رفع مكافآت "الهيئة الوطنية للانتخابات" في مصر: ترضية للقضاء وتساؤل عن المحليات

21 يونيو 2022
مؤتمر صحافي للهيئة برئاسة رئيسها السابق لاشين إبراهيم، 2018 (Getty)
+ الخط -

كشفت أرقام الموازنة المصرية الجديدة للعام المالي 2022-2023 عن ارتفاع مخصصات "الهيئة الوطنية للانتخابات" إلى 90 مليون جنيه (4.8 ملايين دولار)، مقارنة بـ7 ملايين جنيه في عام 2018-2019، أي بزيادة تقدر بـ83 مليون جنيه في ظرف أربع سنوات فقط، مع العلم أن الهيئة لن تشرف على أي استحقاقات انتخابية حتى عام 2024، وهو موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وفتح ذلك باب التساؤلات المشروعة حول مسألة تغييب انتخابات المحليات (البلديات) في مصر منذ اندلاع ثورة 2011، وتجميد إصدار قانون الإدارة المحلية منذ أكثر من ست سنوات بتعليمات من "أجهزة سيادية". ويحصل هذا التغييب على الرغم من الفساد المستشري في الوحدات المحلية بالمحافظات، نتيجة رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي وجود مجالس محلية منتخبة لمراقبة أداء المحافظين المعينين بقرار منه، وما قد يصاحب ذلك من تهديد عمليات الإسناد المباشر للمشروعات من جانب الوزارات والمحافظات المختلفة للشركات التابعة الجيش.

زيادة مخصصات هيئة الانتخابات في مصر

وقال مصدر برلماني مطلع لـ"العربي الجديد"، إن الزيادة الكبيرة في مخصصات "الهيئة الوطنية للانتخابات" تعود إلى تمويل أجور ومكافآت وبدلات رئيس وأعضاء الهيئة (رئيسها الحالي أحمد عبد العظيم مطر)، والأمانة الفنية لها، وأغلبهم من المستشارين المنتدبين من جهات وهيئات قضائية، والذين يتقاضون رواتبهم كذلك عن هذه الجهات والهيئات. وأثار هذا الأمر اعتراضات واسعة من أعضاء لجنة الخطة والموازنة في البرلمان.

وأضاف المصدر أن ممثلي الحكومة تحفظوا على مطالب أعضاء اللجنة بشأن عدم زيادة مخصصات الهيئة في العام المالي الجديد، خصوصاً أنه لا توجد استحقاقات انتخابية في العامين 2022 و2023، ومن ثم لا يوجد مبرر لزيادة اعتماداتها بواقع 10 ملايين جنيه. وتأتي الزيادة في مخالفة لأحكام الدستور الذي اشترط اتفاق الحكومة مع مجلس النواب على تدبير مصادر تمويل الزيادة في نفقات الموازنة.

الهيئة لن تشرف على أي استحقاقات انتخابية حتى 2024، موعد انتخابات الرئاسة

وأكد المصدر أن مجلس النواب لم يتلق أي إفادة من "الهيئة الوطنية للانتخابات"، أو من الحكومة ممثلة في وزارة المالية، حول أسباب الارتفاع المستمر في بند الأجور والمكافآت لأعضاء الهيئة سنوياً، وهو ما يتعارض مع برنامج الحكومة المُعلن بخصوص ضغط وترشيد الإنفاق في الجهات والهيئات التابعة للدولة، في إطار تخفيض حدة العجز في الموازنة العامة، والمُقدر بنحو 558 مليار جنيه (حوالي 30 مليار دولار) في العام المالي 2022-2023.

ونصّت المادة 209 من الدستور على إدارة "الوطنية للانتخابات" من مجلس مكون من عشرة أعضاء، يُنتدبون بالتساوي من بين نواب رئيس محكمة النقض، ورؤساء محاكم الاستئناف، ونواب رئيس مجلس الدولة، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية. ويختارهم مجلس القضاء الأعلى، والمجالس الخاصة للجهات والهيئات القضائية من غير أعضائها، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية.
وقضت المادة أن يكون انتدابهم للعمل في الهيئة لدورة واحدة مدتها ست سنوات، وتكون رئاستها لأقدم أعضائها من محكمة النقض، ويتجدد نصف عدد أعضاء المجلس كل ثلاث سنوات.

وللهيئة أن تستعين بمن ترى من الشخصيات العامة المستقلة، والمتخصصين، وذوي الخبرة في مجال الانتخابات، من دون أن يكون لهم حق التصويت، إلى جانب تشكيل جهاز تنفيذي دائم لها.

مكافآت ضخمة في ميزانية "تقشفية"

وقال النائب ضياء الدين داود، في جلسة مناقشة الموازنة الجديدة للدولة قبل أيام، إن الموازنة التي تزعم الحكومة أنها "تقشفية"، احتوت مكافآت ضخمة لأعضاء "الهيئة الوطنية للانتخابات"، ومنها حصول كل عضو في الهيئة على مكافأة تحت مسمى "جهود عادية"، بواقع 30 ألف جنيه كل 3 أشهر، وأخرى باسم "جهود غير عادية" بقيمة 36 ألف جنيه (حوالي 1600 دولار) كل 3 أشهر، وثالثة بمسمى "جهود غير عادية في شهر رمضان" بواقع 36 ألف جنيه.

وأضاف داود أن كل عضو في الهيئة حصل على مكافأة رابعة باسم "جهود غير عادية في عيد الفطر"، قيمتها 36 ألف جنيه، وخامسة تحت مسمى "بدل مصيف في شهر يونيو/حزيران" بواقع 20 ألف جنيه، إضافة إلى 72 ألف جنيه عن أشهر يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول. وهي مكافآت مجموعها 230 ألف جنيه (12 ألف و300 دولار) لكل عضو، بخلاف ما يتقاضونه من أجور ومكافآت وبدلات أخرى على مدار العام.

تتعارض الزيادة مع برنامج الحكومة المُعلن بخصوص ضغط الإنفاق وترشيده

ويترأس "الهيئة الوطنية للانتخابات" حالياً المستشار أحمد عبد العظيم مطر، نائب رئيس محكمة النقض، وتضم في عضويتها المستشارين محمد علي حسن عبد الواحد، الرئيس في محكمة استئناف القاهرة، وياسر السيد أحمد المعبدي، الرئيس في محكمة استئناف طنطا، وفارس سعد حنضل ومحمد أحمد شفيق (نائبا رئيس مجلس الدولة)، ومحمود محمد عبد الواحد وعبد السلام محمود عبد السلام (نائبا رئيس هيئة قضايا الدولة)، ومحمد أبو ضيف باشا خليل وشريف محمد منير حشيش (نائبا رئيس هيئة النيابة الإدارية).

ترضية القضاة المتذمرين

وتأتي الزيادة في مخصصات الهيئة كجزء من ترضية القضاة في مصر، وامتصاص حالة الغضب لديهم في ظل شعورهم بتراجع تقديرهم مجتمعياً لصالح فئات أخرى، وتنامي دور ضباط وقيادات جهاز "الأمن الوطني" الذين باتت تقاريرهم حيال أعضاء ورؤساء الهيئات القضائية محدداً أساسياً للترقيات وتقلد المواقع المهمة في سلك القضاء.

وقبل أيام قليلة، كشفت مصادر قضائية مصرية لـ"العربي الجديد"، عن صدور توجيهات من السيسي بضرورة حسم وإنهاء موقف الآلاف من القضايا المدنية والاقتصادية المتراكمة في المحاكم لمدد تراوح بين 10 و20 عاماً مضت، قبل حلول العطلة القضائية في يوليو المقبل، بغرض إنعاش خزينة الدولة بالغرامات والاستحقاقات المالية بحسم المنازعات القضائية المعلقة منذ سنوات طويلة.

وأفادت المصادر بأن هناك حالة من التذمر في الأوساط القضائية بسبب عدد القضايا الكبير المنظور أمام القضاة، والمدى الزمني القليل المحدد لحسمها وإغلاقها، إضافة إلى عدم زيادة الحوافز والبدلات المالية المخصصة لهم، بما يتلاءم مع الزيادة الكبيرة التي طرأت على الأسعار، أو يوازي الحوافز والامتيازات التي حصل عليها العاملون في جهات سيادية أخرى بالدولة.

وأوضحت المصادر أن وزير العدل عمر مروان، اجتمع أخيراً مع عدد من رؤساء المحاكم ورئيس نادي القضاة، محمد عبد المحسن، وأبلغهم بأنه سينقل مطالبهم المتعلقة بالجوانب الاقتصادية إلى رئيس الجمهورية. ولاحقاً اجتمع السيسي مع مروان لـ"استعراض الجهود المبذولة من جانب رجال القضاء لتحقيق العدالة الناجزة، واستحداث وسام جديد تحت مسمى (وسام القضاء المصري) يخصص لرؤساء وأعضاء الهيئات القضائية السابقين أو لاسم من توفي منهم، تقديراً لمسيرة عطائهم القضائية".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، توفي رئيس الهيئة السابق، المستشار لاشين إبراهيم، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، بعد أن واجه اتهامات متكررة بشأن تلاعب الهيئة في أرقام المصوتين لزيادتها في انتخابات الرئاسة عام 2018، وتعديلات الدستور في العام التالي، فضلاً عن تزوير انتخابات البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ) لصالح المرشحين المحسوبين على السلطة الحاكمة في عام 2020.

وكانت حملة النائب المعارض في مجلس النواب السابق، رئيس حزب "الكرامة" أحمد الطنطاوي، قد نشرت نتائج "موثقة بالأرقام" لمحاضر الفرز الرسمية للانتخابات التي جرت في دائرة قلين بمحافظة كفر الشيخ، تثبت حصوله على أعلى الأصوات في جولة الإعادة على غرار الجولة الأولى، بخلاف ما أعلنته "الوطنية للانتخابات" من حلوله في المركز الخامس لترتيب المرشحين الستة المتنافسين على المقاعد الثلاثة المخصصة للدائرة في البرلمان.

أيضاً اتهم المرشحان الخاسران عن "الحزب المصري الديمقراطي" في دائرة العمرانية والطالبية بمحافظة الجيزة القضاة المشرفين على لجان الدائرة بـ"تزوير الانتخابات" لصالح مرشحي حزب "مستقبل وطن" المدعوم من النظام، عن طريق التلاعب في أصوات الناخبين بزيادة نسبة الإقبال، ومنح أصوات وهمية لمرشحي الحزب الفائزين من الجولة الأولى. وهو ما تكرر في العشرات من الدوائر الانتخابية وسط صمت وتواطؤ من هيئة الانتخابات، بحسب ما ورد في المحاضر والبلاغات الرسمية والدعاوى القضائية للمرشحين الخاسرين.

وصادق السيسي على قانون إنشاء "الهيئة الوطنية للانتخابات" في أغسطس 2017، بعد موافقة مجلس النواب، والذي نص على "إلغاء الإشراف القضائي الكامل على الاستفتاءات والانتخابات بحلول 17 يناير/كانون الثاني 2024 (مرور 10 سنوات على إصدار دستور 2014)"، في خطوة من شأنها تسهيل عملية تزوير الانتخابات، ولا تنفصل بطبيعة الحال عن تعديلات الدستور الأخيرة التي قضت بمد ولاية الرئيس الحالي لمدة عامين إضافيين، إيذاناً بإجراء انتخابات الرئاسة المقبلة تحت إشراف الهيئة من دون التزام منها بتعيين قضاة على صناديق الانتخاب.

المساهمون