روسيا تترقب الانتخابات الأميركية بلا أمل في تحسين العلاقات

03 نوفمبر 2024
بوتين وترامب في هلسنكي، 16 يوليو 2018 (براندون سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الكرملين يتابع الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 بلامبالاة نسبية، مع انحياز طفيف لكامالا هاريس، بسبب خيبة الأمل من ترامب خلال رئاسته الأولى وتوتر العلاقات الروسية الأميركية.
- تتهم وكالات استخبارات أميركية روسيا بمحاولة التدخل في الانتخابات عبر فيديو مزيف، بينما تنفي السفارة الروسية هذه الاتهامات، ويشكك الخبير قسطنطين بلوخين في قدرة ترامب على تغيير السياسة الخارجية.
- المحلل مالك دوداكوف يرى أن نتائج الانتخابات لن تؤثر كثيرًا على العلاقات الروسية الأميركية، حيث تعتمد السياسة الخارجية على الدولة العميقة بغض النظر عن الفائز.

"شخصية لامعة"، هكذا وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2016، دونالد ترامب، حين كان الانحياز الروسي لـ"مرشح الكرملين" (الرئاسة الروسية) واضحاً على المستويين السياسي والإعلامي، وسط اتهامات وُجهت إلى موسكو بالتدخل في الانتخابات الأميركية من وراء المحيط. لكن بعد مرور ثماني سنوات، ثمة انطباع بأن الكرملين يتابع حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024 والتي بلغت أيامها الأخيرة قبل التصويت في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بشيء من اللامبالاة وحتى مع انحياز طفيف، على مستوى التصريحات الرسمية على الأقل، لمرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، رغم وعود ترامب المتكررة بإنهاء الحرب في أوكرانيا في أسرع وقت.

خيبة أمل من ترامب "الأول"

وتتواصل الاتهامات لروسيا بمحاولة التدخّل في الانتخابات الأميركية، واتهمت ثلاث وكالات استخبارات أميركية أمس الأول الجمعة في بيان مشترك "أطرافاً روسية مؤثّرة" باختلاق فيديو مزيف يظهر مهاجراً هايتياً يعلن أنه صوّت مرات عدة لكامالا هاريس. واعتبرت الاستخبارات هذا الفيديو جزءاً من "مساعي موسكو الأوسع لإثارة أسئلة لا أساس لها عن نزاهة الانتخابات الأميركية". لكن السفارة الروسية لدى واشنطن نفت عبر "تليغرام" هذا الاتهام، قائلة: "هذه ادعاءات لا أساس لها". وذكرت أن روسيا لم تحصل على "أي دليل على هذه المزاعم في أثناء تواصلها مع مسؤولين أميركيين".

قسطنطين بلوخين: لن يعرقل الإستبلشمنت بأميركا مساعي ترامب في ملفات تتطابق فيها مواقفهما

ويبدو النهج الروسي في التعامل مع الانتخابات الأميركية مختلفاً هذه المرة، بعد عدم وفاء ترامب بوعوده بتحسين العلاقات مع روسيا خلال سنوات رئاسته، إذ مرت العلاقات الروسية الأميركية خلال عهده بمجموعة من التوترات، بما فيها فرض عقوبات جديدة على موسكو، واستمرار تقديم الدعم لكييف، والخلافات في الملفين السوري والإيراني، وانسحاب واشنطن من مجموعة من المعاهدات الدولية في مجال الأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي.

وعلاوة على ذلك، أكد ترامب أثناء رئاسته بين 2017 و2021، أنه لا ينظر في إمكانية رفع العقوبات المفروضة على روسيا، على خلفية انتزاعها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، مشدداً مراراً على أنه هو الذي فرض، عام 2019، طيفاً كاملاً من العقوبات على خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2" الممتد من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق من دون المرور بالأراضي الأوكرانية، والذي تعرّض لواقعة تفجير في سبتمبر/أيلول 2022.

في المقابل، شهدت الأيام الأولى من حكم الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، في عام 2021، انفراجة في ملف تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت-3) لمدة خمس سنوات قبل أن تعلق روسيا مشاركتها فيها في عام 2023، بموازاة حلقة جديدة من تدهور العلاقات على ضوء الدعم الأميركي الهائل المقدم لكييف في مواجهتها العسكرية المفتوحة مع موسكو منذ فبراير/شباط 2022.

ومع ذلك، يوضح الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، أن ترامب ظاهرياً لا يزال نظيراً أفضل لبوتين مقارنة مع هاريس، مشككاً في الوقت نفسه في قدرته على مواجهة الإستبلشمنت الأميركي الذي تجمعه معاداة روسيا. ويقول بلوخين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "ظاهرياً، يبدو ترامب أنسب لموسكو مقارنة مع هاريس أو بايدن أو (مرشحة الديمقراطيين للرئاسة في الانتخابات الأميركية عام 2016) هيلاري كلينتون وغيرهم من وجوه الحزب الديمقراطي، نظراً لتعاطفه مع بوتين وحديثه عن ضرورة تطبيع العلاقات، انطلاقاً من رؤيته أن الخصم الرئيسي لواشنطن هو الصين لا روسيا". لكن المسألة تكمن، وفق بلوخين، في "ما إذا كان الإستبلشمنت والدولة العميقة والنخب ستسمح لترامب بتغيير مسار السياسة الخارجية الأميركية". ويذكّر بأن سنوات حكم ترامب الأربع حتى مغادرته البيت الأبيض مطلع عام 2021، لم تسفر عن أي انفراجة في العلاقات الروسية الأميركية، موضحاً أنه "في عهد ترامب الأول، تم تسليم صواريخ جافلين (أميركية مضادة للدروع وذلك عام 2019) لأوكرانيا، وجرى تشديد العقوبات الأميركية، ولذلك آفاق ولايته الثانية المحتملة ضبابية للغاية".

مالك دوداكوف: كلا المرشحين سيحاول التوصل بصورة أو بأخرى إلى اتفاق مع موسكو

ويتوقع بلوخين ألا يعرقل الإستبلشمنت مساعي ترامب في بعض الملفات التي تتطابق فيها مواقفهما، مثل دعم إسرائيل وزيادة الضغوط على إيران والصين، جازماً في الوقت نفسه بأنه سيواجه عقبات في القضايا الخلافية مثل العلاقات مع روسيا وحدود دعم أوكرانيا ومستقبل حلف شمال الأطلسي (ناتو). وحول رؤيته لآفاق قضايا الاستقرار الاستراتيجي والرقابة على الأسلحة في حال فوز ترامب، يضيف أن "الجمهوريين ينظرون إلى معاهدات الاستقرار الاستراتيجي مثل ستارت على أنها أداة لردع الولايات المتحدة ذاتياً"، مذكراً بأن واشنطن انسحبت (عام 2001) في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، من معاهدة الدرع الصاروخية (معاهدة الحد من الصواريخ البالستية المضادة للصواريخ "درع صاروخي")، ثم من معاهدتي السماوات المفتوحة (تسمح بتسيير رحلات جوية استطلاعية غير مسلحة فوق عشرات الدول الموقعة على المعاهدة، وانسحاب واشنطن منها عام 2021) والصواريخ قصيرة وبعيدة المدى في عهد ترامب (الموقعة بين موسكو وواشنطن عام 1987 والتي انتهى العمل بها عام 2019).

لا تأثير لنتائج الانتخابات الأميركية

من جهته، يلفت المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي، مالك دوداكوف، إلى أنه لا مجال للتنبؤ بنتائج الانتخابات الأميركية حتى اللحظة الأخيرة، نظراً لاعتمادها على التصويت في الولايات المتأرجحة، متوقعاً في الوقت نفسه ألا تتأثر العلاقات الروسية الأميركية ومستقبل الأزمة الأوكرانية بالانتخابات كثيراً. ويقول دوداكوف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى آخر لحظة، لا يمكن الجزم بنتائج الانتخابات الأميركية، نظراً للفروق البسيطة التي لا تتخطى أعشار من 1% في نسب تأييد المرشحين في الولايات المتأرجحة، وهي أريزونا وجورجيا وكارولينا الشمالية وبنسيلفانيا وويسكونسن وميشيغن ونيفادا، التي ستحسم نتائج التصويت فيها من سيحصل على الـ270 بالمجمع الانتخابي المطلوبة للفوز".

فياتشيسلاف ماتوزوف: يجب النظر إلى هاريس في سياق دور الحزب الديمقراطي في السياسة الأميركية

يُذكر أنه عندما يتوجه الناخبون الأميركيون للتصويت للمرشح الرئاسي المفضل لديهم، فإنهم يصوتون لمندوبي حزبه (أعضاء المجمع الانتخابي والذي يختلف بين ولاية وأخرى بحسب حجمها) في هذه الولاية، بما يعني أن الناخب يحسم التصويت على مستوى ولايته، في حين يختار أعضاء المجمع الانتخابي في وقت لاحق رئيس الولايات المتحدة.

وحول رؤيته لأي مرشح يكون فوزه خيراً على روسيا من غيره، يضيف دوداكوف أن "ترامب ينطق بأمور كثيرة تتمنى روسيا سماعها من جهة ضرورة إنهاء المواجهة على الأراضي الأوكرانية، وربما سيسعى للبحث عن نوع من تسوية للنزاع الأوكراني". بينما يبدو خطاب هاريس، وفق دوداكوف "أقرب إلى جناح الصقور، ولكنها قد تتمتع بمجال أوسع للمناورة، كونها لن تواجه تهما من قبيل العمالة لصالح الكرملين، كما أن فريقها يضم شخصيات براغماتية وواقعية تدرك أنه لا يمكن مواجهة روسيا إلى ما لانهاية". ويرجح أن كلا المرشحين سيحاول في حال فوزه التوصل بصورة أو بأخرى إلى اتفاق مع موسكو، لافتاً إلى أن الوضع في ساحة المعركة هو الذي سيحسم مصير الأزمة الأوكرانية لا الانتخابات الأميركية.

من جانب آخر، يقلل المحلل السياسي والدبلوماسي الروسي السابق، فياتشيسلاف ماتوزوف، من أهمية أي تأثير لاسم المرشح الفائز في الانتخابات على السياسة الخارجية الأميركية، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا ينبغي النظر إلى هاريس خارج سياق دور الحزب الديمقراطي ومواقفه وتأثيراته في السياسة الأميركية". ويضيف أن "الدولة العميقة هي التي ستحسم الأمور، وهو ما ينطبق على ترامب أيضاً".

وعلى الصعيد الرسمي، سبق لبوتين أن ذكّر بأن ترامب فرض عقوبات كثيرة على روسيا، معرباً عن أمله ألا تكرر هاريس ذلك في حال فوزها. وأشار بوتين خلال الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي في بداية سبتمبر/أيلول الماضي، إلى أن ترامب فرض كماً من القيود والعقوبات بحق روسيا لم يسبق لأي رئيس آخر فرضها، مضيفاً أنه "إذا كانت أمور السيدة هاريس جيدة، فربما ستمتنع عن الأعمال من مثل هذا القبيل". ومع ذلك، أكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن بوتين لن يهنئ الفائز بانتخابات الرئاسة الأميركية أياً كان. وفي معرض إجابته عن سؤال قناة شوت الروسية على منصة تليغرام، حول ما إذا كانت السلطات الروسية ستهنئ الفائز، أجاب بيسكوف: "على الأرجح لا"، مضيفاً أن "هذه الدولة غير صديقة للغاية".

من جانب آخر، أعرب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في حوار مع صحيفة تايمز أوف إينديا الهندية، نشر في 28 أكتوبر الماضي، عن قناعته بأن الدعم الأميركي ثنائي الحزبين لأوكرانيا سيستمر بصرف النظر عن نتائج الانتخابات، مقراً في الوقت نفسه بأن أوكرانيا ستواجه أوقاتاً عصيبة في حال تراجعت واشنطن عن دعم كييف في الدفاع عن أرضها.