لطالما كانت الرقابة على الأداء الاقتصادي والخدمي في معظم الدول تجرى عبر هيئات رقابة داخلية، وهيئة مركزية للرقابة، وأجهزة رقابة مالية مركزية تُقيم الأداء الاقتصادي، وتحاسب على الخلل فيه بإحالة مرتكبيه إلى محاكم اقتصادية مختصة، فيما تقوم وزارات مختصة مثل الاقتصاد والمالية والتجارة بوضع الخطط وتنفيذها وفق الشكل الاقتصادي الذي تسير عليه الدولة.
أما في سورية، ورغم وجود كل الهيئات الرقابية والوزارات آنفة الذكر، إلا أنها جميعاً تقع تحت سطوة جهاز المخابرات، عبر ما يسمى بالفرع الاقتصادي الذي يحمل الرقم 260، ومكاتبه المنتشرة في أفرع الأمن الأخرى.
ويتحكم الجهاز بكل مفاصل الاقتصاد بالبلاد، بدءا من تعيين المسؤولين في المواقع الحكومية، إلى التدخل في طرح المناقصات، ورسم المشاريع الاقتصادية، وليس انتهاء بمراقبة الموظفين الحكوميين في معظم الوزارات والإدارات الاقتصادية والخدمية.
ولا يقتصر تدخل الأجهزة الأمنية على الفرع الاقتصادي، بل يتعداه إلى فروع أمنية أخرى، يأتي في مقدمها فرع أمن الدولة الذي يمتلك مندوبين، مهمتهم الرقابة الامنية على معظم الوزارات ومديرياتها في المحافظات، يقومون بكتابة تقارير دورية عن أداء تلك المديريات.
كما يتدخل فرع الأمن السياسي بكل ما له علاقة بالاستثمارات والمشاريع الخاصة للمواطنين، الذين لا يتمكنون من القيام بأي عمل خاص، بدءا من استئجار منزل، إلى إقامة منشأة صناعية، من دون الحصول على موافقة الأمن السياسي، التي لا تأتي من دون ابتزاز للمواطن أو للمستثمر بحسب ملائته المالية.
هذا التدخل السافر للأفرع الأمنية في عمل السلطة التنفيذية مكّنها، من خلال السطوة الأمنية التي تمتلكها، من خلق شبكة فساد معقدة تقيم من خلالها كل أعمال السلطة التنفيذية وفق معيار الولاء لتلك الأجهزة، وما يمكن أن تحققه من مكاسب للقائمين عليها من خلال ممارسة الفساد، ودفع الإتاوات لتلك الأفرع.
وهكذا يصبح المعيار في تعيين أي مدير مدى استعداده لممارسة الفساد لصالح تلك الأفرع، بحيث تنشأ علاقة شراكة بين المدير والرقيب الأمني، الذي يحتفظ بملفات الفساد للشريك المدير تحسباً لأي تجاوز من قبل الأخير غير مرضى عنه من قبل الرقيب.
وتدخل وسائل الإعلام الخاصة، المحسوبة على الأفرع الأمنية، شريكاً في هذه الشبكة، من خلال نشر بعض ملفات الفساد لبعض الجهات بهدف الابتزاز. وفي المقابل، تفرض الأفرع الأمنية، من خلال توجيهات تصدر عنها، على بعض الإدارات، وضع إعلانات مدفوعة من ميزانياتها لصالح تمويل تلك الصحف.
إن شبكة الفساد المعقدة التي حاكتها الأجهزة الأمنية لدى النظام تجعل أي تغيير في تسمياتها، أو انتقالات بين مواقع مسؤوليها، تقع في إطار التغيير الشكلي وإعادة تموضع لرؤوس الفساد في البلد، ما لم تُحل هذه المنظومة، ويُعاد تشكيل جسم أمني مهمته الحفاظ على أمن المواطن بعيداً عن التدخل في شؤون السلطة التنفيذية.