مرّ أكثر من أسبوعين على سلسلة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية التونسية، ومحاولة الرئيس التونسي قيس سعيّد حصد رؤوس معارضيه واحداً تلو الآخر، في سعي لتفتيت الجبهة المعارضة التي بدأت تكبر يوماً بعد يوم، خصوصا مع تزايد أخطائه في إدارة البلاد.
وكان من الواضح أن سعيّد يسابق الزمن حتى يحول دون اجتماع معارضيه المشتتين، ولطالما عيّرهم باجتماعهم بعد أن كانوا أعداء، مستغرباً لقاءاتهم المتكررة. وبدا أنه كان يخشى هذه المسألة بالذات، لذلك سارع إلى ضربهم بتهمة التآمر على أمن الدولة التي يمكن أن تقود إلى الإعدام.
ولكن سعيّد لم يضرب بسرعة فقط، وإنما ضرب بكل قوة أيضاً، بما يكشف حجم الورطة السياسية التي وقع فيها مع توسع المعارضة إلى كل الفئات، خصوصاً مع تصاعد الخلاف مع اتحاد الشغل.
يعني ذلك أن سعيّد يخوض معركة الكل في الكل، دفاعاً عن حكمه الذي يترنح في هذه العواصف الداخلية والخارجية التي تحيط به، من أزمات اقتصادية خانقة ومتواترة، وانتقادات خارجية من كل حدب وصوب.
يريد سعيّد أن يقنع نفسه بأنه يتقدم ويرسي دعائم حكمه، ولذلك يسعى إلى ضرب كل نفس معارض، واصفاً المعارضين بأنهم "خونة باعوا أنفسهم إلى الخارج وينكلون بالمواطنين"، فيما تنكل سلطاته بالمعتقلين في السجون، حتى يكونوا عبرة لمن هم في الخارج بأن ذلك مصيرهم، إذا اعترضوا على ضرب من وصفهم، أول من أمس السبت، بـ"الجراد".
ولذلك يقسم التونسيين بوضوح: "إذا لم تكن معي فأنت مع الجراد وهذا مصيرك". وربما سيصعّد سعيّد في الأيام المقبلة من وتيرة الاعتقالات، لزرع مناخ الخوف في صفوف الجميع، وإنهاء كل نفس معارض، ومحاولة حسم المعركة سريعاً ووضع الجميع، في الداخل والخارج، أمام الأمر الواقع.
ولكن هذا، وإن حدث، فلن يكون شبيهاً بالماضي، لأن التونسيين ذاقوا طعم الحرية، ولن يفرطوا فيها بسهولة، والنخب السياسية التونسية بدأت تقتنع بحجم الدمار الآتي والخسائر الممكنة، وبدأوا أخيراً يفهمون ماذا يعني أن يسقط السقف على الجميع، وأنهم مشمولون بهذا السقوط الذي لن يكون ظرفياً وإنما تاريخياً، وستخسر فيه البلاد.
وهم أيضاً أمام سنوات طويلة من التراجع عن الديمقراطية والحرية، والتداول السلمي للسلطة، والانتخابات الحرة الشفافة. ولطالما تم التحذير من هذه اللحظة الصعبة، ولكن أوهام السلطة أعمت الجميع، واليوم تحتاج تونس تشابك كل الأيدي حتى تمنع هذا السقف من السقوط، على الرغم من صعوبة ذلك، ولكن امتحان التاريخ لا يرحم.