من جامعات بلبنان، إيران، وغيرها لزيادة وجاهتهم الاجتماعية والسياسية، مستغلين تسهيلات الدراسة عن بعد والحضور الإلكتروني.
- مكاتب تعقيب داخل العراق تسهل الحصول على هذه الشهادات بأسعار مخفضة، مما يؤدي إلى تشوه في قيمة الشهادات العليا وتأثير سلبي على مكانة الحاصلين عليها بشكل شرعي.
- السلطات العراقية تحاول معالجة المشكلة بإلغاء الاعتراف بجامعات لم تلتزم بالمعايير العلمية، في مسعى لاستعادة القيمة الحقيقية للشهادات العليا.

واصل ساسة العراق والمسؤولون في الأحزاب النافذة في البلاد، التسابق للحصول على الألقاب العلمية وتحديداً "الدكتوراه"، باعتبارها إضافة للوجاهة الاجتماعية والسياسية وفق اعتقادهم. ولأن الحصول على الشهادات العليا في العراق صعب وبحاجة إلى إجراءات روتينية ومؤهلات علمية وتفوّق في معدل الدرجات مع تنافس حاد بين الطلبة، وجد هؤلاء الساسة سهولة في الحصول على لقب الدكتوراه في جامعات لبنان وإيران وروسيا وقبرص والهند. علماً أن شهادات الدكتوراه للسياسيين العراقيين أفقدت، وفق مراقبين، الشهادات العليا قيمتها. وزادت نسبة هؤلاء الساسة خلال السنوات الأخيرة، جراء سهولة الحصول على الشهادات العليا من دول الجوار، خصوصاً من إيران ولبنان، رغم أن العراق كان قد ألغى الاعتراف بعدد من جامعات تلك الدول، لكن يبدو أن بعض الساسة غير مهتمين بالاعتراف بقدر اهتمامهم بالحصول على لقب الدكتوراه.

في موازاة ذلك أوصل التنافس بين جامعات عديدة في لبنان والهند وإيران وروسيا على خفض الأسعار للطلاب العراقيين، بجامعات حديثة في مدن قم وطهران ومشهد الإيرانية إلى منح شهادة الماجستير لقاء مبلغ ثلاثة آلاف دولار أميركي فقط، وخمسة آلاف لشهادة الدكتوراه، فيما قبلت بعض الجامعات الإيرانية عدم حضور الطلاب إلى الحرم الجامعي، لكنها ألزمتهم بالحضور الإلكتروني. وبالتالي، فإنّ سفر الطالب العراقي إلى إيران أو غيرها، مقتصر على مرة واحدة، وهي في يوم مناقشة رسالة الماجستير. أمّا بقية تفاصيل الدراسة والأمور المالية واللوجستية، فهي عبر مكاتب تعقيب في العراق.

شهادات الدكتوراه للسياسيين العراقيين

وخلال الأعوام الماضية، حصل عدد من الساسة على ألقاب علمية من جامعات مختلفة، وسط شكوك بشأن الفترات الدراسية التي قضوها هناك، ولا سيما أنهم كانوا غائبين عن الجامعات، بل إنهم قبل إعلان حصولهم على الشهادات مارسوا أعمالهم ونشاطاتهم في بغداد ومناطقهم الأصلية.

مسؤول في وزارة التعليم العالي: 500 من الساسة والقضاة والإعلاميين حصلوا على الدكتوراه خلال أربعة أعوام 

وكشف مسؤول في وزارة التعليم العالي العراقية، عن حصول ما لا يقل عن 500 سياسي ومسؤول حكومي وحتى على مستوى قضاة ومستشارين وبعض مشاهير الإعلام المحلي من مقدمي برامج الحوارات السياسية اليومية، خلال السنوات الأربع الأخيرة، على شهادات الدكتوراه، غالبيتها كانت من بيروت وطهران. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جزءاً كبيراً من هؤلاء ناقشوا أطروحات الدكتوراه وحتى الماجستير عن بعد، ولم يذهبوا إلى مقر الجامعة التي منحتهم الشهادة".

وحول الحصول على شهادات الدكتوراه للسياسيين العراقيين لفت المسؤول الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، إلى أن "ساسة العراق انتبهوا إلى الشهادات العليا والألقاب العلمية خلال السنوات الماضية، بوصفها جزءاً من الوجاهة السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى كونها مؤهلة للحصول على المناصب المهمة في الدولة". وأوضح أن "الألقاب العلمية يمكن الحصول عليها من جامعات إيرانية ولبنانية من دون تعب، بمقابل مالي لا يتجاوز عشرة آلاف دولار"، مضيفاً أنه "خلال الأعوام الماضية تمكنت أعداد كبيرة من السياسيين من الحصول عليها، بعضهم أعلنوا عنها وبعضهم أخفاها جراء احتمال تعرّضهم لهجمة إعلامية".

وقرّرت السلطات العراقية، وفي عام 2021، إلغاء الاعتراف بثلاث جامعات لبنانية بسبب عدم التزامها بمعايير الرصانة العلمية، إلى جانب 27 جامعة إيرانية من قائمة الجامعات التي كان معترف بشهاداتها، متّخذة سلسلة من القرارات الصارمة في نظام التقييم الخاص بها حول الجامعات.

وتواصلت "العربي الجديد"، مع عدد مع طلبة الدراسات العليا في جامعات إيرانية ولبنانية، وقالوا إن "هناك عدداً من المديرين العامين والساسة العراقيين تقدموا للدراسة، لكنهم في الحقيقة غير موجودين، وأحياناً قدموا إلى الجامعات لغرض استكمال إجراءات معينة وبسيطة، ثم غادروا"، فيما ادعوا أن دراستهم "عن بعد". وأوضح أحد الطلبة، وهو في جامعة لبنانية، أن الهدف من نيل شهادات الدكتوراه للسياسيين العراقيين هو "الحصول على المناصب والوجاهة أو الترقية الوظيفية من خلال الشهادات العليا".

فقدان قيمة الشهادة العليا

من جهته شدّد رئيس مركز عشتار العراقي المعني بدراسات الديمقراطية، محمد علوية، على أن "كثيراً من الشخصيات الاجتماعية والسياسية البارزة اتجهت إلى إكمال دراساتها العليا من بعض الجامعات الإقليمية ذات المعايير التعليمية المتدنية والشهادات سهلة الحصول مقابل الأموال، لغرض نيل الألقاب العلمية الذي يكمل الوجاهة والمكانة الاجتماعية على حد اعتقادهم". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الظاهرة أدت إلى فقدان قيمة الشهادة العليا".

محمد علوية: ظاهرة شهادات الدكتوراه للسياسيين مكملة لظواهر التشوه في المجتمع

وأضاف علوية أن ظاهرة شهادات الدكتوراه للسياسيين العراقيين "أضحت مكملة لظواهر التشوه الحاصلة في القيم والمفاهيم والعناوين المنتشرة في المجتمع العراقي، حيث الاهتمام بالصورة الخارجية وتسويقها وإهمال الفحوى والمضمون ومدى قدرته على تشكيل قيمة مضافة". واعتبر أن الظاهرة "انعكست على معاناة حملة الشهادات العليا الحقيقية، لكونها قد أعطت انطباعات ذهنية سيئة عن الكثير من حملة الشهادات العليا في العراق".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

أما وليد حاتم، وهو طالب دكتوراه في جامعة بغداد، فقد لفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الواقع ملخص اليوم بأن "الطالب العراقي قضى سنين من المعاناة مع المناهج والحصول على المصادر لأجل كتابة الرسائل والأطروحات، وفي النهاية وجد آخرين قد حصلوا على شهاداتهم وألقابهم العلمية بسهولة، ولا سيما أن جامعات في إيران ولبنان صاحبة مكاتب مهمتها كتابة البحوث وتنفيذ احتياجات الطالب مقابل مبالغ مالية". وعن شهادات الدكتوراه للسياسيين العراقيين أوضح أنه "سمعنا عن نواب وزعماء أحزاب ووزراء وحتى قضاة، حصلوا على لقب الدكتوراه بالمال وليس بالتعب".

وأضاف أن "الدراسة في الخارج، وتحديداً في الدول التي استغلت العراقيين وأموالهم وقدمت لهم الشهادات بالجملة، أثّرت على واقع التعليم في العراق، لأن حصول بعض المسؤولين على مناصب هامة في الدولة أصبح مقروناً بغياب عقلية علمية ونقدية، وكذلك فإن الآخرين الساعين لمناصب أساتذة في الجامعات العراقية، فهم أيضاً بلا عقلية علمية، وكل ذلك ذو تأثير على مستقبل العراق".

هاشم حسن: يريد بعض السياسيين شراء الشهادات من الخارج من دون دوام أو امتحان

بدوره، تحدّث العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة بغداد، هاشم حسن، عن شهادات الدكتوراه للسياسيين العراقيين إذ أشار إلى وجود ما وصفه بـ "شراهة" من قبل "الساسة العراقيين للحصول على الامتيازات" ومحاولات للاستحواذ على كل شيء. واعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الأمر بحكم سياسة المحاصصة المعمول بها، فكل دورة برلمانية وحكومية لها امتيازات ودرجات خاصة لنهب كل شيء"، مضيفاً أن "الدراسات الأولية (الجامعية) انهارت بتوسيع التعليم الأهلي والاستثمارات فيه ومنح شهادات لخريجي الدراسة المهنية والإسلامية".

أما بالنسبة للدراسات العليا، فقد أشار حسن، إلى أنها "كانت حصراً للمتميزين، لكنها حالياً أصبحت ضمن الامتيازات السياسية، إذ إن هدف بعض السياسيين شراء الشهادات من الخارج من دون دوام أو امتحان". وأوضح أن "هناك إمكانية للقول إن أغلبها شهادات غير شرعية وغير مستوفية شروطها الأكاديمية، وهي استغلال للمنصب معيب وانتحال صفة يؤدي إلى انهيار قيمة الشهادات العليا، بل فضيحة وخراب لكل ما شيدته الأجيال من رصانة وتقاليد علمية".

المساهمون