في خطوات متلاحقة لتعزيز الاستقرار والسلام في إثيوبيا، صدّق البرلمان الإثيوبي أول من أمس الأربعاء على شطب اسم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن قائمة الإرهاب، وذلك تنفيذاً لبنود مخرجات الاتفاقية الموقعة بين الحكومة الإثيوبية والجبهة في بريتوريا في جنوب أفريقيا في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي.
وبعد ساعات من قرار البرلمان، عينت الحكومة الإثيوبية، أمس الخميس، مسؤولاً كبيراً في الجبهة رئيساً للحكومة الموقتة في الإقليم. وغرّد مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد: "عيّن رئيس الوزراء أبي أحمد غيتاتشو رضا رئيساً للإدارة الموقتة لمنطقة تيغراي".
وشدد على أنّ من الضروري "إنشاء إدارة موقتة شاملة لضمان سلام قادر على تحقيق السلام ووقف الصراع". وكان غيتاتشو رضا قد شغل منصب وزير الاتصالات في الحكومة الفيدرالية في عهد رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين الذي حكم بين عامَي 2012 و2018.
زاهد الهرري: الحرب في تيغراي أرهقت اقتصاد إثيوبيا
وكان معظم أعضاء البرلمان الإثيوبي، البالغ عددهم 547 نائباً، قد صوتوا لقرار شطب اسم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن قائمة الإرهاب. واعترض على القرار 61 نائباً، فيما أيده 486، مع امتناع 5 عن التصويت، وهي الخطوة التي جاءت قبل تشكيل حكومة انتقالية للإقليم وتعيين رئيس جديد لها.
وبدأ النزاع في تيغراي في نوفمبر 2020، عندما أرسل رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الجيش الفيدرالي لإطاحة قادة المنطقة الذين تحدوا سلطته، واتهمهم بمهاجمة قواعد عسكرية فيدرالية في الإقليم، لتُصنف الجبهة رسمياً كمنظمة إرهابية في مايو/ أيار 2021، بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب.
ووفق متابعين، فإن إسقاط تهمة الإرهاب عن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي يمثل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الجبهة، التي تحاول العودة إلى الحياة السياسية بعد نحو عامين من الاقتتال. كذلك فإنها تفتح الباب أمام استمرار المفاوضات بين الجانبين في أديس أبابا، لتنفيذ اتفاقية بريتوريا، للتوصل إلى سلام دائم في إقليم تيغراي.
أهمية رفع اسم الجبهة عن قائمة الإرهاب
وقال الصحافي الإثيوبي زاهد زيدان الهرري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن أهمية خطوة البرلمان برفع اسم الجبهة عن قائمة الإرهاب تكمن في أن الحكومة الإثيوبية تلتزم دورها في تنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة بين الجانبين.
وأوضح أن هذا الأمر كان شرطاً من الشروط التي طرحتها الجبهة للتفاوض مع الحكومة الإثيوبية، خصوصاً من قبل قياداتها التي تريد العودة إلى الحياة السياسية، كذلك من المؤكد أن هذه الخطوة ستعزز الاستقرار والسلام في الإقليم، وتدل على سقف التنازلات بين الأطراف الإثيوبية.
واعتبر زاهد أن وقف الحرب في إقليم تيغراي، وتصديق البرلمان على رفع اسم الجبهة عن قائمة الإرهاب، سيؤديان إلى أن يعمّ السلام في البلاد بشكل عام، وخصوصاً الأقاليم المجاورة لتيغراي، فهناك أقاليم متضررة من هذه الحرب المكلفة اقتصادياً وإنسانياً، وهي عفر وأمهرة وتيغراي نفسه، الذي تعرض لدمار كبير، ما أثر في اقتصاد البلاد.
وأوضح أن الحرب في إقليم تيغراي أدت إلى إرهاق الاقتصاد الإثيوبي، وتوجيه ضربة للبنية التحتية، فالحكومة الإثيوبية ستنفق أموالاً كثيرة لإعادة إعمار المرافق المتضررة من الحرب في الإقليم، ولهذا فإن جهود الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي للتوافق فيما بينهما ستعزز فرص السلام والاستقرار في كل المنطقة.
وقال مدير المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن التزام الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تنفيذ بنود اتفاقية بريتوريا، وتسليمها الأسلحة للحكومة الإثيوبية، ورفع البرلمان اسم الجبهة عن قائمة الإرهاب، يدل على أن الجانبين نجحا في تنفيذ بنود الاتفاقية، ما يمهد الطريق أمام توقيع اتفاقيات مع الجماعات المتمردة الأخرى في إثيوبيا.
تحول جبهة تيغراي لحزب سياسي
وأوضح أنه أصبح بإمكان الجبهة أن تتحول إلى حزب سياسي معترف به من الحكومة، للحصول على حقوقها بدل النضال العسكري.
وعن أثر قرار البرلمان في استقرار الجبهة الشمالية من البلاد، قال أحمد إن الحرب أثرت سلباً بالأوضاع الاقتصادية في الأقاليم الشمالية، كذلك فإنها كانت تستنزف اقتصاد البلاد، إذ سخّرت حكومة آبي أحمد كل مواردها لإخضاع الجبهة.
ياسين أحمد: أميركا توظف ملف حقوق الإنسان لتوجيه اتهامات للحكومة الإثيوبية لتنفيذ مصالحها أو منافسة الصين وروسيا
وعلى الرغم من أن العلاقات الأميركية الإثيوبية تشهد انفتاحاً بعد جمود دبلوماسي بين البلدين، واصلت واشنطن اتهام الحكومة الإثيوبية بارتكاب جرائم حرب في إقليم تيغراي.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في واشنطن الاثنين الماضي، "إن أفراداً من قوات الدفاع الوطني الإثيوبية وحلفائها من الجيش الإريتري وقوات أمهرة الإقليمية والقوى المعارضة التابعة للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ارتكبوا جرائم حرب خلال الصراع الذي استمر عامين".
استهلاك ملف حقوق الإنسان في إثيوبيا
وقال ياسين أحمد في هذا الصدد إن ملف حقوق الإنسان بات مستهلكاً بالنسبة إلى واشنطن، وتوظفه فقط لتوجيه اتهامات للحكومة الإثيوبية، لتنفيذ مصالح أميركية أو منافسة الصين وروسيا، لكن حدة الاتهامات تراجعت بعد تطبيق اتفاقية السلام في إقليم تيغراي.
وأشار إلى أن سياسة التوازنات التي تعتمدها أديس أبابا تصعّب عملية تمرير ملفات حقوق الإنسان في مجلس الأمن الدولي، فلدى إثيوبيا اليوم حلفاء وأصدقاء في هذا المجلس، يستخدمون حق النقض لمواجهة أميركا، التي تلوح بملف حقوق الإنسان كتكتيك لتحقيق مصالحها الخاصة في المنطقة.
وعن فرص ومستقبل السلام والاستقرار في إثيوبيا بعد شطب اسم الجبهة عن قائمة الإرهاب، قال ياسين أحمد إن هناك رغبة حقيقية من الحكومة الإثيوبية للوصول إلى هذا الأمر، وخصوصاً بعد تشكيل لجنة الحوار ولجنة العدالة الانتقالية، وكلها تسعى لتحقيق نقلة نوعية في عملية التحول الديمقراطي في إثيوبيا وحل الكثير من المشاكل التي تدور حول الصراع على السلطة والموارد، وهذا سيكون مفتاح السلام في إثيوبيا وسيبدد كل الضغوط الدولية في ما يتعلق بملفات حقوق الإنسان في البلاد.
وقال الباحث الإريتري في شؤون القرن الأفريقي عبد القادر محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي تعملان على استكمال تنفيذ باقي بنود اتفاقية بريتوريا.
وأشار إلى أن لرفع البرلمان اسم الجبهة عن قائمة الإرهاب أثر معنوي عليها، خصوصاً مع الحرب الإعلامية الشرسة ضدها. وأشار محمد علي إلى أن استمرار تنفيذ بنود الاتفاقية بين الجانبين يأتي إثر ضغوط دولية، وخصوصاً من واشنطن التي تلوّح بالعقوبات ضد الحكومة الإثيوبية، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي جرائم الحرب.