زيارة نتنياهو للولايات المتحدة... نقطة تحوّل أم مناورة؟

25 سبتمبر 2023
نتنياهو خلال إلقائه كلمته في الأمم المتحدة، 22 سبتمبر (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -

أنهى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أمس الأحد، زيارة إلى الولايات المتحدة، استمرت منذ الثلاثاء الماضي، وهي الأولى له منذ توليه منصب رئيس الحكومة للمرة السادسة، في نهاية العام الماضي.

وزار نتنياهو الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماعات الهيئة العامة السنوية للأمم المتحدة، ولقاء الرئيس الأميركي جو بايدن في نيويورك، وذلك بتوقعات منخفضة، لتحوّل ما في العلاقة بين الرجلين. زيارة نتنياهو حملت طابعاً خاصاً هذه المرة، بعدما امتنع البيت الأبيض عن دعوته لزيارة رسمية إلى مقر الرئاسة الأميركية بعد تشكيله حكومته، كما هو متّبع، وذلك بسبب الحالة السياسية الداخلية في إسرائيل وخطة حكومة نتنياهو لتقييد القضاء، والتي أبدت إدارة بايدن معارضتها لها.

نتنياهو كان في العقدين الأخيرين النجم السياسي في الولايات المتحدة، ولُقّب إسرائيلياً بسيّد أميركا، وكان دائماً من الضيوف المرحب بهم في واشنطن. هذه المرة تعكر صفو العلاقات بين نتنياهو والبيت الأبيض، وتراجعت مكانته الإعلامية والجماهيرية في واشنطن، ولا تقل أهمية عن ذلك العلاقة مع المنظمات اليهودية الصهيونية الأميركية.

طبعاً كل هذا لا يلغي استراتيجية العلاقات بين الولايات المتحدة ودولة إسرائيل، خصوصاً الأمنية والعسكرية منها، على الرغم من الخلاف مع الحكومة الإسرائيلية الحالية. هناك قضايا استراتيجية مفصلية لا تتوقف ولا تؤجل على الرغم من فتور العلاقات أو الخلافات، وترتيب العلاقات بين إسرائيل والسعودية، والدول العربية عموماً، تعتبر من ضمن هذه القضايا.

أهداف نتنياهو الدبلوماسية والسياسية الداخلية

يمكن القول إن زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، والتي اختتمها أمس، مفصلية واستراتيجية بالنسبة إليه، ونلاحظ أنه عمل على أن تكون نقطة تحوّل في العديد من المحاور، أهمها في العلاقة مع الرئيس الأميركي بايدن، وفي الحالة السياسية الإسرائيلية الداخلية، وفي المشهد الإقليمي، وهي محاور تتقاطع معاً في هذا الظرف.

أزمة نتنياهو الداخلية مستمرة، ومن المتوقع دخول إسرائيل في أزمة دستورية

فأزمة نتنياهو الداخلية مستمرة، والتصدع داخل المجتمع الإسرائيلي يتوسع، ومن المتوقع دخول إسرائيل في أزمة دستورية في حال قرّرت المحكمة العليا التدخل في قانون أساس "حجة المعقولية" ("حجة المعقولية" تتيح للمحكمة العليا التدخل وحتى إلغاء قرارات حكومية). كذلك فإن التوتر داخل التحالف الحكومي يتزايد مع اقتراب افتتاح الدورة الشتوية للكنيست منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل، وطرح مطالب الحلفاء في التحالف الحكومي على طاولة الكنيست.

نتنياهو لديه قدرة محدودة في المناورة بسبب ارتهان حكومته لليمين المتطرف الاستيطاني، وبسبب عدم الثقة به من كافة الأطراف. ناهيك عن التراجع في الحالة الاقتصادية واحتمال إجراء تقليصات في الميزانية، الأمر الذي سيلحق ضرراً بالشرائح الوسطى والضعيفة في المجتمع الإسرائيلي، وزيادة التوتر الأمني والعسكري في المنطقة، في ظل تصدع جدّي في صفوف قوات الاحتياط والمؤسسة العسكرية والأمنية.

في الوضع الراهن، لا يوجد مخرج سياسي داخلي يمكن أن يساعد نتنياهو للخروج أو تخفيف هذه الحالة والحفاظ على التحالف الحكومي. كما أن خيار تغيير التحالف وإدخال حزب "المعسكر الرسمي" بقيادة بني غانتس غير وارد في هذه الظروف والمعطيات، فضلاً عن أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة في الظروف الحالية يعني انتحاراً سياسياً لنتنياهو ولحزب "الليكود". إذاً، نتنياهو بين خيار الاستمرار في الأزمة والتصعيد، أو تفكك التحالف الحكومي، من دون أي تحالف بديل، أو ربما، خلق مخرج عن طريق الخارج.

الخارج هو الحل

نتنياهو بحث خلال زيارته إلى الولايات المتحدة عن مخارج وعن أدوات لترميم صورته، وربما سعى إلى إنتاج إرث سياسي مختلف عن تحطيم "الديمقراطية الإسرائيلية"، وتفتيت المجتمع واللحمة الداخلية. المخرج المتاح هو إنجاز سياسي دبلوماسي كبير يمكن أن يكون بمثابة كاسر للحالة السياسية، وينتج تحوّلاً في كافة المحاور، السياسية، الدبلوماسية، والاقتصادية والعسكرية، ولا يقلل من مكانة نتنياهو. من متابعة مجريات الزيارة وخطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، على ما يبدو، فإنه نجح في تحقيق جزء من أهدافه، وطرح مخرج بصيغة اتفاق تطبيع مع السعودية.

نجح نتنياهو من خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في وضع قضية الاتفاق مع السعودية في سلم أولويات لقائه مع بايدن، وعنوانا رئيسيا في خطابه في الأمم المتحدة، ونجح في تغيير الخطاب الإعلامي الدولي والمحلي وسلّط الضوء والحديث على اتفاق ممكن مع السعودية، وأبعد النقاش عن التصدع السياسي الداخلي والخطة الحكومية لتقييد القضاء. تحوّل هذا المحور إلى عنوان الزيارة وتبوأ عناوين الأخبار الدولية والمحلية. هذا هو حديث الساعة في المشهد الإسرائيلي والدولي، وأدى إلى شبه تغييب للحالة السياسية الداخلية في إسرائيل وخطة تقييد القضاء من العناوين الرئيسية، بل إنها كانت نقطة ثانوية في لقاء نتنياهو وبايدن، على عكس التوقعات.

نتنياهو بحث خلال زيارته إلى الولايات المتحدة عن مخارج وعن أدوات لترميم صورته

نتنياهو يدرك أهمية الاتفاق مع السعودية بالنسبة للرئيس الأميركي وحاجته لمثل هكذا اتفاق قبل الانتخابات الأميركية (المقرّرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024). ويعرف نتنياهو كذلك حساسية المجتمع الإسرائيلي لاتفاق مع أهم دولة عربية في المشهد الإقليمي الحالي، ويعرف أهمية تطبيع العلاقة مع السعودية بالنسبة لمشروع اليمين الإسرائيلي. كما يدرك أن هذا هو الموضوع الوحيد الذي يمكّنه من تغيير الخطاب الإعلامي والنقاش الداخلي في إسرائيل في الظروف الحالية. نتنياهو همّش كافة المواضيع الخلافية، وسلّط الضوء على أهمية وإمكانية الوصول إلى اتفاق تاريخي، من منظار إسرائيلي، مع السعودية.

نتنياهو يريد إنجازاً تاريخياً بصيغة اتفاق تطبيع وعلاقات سلمية مع السعودية بصفتها أهم دولة في الخليج العربي، وبسبب مكانتها الاقتصادية والإسلامية والرمزية. هذه قناعة قائمة لديه بغض النظر عن الحالة السياسية الراهنة في إسرائيل، إذ بدأ هذه المحاولات منذ سنوات عدة وحاول إنهاءها بعد التوقيع على "اتفاقيات إبراهيم" (التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب)، وهي جزء من ذهنية الجدار الحديدي لليمين الإسرائيلي، ويريد أن يبرهن أن التطبيع مع الدول العربية لا يحتاج إلى إنهاء الاحتلال والاتفاق مع الفلسطينيين، بل يمكن القفز عنهم.

مجرد الحديث عن اتفاق مع السعودية، والتشديد على هذا المحور في خطابه أمام الأمم المتحدة، وخلال لقائه بايدن، غيّر، ولو بشكل مؤقت، الحالة السياسية لنتنياهو، وأضفى جواً إيجابياً على لقائه مع الرئيس الأميركي، وفرض سلّم أولويات مختلفاً في المشهد السياسي في إسرائيل. وقد يكون الحديث عن اتفاق مع السعودية، أو التوصل فعلاً إلى اتفاق أولي، مدخلاً لتغيير سياسي في إسرائيل يخدم مصالح نتنياهو، ويشكّل مخرجاً للأزمة السياسية الداخلية.

تداخل الداخلي بالإقليمي والدولي

وفقاً لما رشح لغاية الآن، وتصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلته لشبكة "فوكس" الأميركية حول الاتفاق الثلاثي، الأميركي السعودي الإسرائيلي، تشمل الصفقة مركبات أمنية، أبرزها اتفاق دفاع مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية، وتزويد السعودية بمنظومات سلاح متطورة، ومطلب السعودية بإنشاء مشروع نووي للأغراض المدنية السلمية، وتسهيلات للفلسطينيين، من دون شرط إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. وهي مواضيع تحمل طاقات لإنتاج خلافات داخلية في التحالف الحكومي الإسرائيلي.

التلميح من قبل نتنياهو ووزير القضايا الاستراتيجية رون ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي بإمكانية قبول إسرائيل لمشروع نووي مدني سعودي مع رقابة أميركية، أثار ردود فعل معارضة من قبل المعارضة الاسرائيلية وجهات أمنية، وأجزاء من التحالف الحكومي، التي ترى فيه مشروعاً خطيراً على أمن إسرائيل ويفتح الباب لسباق تسلح نووي مستقبلي في المنطقة.

كما يوفر اتفاق الدفاع المشترك السعودي - الأميركي إمكانية للسعودية للتدخل في قرارات عسكرية أميركية تجاه إيران. إلا أن الجانب الخلافي الأبرز هو ما يتعلق بإمكانية منح تسهيلات للسلطة الفلسطينية، وتجميد الاستيطان وعدم ضم مناطق "ج"، الذي، في حال تم إدراجه فعلاً في الاتفاق، قد يشكل تهديداً جدياً لاستمرار التحالف الحكومي الحالي، إذ يعارض حزبا "الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش و"القوة اليهودية" برئاسة إيتمار بن غفير ربط اتفاق تطبيع مع السعودية بتقديم تسهيلات للفلسطينيين، أو أي شروط تتعلق بالمنطقة "ج" والاستيطان، ويطرحان مبدأ "السلام مقابل السلام"، وكأن هناك حالة حرب بين إسرائيل والسعودية.

قد يكون تفكيك التحالف الحكومي الحالي بسبب اتفاق مع السعودية المخرج للأزمة الراهنة

قد يكون تفكيك التحالف الحكومي الحالي بسبب اتفاق مع السعودية، المخرج للأزمة الراهنة الذي يبحث عنه نتنياهو. ففي حال توصل إلى اتفاق مع السعودية قبل نهاية العام الحالي، كما يرغب، فمن الممكن أن يفضّل الذهاب إلى مغامرة تفكيك التحالف الحكومي الحالي، وتجميد خطة تقييد القضاء، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، كحل أقل سوءاً في الوضع الراهن، وربما كمخرج وحيد أمامه في المعطيات الحالية.

وستتمحور الحملة الانتخابية، إذا ما حصل ذلك، حول الاتفاق مع السعودية، في ظل تجميد خطة تقييد القضاء والتخلص من قبضة الحزبين الأشد تطرفاً، "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية". بذلك يذهب نتنياهو إلى انتخابات مع إنجازات سياسية عدة: أبرزها إنجاز استراتيجي بالنسبة لإسرائيل، بصيغة الاتفاق مع السعودية، قبل إصدار المحكمة العليا قرارها بشأن الالتماس ضد قانون "حجة المعقولية"؛ وربما يمنع قراراً حاداً ضد قانون "حجة المعقولية" من قبل المحكمة العليا؛ ويعزز مكانته أمام المحكمة العليا وأمام حركات الاحتجاج، والأهم أمام المعارضة؛ ويؤجل محاكمته الشخصية بملفات الفساد والرشوة.

ويمكن أن يؤدي الاتفاق إلى تحول اقتصادي جدي وربما يغير مسار تراجع الاقتصاد الإسرائيلي، ويقلل احتمالات تراجع تدريج الائتمان الإسرائيلي. وقد يغير كل ذلك من مكانة نتنياهو الدولية ليتحول إلى رجل سلام وليس إلى مخرب "الديمقراطية" في إسرائيل؛ ويمنح الرئيس الأميركي دفعة جدية في انتخابات الرئاسة العام المقبل، ويحسن العلاقات بينه وبين نتنياهو ويوفر فرصة للأخير للتصالح مع المؤسسات الصهيونية العالمية.

هذه الإمكانية واردة طبعاً، بشرط ألا تكون حملة التوصل إلى اتفاق مع السعودية مناورة جديدة من قبل نتنياهو لتغيير الأجواء وعناوين النقاش السياسي في إسرائيل بشكل مؤقت. وفعلاً، ركزت كل نشرات الأخبار في نهاية الأسبوع، والبرامج التحليلية في القنوات الإسرائيلية، على إمكانية التوصل إلى اتفاق مع السعودية، وتراجعت مقابل ذلك بقية العناوين، منها الخطة الحكومية لتقييد القضاء. يمكن اعتبار ذلك إنجازاً ليس بسيطاً لنتنياهو في هذه المرحلة، لكنه سيكون إنجازاً مؤقتاً ومشروطاً، بانتظار الخطوات المقبلة بعد عودته من زيارة الولايات المتحدة، وردود فعل شركائه في التحالف الحكومي.

المساهمون