سورية و"دولة العصابات"

28 يوليو 2023
عنصران روسيان في درعا، سبتمبر 2021 (سام حريري/فرانس برس)
+ الخط -

في منهاج "التربية الوطنية" السوري، على امتداد حكم حافظ الأسد منذ 1970، ثم ابنه بشار منذ عام 2000، بقي ثابتاً تلقين الطلائع (من الأول الابتدائي) والشبيبة (من السابع الإعدادي) أن الاحتلال الصهيوني دولة عصابات. وهو بالتأكيد كيان احتلالي إحلالي قام على يد عصابات إرهابية، فبات أكثر انكشافاً حتى لغير الناطقين بالعربية.

بيد أنك أمام الوقائع السورية المؤلمة، جوعاً وقهراً واحتقاناً، وانطلاق موجات صراخ الناس في 2023، رفضا لتحول بلادهم إلى دولة عصابات مليشياوية، ستكون أمام مفارقات تلك التربية. حين قام السوريون عام 2011 بثورتهم، رفضاً لذات النظام القمعي، لم يكن الأمر مؤامرة، على ما جاء في خطابين رسمي و"إعلامي عقائدي"، بتحويل الملايين إلى "عملاء"، وأن هدفهم "هدم المقامات" و"الدولة"، لاجتذاب ما سيشكل كارثة بمقاييس التاريخ والواقع.

في كتابه "الأمير" حذر نيكولو ماكيافيلي من الاستعانة بالمرتزقة. وفي الحالة السورية الأمر لا يتعلق فقط بما سيؤول إليه الحكم مع حواجز المليشيات على امتدادها، ولا بصرخات الحاضر الشبيهة بتلك التي انتشرت في أنحاء البلد قبل 12 سنة.

وأخطر ما في أمر استعانة نظام الأسد بمرتزقة من جنسيات متعددة، بعضها تحت يافطات طائفية-عقائدية لا علاقة لها أصلاً بـ"مقاومة دولة العصابات الصهيونية"، ولا بالتربية القومية، ولا بـ"أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، هو تحويل البلد إلى حكم عصابات متحالفة مع محلية تشكل أعمدة بقاء نظام الحكم. وذلك بالطبع من كوارث ما حذر منه ماكيافيلي.

والنقاش ليس حول ما إذا كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي ليست دولة عصابات، بل حول ناتج تلك التربية الوطنية في "سورية الأسد"، باستقدام كل أولئك المرتزقة متعددي الجنسيات. فهي تربية قامت على أن مشاكل السوريين مسؤول عنها "الرجعية العربية" و"الإمبريالية"، بما في ذلك جوع الثمانينات ومأساة عيش 2023.

وعلى الرغم من أن تلك "الرجعية" ظلت تضخ المليارات منذ حرب 1973، وتستثمر بمثلها بعد مشاركة "الدولة الممانعة" في "عاصفة الصحراء" ضد العراق تحت القيادة الأميركية 1991 وقبول غربي للتوريث في عام 2000.

مأساة سورية هي في سلسلة أكاذيب لم يبتلعها ولم يهضمها مقهورو 50 سنة من حكم أسدي. وأسس كارثتها تسويق صورة أن الشعب فعلاً يهتف بحرية "للأبد... للأبد". وما عاد لسورية من مخارج إلا إنهاء حقبة نظام يفكك مجتمعها، ويحيلها إلى "دولة عصابات"، من شتى الصنوف. وبغير ذلك سيستمر الفشل، والذهاب إلى انهيار نحو القاع.