اتهم سفير إثيوبيا لدى الأمم المتحدة، تاي أتسكي سيلاسي أمدي، عدداً من الموظفين الكبار في الأمم المتحدة بـ"تزوير الحقائق والمعلومات وتضخيم أعداد الوفيات وعدم التزام مبدأ الحيادية"، دون أن يقدم أي دليل على تلك الاتهامات.
جاء ذلك خلال جلسة طارئة عقدها مجلس الأمن، مساء الأربعاء، لنقاش آخر التطورات في إقليم تيغراي، إضافة إلى مناقشة قرار إثيوبيا طرد سبعة موظفين للأمم المتحدة، بمن فيهم مسؤولو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وفاجأت تصريحات السفير الإثيوبي الحضور من السفراء، كما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الذي طلب حق الرد على السفير الإثيوبي، مؤكداً أنه تحدث إلى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد مرتين خلال الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أنه لم يصل إلى مكتبه أي إخطار نصي بأيٍّ من تلك الادعاءات، فيما قال إنه سيطلب التحقيق بها في حال تقديم إثيوبيا دليلاً على ذلك.
وادعى السفير الإثيوبي أنّ المكتب الرئيسي لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في نيويورك "ضخّم في تقاريره لمجلس الأمن أعداد الأشخاص ذوي الحاجة على الأرض، وأشار إلى وجود 3.8 ملايين شخص في إثيوبيا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في حين أنّ المكتب المحلي للمنظمة تحدث عن 2.8 مليون شخص"، نافياً صحة تقارير المنظمة حول استخدام التجويع كسلاح.
كذلك قدم عدداً آخر من الادعاءات دون أن يقدم أي براهين، قائلاً: "قبل أسبوعين تحدثوا عن وفاة 12 شخصاً داخل أحد مخيمات النازحين، في الوقت الذي كذبت فيه إحدى المنظمات المحلية التي تدير المخيم تلك المعلومات".
وادعى السفير الإثيوبي كذلك أنّ "موظفين في الأمم المتحدة دعوا أعضاءً من "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" للذهاب إلى المنازل الآمنة لضحايا الاغتصاب والتحرش الجنسي ليكشفوا عن تلك الأماكن للإعلام الدولي".
وقال إنّ بلاده كتبت رسالة لسكرتارية الأمم المتحدة في نيويورك بهذا الشأن وشرحت موقفها في يوليو/تموز الماضي، مضيفاً أنّ دور الأمم المتحدة المهم والحيوي "جرى تقويضه بأفعال هؤلاء المسؤولين السبعة".
وكانت إثيوبيا قد أعلنت سبعة موظفين كبار في منظمات الأمم المتحدة الإنسانية "أشخاصاً غير مرغوب بهم"، ومن بين هؤلاء مسؤول مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في إثيوبيا، ومسؤول برنامج "يونيسف"، ومسؤول برنامج "أوتشا".
وجاءت الخطوة الإثيوبية بعد يومين من تصريحات صحافية لمنسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث، قال فيها إنّ منع دخول المساعدات الإنسانية "بحكم الأمر الواقع" سبّب على الأرجح تعرّض مئات الآلاف في تيغراي للمجاعة، الأمر الذي أثار غضب الجهات الإثيوبية.
وكانت الأمم المتحدة قد أشارت في أكثر من تقرير لها إلى أنّ جميع أطراف النزاع، بما فيها الحكومة الإثيوبية، تعرقل وصول المساعدات الإنسانية، ما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية.
غوتيريس يطلب حق الرد على اتهامات سفير إثيوبيا
في المقابل، طلب غوتيريس حق الرد، وهي خطوة نادراً ما يقوم بها، وقال: "إذا كان هناك أي شيء كنت أعتزّ به خلال هذه الفترة، فهو الحفاظ على علاقة فعّالة وعملية للغاية مع حكومة إثيوبيا ورئيس وزرائها (...) لقد وجهت إليّ وسائل الإعلام الانتقادات والاتهامات بأنني كنت منحازاً إلى الحكومة الإثيوبية".
وأضاف: "إذا كان هناك أي مستند مكتوب قدمته الحكومة الإثيوبية إلى أي مؤسسة تابعة للأمم المتحدة حول أيٍّ من الموظفين السبعة في الأمم المتحدة الذين طُردوا، أود الحصول على نسخة من تلك الوثيقة".
ونفى غوتيريس علمه بتسليم أي وثائق في هذا الصدد إلى الأمم المتحدة، موضحاً أنه سيحقق في الأمر إن أُثبت ذلك، فيما شدد على عدم وجود أي سند قانوني لإثيوبيا لطرد موظفي الأمم المتحدة السبعة.
وقال: "نعتقد أنّ إثيوبيا تنتهك القانون الدولي بفعلها ذلك، ونحن على استعداد للتعاون مع حكومة إثيوبيا في ما يتعلق بأي حالة تشعر فيها بأنّ أي عضو في الأمم المتحدة لا يتصرف بنزاهة واستقلال تام، كما ينص عليه القانون الدولي الإنساني".
وبعد خروجه من الاجتماع، وفي تصريحات مقتضبة للصحافيين، شدد غوتيريس على ضرورة القيام بكل شيء لإنقاذ الأرواح في إثيوبيا وتقديم المساعدات اللازمة، كذلك شدد على ضرورة تقديم إثيوبيا إثباتات لتلك الادعاءات.
ورداً على سؤال صحافي عن مطالبته للمرة الأولى خلال السنوات الخمس التي ترأس فيها المنظمة، بحق الرد في إحدى جلسات مجلس الأمن، قال غوتيريس: "من واجبي الدفاع عن شرف الأمم المتحدة".
وكان غوتيريس قد حذر، خلال إحاطته في بداية جلسة مجلس الأمن، من أنّ هناك قرابة 400 ألف شخص في إقليم تيغراي يعيشون ظروفاً تشبه المجاعة، بسبب منع وصول المساعدات الإنسانية والاقتتال ونقص في التمويل.
وأضاف أنّ هناك قرابة سبعة ملايين شخص في تيغراي وأمهرة وعفر بحاجة إلى مساعدات غذائية وغيرها من حالات الطوارئ، مشيراً إلى أنّ هذا يشمل خمسة ملايين شخص في تيغراي، من بينهم 400 ألف يعيشون في ظروف شبيهة بالمجاعة.
وقال إنّ "مستويات سوء التغذية التي يمكن العاملين مشاهدتها تذكرنا بحالات سوء التغذية التي شهدناها في الصومال عام 2011"، معبّراً عن قلقه إزاء التقارير التي تشير إلى انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من جميع الأطراف، خاصة المزاعم المتعلقة بارتكاب عنف جسدي وجنسي ضد النساء والأطفال.
وكانت عدة دول من الدول الأعضاء في مجلس الأمن قد دعت إلى عقد جلسة مجلس الأمن، من بينها الولايات المتحدة وإيرلندا والنرويج وبريطانيا.
من جهتها، وصفت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، عمليات طرد مسؤولي الأمم المتحدة بأنها "إهانة لمجلس الأمن والأمم المتحدة والدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمبادئ الإنسانية المشتركة"، فيما عبّر سفراء النرويج وإيرلندا وفرنسا وبريطانيا عن استيائهم من تلك الخطوات ومن تدهور الأوضاع في إثيوبيا.
ومن اللافت للانتباه تصريحات كل من الصين وروسيا ورؤيتهما للتطورات في إثيوبيا، إذ طالبت الصين برفع العقوبات المفروضة من قبل بعض الدول على إثيوبيا وإريتريا، معربة عن أسفها لـ"الخلافات" المتعلقة بموظفي الأمم المتحدة السبعة. أما روسيا، فقد أعربت عن أسفها لقرار إثيوبيا، داعية إلى "حلّ الأمر بهدوء".