استمع إلى الملخص
- قبل رئاسته، شهدت مسيرة سوناك تحديات وإنجازات بدءاً من نشأته وتعليمه، مروراً بعمله في الاستثمار وصولاً إلى السياسة، حيث تعامل مع تداعيات بريكست وجائحة كورونا.
- في السياسة الخارجية، اتخذ سوناك مواقف مثيرة للجدل، خاصة تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ودعمه لإسرائيل، مما أثار انتقادات دولية ومحلية وعكس تحديات في سياسته الخارجية والداخلية.
بات رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بعد أقل من عامين على تسلمه رئاسة حزب المحافظين والحكومة، أمام أكبر تحديات حياته السياسية، في 4 يوليو/تموز المقبل، موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أُعلنت فجأة لوقف انحدار شعبية الحزب بقيادته، ولا سيما في ظلّ مؤشرات في حصول هزيمة تاريخية لحزب المحافظين، لم يشهدها منذ دخوله مجلس العموم البريطاني، قبل نحو 200 سنة. وأمام ريشي سوناك امتحان صعب مع اقتراب موعد الاستحقاق، في ظلّ احتمال خسارته مقعده، في سابقة لم تحصل لأي رئيس وزراء بريطاني، إن صدقت الاستطلاعات. وسوناك أول رئيس وزراء من أصل هندي، اختاره المحافظون للحفاظ على بيت داخلي متماسك، لكونه محسوباً على التيار الوسطي في الحزب، ولإنقاذ الاقتصاد البريطاني بعد إرث الـ45 يوماً من الفوضى لحكومة ليز تراس التي سبقته. ولم يبخل ريشي سوناك خلال الحملة الانتخابية، في تقديم تعهدات رأى أنها تعزز من حظوظ حزبه، من إدخال الخدمة الوطنيّة الإلزاميّة لمدة عام لجميع الشباب الذين أتموا سن الـ18، وذلك بعد أن أوقفت بريطانيا الخدمة الإلزامية في عام 1960. كما رفع علاوة المعاشات التقاعدية المعفاة من الضرائب وتمويل التدريب المهني، والاستمرار في خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا. لكن جميعها قد لا تكون كافية لإنقاذ الحزب وريشي سوناك من الخسارة. وأظهرت استطلاعات الرأي الأحدث تهاوياً جديداً للمحافظين وتخلّفهم عن حزب العمال المعارض بقيادة كير ستارمر بفارق 20 نقطة مئوية، وأظهرت استطلاعات أخرى أكثر من ذلك. وجاء ذلك أيضاً على ضوء عدم ترشّح مجموعة كبيرة من النواب الحاليين عن المحافظين في هذه الانتخابات، في حين بدأت شرائح من المصوتين التاريخيين للمحافظين بالتوجه نحو حزب العمّال وحزب الإصلاح اليميني الشعبوي، الذي منحته استطلاعات الرأي تمثيلاً أفضل، بفعل يمين المحافظين الخائبين من ريشي سوناك الذين انتقدوه في الأشهر الماضية علناً، عبر وزيرة الداخلية التي أقالها سويلا برافرمان. وبحسب استطلاع لصحيفة ذا تليغراف أجري قبل أيام، في حال تحققت نتائجه في الانتخابات، فإن سوناك قد يكون أول رئيس وزراء بريطاني يخسر مقعده في البرلمان في تاريخ الانتخابات البريطانية.
رفض ريشي سوناك الدعوة إلى وقف إطلاق النار في الأشهر الأولى لحرب غزة
وصول ريشي سوناك إلى السلطة
وبدت مسيرة ريشي سوناك في الوصول إلى السلطة، والأزمات التي واجهته خلالها، متداخلة إلى حد كبير مع حياته الشخصية، فهو الابن الأكبر بين ثلاثة أطفال لأبوين هندوسيين من أصول شرق أفريقية وبنجابية هندية. وهو مولود في عام 1980 ونشأ في ساوثهامبتون. درس في كلية وينشستر، وهي واحدة من أغلى المدارس الداخلية في بريطانيا. درس الفلسفة والسياسة والاقتصاد في كلية لينكولن ـ أكسفورد، وتخرّج بالمرتبة الأولى في عام 2001. خلال فترة وجوده في الجامعة، أجرى تدريباً في مقر حملة حزب المحافظين، قبل الانضمام إلى الحزب. في عام 2006، حصل ريشي سوناك على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ستانفورد الأميركية، بصفته باحثاً في برنامج فولبرايت (برنامج حكومي أميركي للتبادل التعليمي الدولي). وأثناء وجوده في ستانفورد، التقى زوجته المستقبلية، أكشاتا مورتي. أدار سوناك صناديق تحوط بمليارات الدولارات في مصرف الاستثمار غولدمان ساكس، قبل انتخابه عضواً في البرلمان عن دائرة ريتشموند ـ يوركشاير في عام 2015. وأشارت تقديرات إلى أن حجم ثروته المالية أكثر من ثروة الملك تشارلز الثالث. لكن الخطوة الأهم لريشي سوناك في الطريق إلى رئاسة الوزراء، بدأت في عام 2019، عندما أصبح السكرتير الأول لوزارة الخزانة في حكومة بوريس جونسون. ثم عيّن جونسون سوناك مستشاراً في الحكومة عام 2020، في الفترة التي انتشر فيها وباء كورونا عالمياً. أطلق ريشي سوناك حينها خطة لدعم الإجازة وبرنامج "تناول الطعام في الخارج للمساعدة" Eat Out to Help Out الهادف إلى دعم قطاع الضيافة والمصالح الصغيرة والمطاعم المتعثر بسبب الوباء، إلا أنه لاقى انتقادات كثيرة بسبب تأثيره على الارتفاع الكبير في حالات كورونا ذلك الخريف. انقلب ريشي سوناك على جونسون، مع انضمامه في يوليو/تموز 2022 إلى موجة عارمة من الاستقالات التي أطاحت رئيس الحكومة، والذي تم استبداله بليز تراس. وبعد 45 يوماً من الاضطرابات الاقتصاديّة خلال حكومة تراس، أُجبرت هي أيضاً على الاستقالة. اختار بعدها نواب رئيس الوزراء المحافظين ريشي سوناك خلفاً لها، آملاً في نجاحه من تثبيت بيت المحافظين المعرّض لهزات داخلية وخارجية عديدة قبل الانتخابات العامة.
استُدعي ريشي سوناك للتحقيق في مارس 2023 في شبهة تضارب مصالح حول شركة لزوجته
ريشي سوناك في رئاسة الوزراء
بصفته زعيماً لحزب الأغلبية في مجلس العموم، عُيّن ريشي سوناك رئيساً للوزراء من طرف الملك تشارلز الثالث في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022، مباشراً مهامه في العمل على ملفات وقضايا في فترة إضرابات ما بعد "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016) وكورونا وحرب روسيا وأوكرانيا المستمرة. أطلق ريشي سوناك سياسات اقتصادية بهدف تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار المالي. تعهد سوناك العام الماضي، بتحقيق خمسة وعود قال إن الناخبين يمكن الحكم عليه بناءً عليها، وهي خفض التضخم إلى النصف، ونمو الاقتصاد، وتخفيض الديون، وتقليص أوقات انتظار هيئة خدمات الصحة الوطنية، وإيقاف معابر القوارب الصغيرة من خلال خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا. وقبل قرار ريشي سوناك الدعوة لإجراء انتخابات عامة، انخفض التضخم في بريطانيا إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات عند 2.3%، فادعى أن هذه كانت علامة واضحة على أن خططه للاقتصاد كانت ناجحة، مع خروج بريطانيا من الركود في الربيع الماضي. حاول ريشي سوناك توحيد حزب المحافظين في ظل معاناته الفوضى، وحقق نجاحاً محدوداً، تحديداً في سياق محاولة تهدئة مهاجمي فريقه بسبب رفع الضرائب إلى أعلى مستوياتها منذ 70 عاماً. وانتقدت هيئة تنظيم الإحصاء رئيس الوزراء لقوله إن الديون انخفضت في حين ارتفعت فعلياً، وفقاً لأحدث الأرقام المتاحة. عمل ريشي سوناك على معالجة أزمة الطاقة الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، من خلال تقديم دعم حكومي للأسر والشركات المتضررة. قدم ريشي سوناك خططاً لتحسين خدمات الصحة الوطنية، بما في ذلك زيادة التمويل وتحسين الظروف للعاملين في القطاع الصحي، إلا أن العدد الإجمالي للمرضى لانتظار العلاج في هيئة خدمة الصحة الوطنية، أصبح أعلى مما كان عليه عندما تولى ريشي سوناك منصبه، مع إعلان الأطباء المبتدئين إضراباً خلال الحملة الانتخابية الحالية.
كما تعثرت خطة ريشي سوناك الرئيسية لترحيل اللاجئين إلى رواندا، التي هدفت إلى ردع عبور القوارب الصغيرة، وقد رفضها المعارضون باعتبارها وسيلة للتحايل باهظة الثمن. وأقرّ ريشي سوناك بوقف الرحلات الجوية قبل الانتخابات، بعد تمرير قانون في البرلمان حول ذلك، وصفته مؤسسات عديدة أنه متناقض مع مواثيق دولية حول حقوق الإنسان واللاجئين، وأيضاً مع ميثاق المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه بريطانيا، علماً أن ريشي سوناك هدد بالانسحاب من هذه المحكمة أكثر من مرة. وأظهرت أرقام وزارة الداخلية عدداً قياسياً من عمليات عبور القوارب الصغيرة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، مع عبور أكثر من 10 آلاف شخص نحو بريطانيا توفي خمسة أشخاص، من بينهم فتاة تبلغ من العمر سبع سنوات، في إبريل/نيسان الماضي. ولم يخل تاريخ ريشي سوناك من فضائح سياسية، إذ فرضت الشرطة البريطانية غرامة مالية عليه في أعقاب تورطه في فضيحة "بارتي غيت"، وهي الفضيحة السياسية للحكومة البريطانية وحزب المحافظين الذين خرقوا فيها تعليمات وزارة الصحة حول التجمعات خلال وباء كورونا، التي أدت في نهاية المطاف إلى استقالة بورس جونسون من منصبه رئيساً للحكومة. في فضيحة أخرى، تم الكشف عن أن أكشاتا مورتي، زوجة ريشي سوناك وفّرت الملايين من خلال تجنّب دفع الضرائب البريطانية على دخلها في الخارج. وبعد ظهور تفاصيل وضعها، قالت إنها ستبدأ بدفع الضريبة. واستُدعي ريشي سوناك للتحقيق في مارس/آذار 2023، في شبهة تضارب مصالح حول شركة لزوجته لرعاية الأطفال في بريطانيا. وبعد خمسة أشهر من التحقيقات فشل ريشي سوناك في تقديم المستندات الكافية إلى لجنة التحقيق، وقدم اعتذاره إلى العامة، واعتبره خطأ غير متعمد. مع ذلك، ظلّت مسألة ثراء زوجته، وهي ابنة الملياردير الهندي إن آر نارايانا مورثي ووريثته، وهو من مؤسسي شركة إنفوسيس، المقدّرة بمليارات الدولارات، مسلطة فوق رأس ريشي سوناك في هذه الانتخابات، مع توجيه اتهامات وأسئلة إليه، من قبيل أنه في حال عدم فوزه في الانتخابات سينتقل إلى ولاية كاليفورنيا الأميركية مع زوجته والعمل في شركاتهم الخاصة، لكنه نفى ذلك.
بدت مسيرة ريشي سوناك في الوصول إلى السلطة متداخلة إلى حد كبير مع حياته الشخصية
السياسة الخارجية والانحياز إلى إسرائيل
عمل ريشي سوناك في سياسته الخارجية على تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، والتفاوض على اتفاقيات تجارية جديدة. وجاء تعيينه لرئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون وزيراً للخارجية تعبيراً عن هذه الرغبة، بفعل امتلاك كاميرون من علاقات وخبرة على الساحة الدولية وفي أوروبا تحديداً. اصطفّ ريشي سوناك منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على غزة إلى جانب إسرائيل، تحت ذريعة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" من خلال تصريحات أطلقها في كنيس يهودي في لندن بعد بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. رفض ريشي سوناك الدعوة إلى وقف إطلاق النار في الأشهر الأولى للحرب، بل اتخذ موقفاً منسجماً مع سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع غزة، ورفضت حكومته التصويت في مجلس الأمن على قرارات داعية إلى وقف إطلاق النار. كما رفضت بريطانيا في محكمة العدل الدولية في شهر فبراير/شباط الماضي، إصدار المحكمة رأياً استشارياً حول العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. كما أشارت تقارير نشرها موقع "ديكلاسيفايد" البريطاني، إلى مشاركة الجيش البريطاني في مساعدة إسرائيل استخباريّاً في الحرب على غزة من خلال طلعات جوية بمهام تجسسية فوق القطاع. وأوضح الموقع أن طائرات التجسس انطلقت من القاعدة الجوية البريطانية "راف أكروتيري" التابعة لسلاح الجو الملكي، الموجودة في قبرص، واستمرت كل طلعة في التحليق نحو ست ساعات بواقع 200 طلعة جوية. عُرف ريشي سوناك بمواقفه المحرّضة ضد تظاهرات التضامن مع فلسطين في بريطانيا، وصرّح في أكثر من مناسبة ضدها واصفاً إياها بمعاداة السامية، كما وصف حراك مخيمات التضامن الطلابية في الجامعات البريطانية بذلك. وفي الأشهر الأولى لتظاهرات التضامن مع فلسطين في لندن، اتهم المتظاهرين بتخريب المعالم التذكارية الوطنية وإهانتها، داعياً الشرطة إلى منع ذلك، وهو أمر لم يحصل ولم تُسجل عمليات تخريب. وفي شهر مارس/آذار الماضي، قال ريشي سوناك إن بريطانيا انحدرت إلى "حكم الغوغاء"، بسبب الضغوط التي خلقتها الاحتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، وهي كلمات انتقدتها جماعات حقوق الإنسان ووصفتها بأنها مثيرة للقلق. وفضلاً عن ذلك، رفض ريشي سوناك نشر نتائج التحقيق الذي أجرته وزارة الخارجية البريطانية لفحص انتهاك إسرائيل للقوانين الدولية، في موضوع تصدير السلاح إليها، وسط ترجيحات بإدانة نتائج التحقيق إسرائيل.