زيارات عراقية سورية متبادلة: علاقات مقيدة بالعقوبات والحسابات السياسية

30 مارس 2021
حركة الفصائل المسلحة على الحدود لا تزال مستمرة (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الفترة الأخيرة تبادل زيارات بين مسؤولين عراقيين وآخرين من النظام السوري، في مؤشر على وجود تقارب بين حكومة مصطفى الكاظمي، ونظام بشار الأسد، والتوصل إلى تفاهمات في قضايا مختلفة أمنية واقتصادية وثقافية، وذلك فيما تبقى العلاقات بين الطرفين محكومة باعتبارات سياسية، ومقيّدة بالعقوبات التي يفرضها "قانون قيصر" الأميركي، خصوصاً أن الملف السوري شائك ويحمل أبعاداً إقليمية ودولية. ووقّع وزير التربية العراقي علي حميد الدليمي، في وقت سابق من الشهر الحالي، مذكرة تفاهم مع وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في النظام السوري محمد سامر الخليل، تضمّنت ما قال عنه بيان رسمي عراقي إنها "تبادل للخبرات والتجارب في المجالات العلمية والتربوية". سبق ذلك بأيام قليلة زيارة وزير الموارد المائية والري في النظام السوري، تمام محمد رعد، إلى بغداد، للمشاركة في مؤتمر بغداد للمياه بدعوة رسمية من العراق. ونهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي زار وفد من وزارة النقل العراقية دمشق ووقّع اتفاقاً هناك يقضي بتفعيل التعاون في مجال النقل السككي.
وفي مجال الأمن، عقدت لجنة ما يعرف بـ"التحالف الرباعي"، الذي يضم إيران وروسيا والعراق والنظام السوري، اجتماعاً جديداً في بغداد ضم ممثلين عن الدول الأربع، لتكون قد عقدت اجتماعين منذ مطلع العام الحالي.

الزيارات الأخيرة ترتبط بالملف الأمني الذي يشمل الحدود المشتركة، إضافة إلى المياه

وحول ما إذا كان هناك قرار أو توجّه حكومي عراقي لتطوير العلاقات مع نظام الأسد على خلفية الزيارات الأخيرة، قال مسؤول حكومي عراقي لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات لم تنقطع أساساً ومستمرة، لكنها محدودة بطبيعة الحال لأسباب معروفة تتعلق بالوضع العراقي"، مبيناً أن "الزيارات الأخيرة ترتبط بالملف الأمني الذي يشمل الحدود المشتركة، والمياه، وهذان الملفان يعتبرهما العراق ضروريين". وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الكاظمي سبق أن بعث برسالة خطية لرئيس النظام السوري بشار الأسد، من خلال رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض نهاية العام الماضي، ركّزت على قضية الحدود والملف الأمني، لكن العلاقة "تبقى مقيّدة بالعقوبات الأميركية على النظام السوري وأيضاً اعتبارات سياسية تتعلق بالوضع في المنطقة عموماً".

ولفت إلى أن "أبرز الملفات المشتركة التي يتم فيها التواصل مع النظام هي الحدود المشتركة والتنسيق لإغلاقها ووقف التسلل منها والتهريب وتبادل المعتقلين، إضافة إلى ملف المياه خصوصاً تنسيق المواقف من مسألة انخفاض مناسيب الفرات بفعل مشاريع السدود التركية، وغير ذلك يمكن اعتباره مجاملة حذرة وملفات تجارية واقتصادية، كان من بينها المطالبة بمرور شاحنات الوقود العراقية إلى بيروت من خلال الأراضي السورية". وأشار إلى أن البضائع السورية من مناطق النظام "مستمرة بالدخول عبر منفذ القائم إلى العراق، لكنها لا تشكّل رقماً مهماً للعراق، على عكس الجانب السوري إذ يحصل منها على العملة الصعبة"، معتبراً أن "الغرب عموماً يفهم جيداً الجانب المتعلق بالجماعات العراقية الدينية التي تقاتل مع النظام السوري وعدم قدرة العراق الرسمي على القيام بشيء لوقفها".

من جهته، قال عضو البرلمان العراقي عباس الزاملي، إن بلاده سبق أن "عانت من تصرفات النظام السوري وتدخلاته في الشأن العراقي خلال الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2010"، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن النظام في سورية قام بـ"تصدير الإرهابيين إلى العراق" خلال تلك الفترة. وأوضح أن أي تعاون عسكري بين البلدين غير مرغوب به في الوقت الحاضر لأن بغداد تريد أن تبقى بعيدة عن الصراع الإقليمي بكل تفاصيله، مشيراً إلى وجود منتجات وأيادٍ عاملة سورية حالياً في العراق تجعل حكومة الكاظمي تتجه لعقد تفاهمات مع الجانب السوري.

في المقابل، قال عضو البرلمان العراقي حسن شويرد، إن هناك مصالح وامتداداً اجتماعياً وتقاليد تجمع العراقيين بالسوريين يمكن أن تغلب على الأشياء الأخرى، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن سورية بلد مهم بالنسبة للعراق بسبب وجود حدود جغرافية بين البلدين. واعتبر أن على العراق النظر إلى مصلحته قبل مصالح الآخرين، داعياً إلى الابتعاد عن سياسة المحاور التي وصفها بـ"البائسة".

ضابط في حرس الحدود العراقي: حركة الفصائل بين البلدين مستمرة وهي تقوم بنقل مقاتلين وأسلحة

ولا تقتصر العلاقات بين العراق وسورية على التبادل التجاري، والاتفاقات العلمية والثقافية، والأمن على الحدود، إذ توجد قضية أخرى مهمة تقصدت الحكومات العراقية المتعاقبة غض الطرف عنها، وعدم الحديث عنها بشكل واضح، وتتمثل بوجود فصائل عراقية مسلحة تقاتل إلى جانب نظام الأسد.
وأكد ضابط في حرس الحدود العراقي، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد" أن حركة الفصائل المسلحة لا تزال مستمرة حتى اليوم، على مرأى ومسمع القوات الأمنية التي لا تمتلك تخويلاً للتعامل معها أو منعها، موضحاً أن هذه الفصائل تقوم بنقل مقاتلين وأسلحة إلى الجانب السوري، من دون أن يعترض طريقها أحد.

وتتواجد فصائل عراقية عدة في الوقت الحالي في مواقع مختلفة داخل سورية، لتقديم الدعم للقوات التابعة لنظام الأسد، أبرزها: "كتائب حزب الله" العراقية و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء". وشارك عناصر المليشيات العراقية في معارك ضد فصائل المعارضة السورية في ريف دمشق والقلمون وحلب والغوطة الشرقية وحمص والقصير وريف إدلب والنبك والبوكمال ودير الزور وريف دير الزور ومناطق حدودية مع العراق شرق دمشق. ووجّهت منظمات أممية ودولية مختلفة لهذه المليشيات اتهامات بجرائم قتل وتعذيب واغتصاب وسرقة ارتكبتها بحق السوريين، إلى جانب مليشيات أخرى إيرانية وأفغانية تقاتل مع نظام الأسد.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حسان العيداني، أن التقارب العراقي مع سورية يجب أن يكون مدروساً، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد" أنه يجب أن يقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط. وتابع: "أما دخول العراق في تفاهمات عسكرية وأمنية مع نظام الأسد فقد يجرّ العراق باتجاه المحور الإيراني-الروسي"، مؤكداً أن ذلك قد يؤثر على العلاقات بين بغداد وواشنطن. ولفت إلى أن الانفتاح على المحيط العربي يُعد أمراً إيجابياً بالنسبة للعراق، مستدركاً بالقول: "لكن القضية السورية تمثل ملفاً شائكاً يحمل أبعاداً إقليمية ودولية لا بد من الحذر عند التعامل معه".

المساهمون