"رافضو الانتخابات"... خطر جمهوري عشية انتخابات الكونغرس

04 نوفمبر 2022
حذّر بايدن من الخطر على الديمقراطية (مايكل آي ماكوي/Getty)
+ الخط -

يخيّم مصطلح جديد على الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، المقرّرة يوم الثلاثاء المقبل، وهو مصطلح "رافضي الانتخابات" (election deniers)، الذي يستمد زخمه من الانتخابات الرئاسية في عام 2020، وما بعدها من أحداث إثر خسارة الرئيس السابق دونالد ترامب، سعيه لولاية ثانية. وإذ تنشط خلال حملة التجديد لمجلسي النواب والشيوخ، الكثير من نظريات المؤامرة التي يسوقها المتشددون من الجمهوريين، في استكمال لنظرية "سرقة الانتخابات" التي ساقها ترامب إثر خسارته قبل عامين، تتجه الأنظار إلى ما بعد يوم الانتخاب، حيث يتواجه الحزبان الديمقراطي والجمهوري في معركة "كسر عظم"، تميل كل مؤشراتها حتى الآن لصالح المحافظين.

وفيما يسعى الحزب الجمهوري، في العلن، إلى تصوير المعركة على أنها بين "برنامجين"، يثير سلوك مرشحيه، وحملات التحشيد والاستقطاب والتشكيك وإثارة الهلع التي يديرونها، الخشية من انزلاق الولايات المتحدة نحو الفوضى، وهو ما حذّر منه الرئيس جو بايدن، أول من أمس الأربعاء، حين دقّ ناقوس الخطر للناخبين، لاسيما بعد الاعتداء على منزل رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي، وضرب زوجها بول، يوم الجمعة الماضي.

300 مرشّح من "رافضي الانتخابات"

وتثير حركةٌ لرفض نتائج الانتخابات، قلق المتابعين للانتخابات النصفية الأميركية، بينما يشكّل هذا الاستحقاق، اختباراً للمعركة الرئاسية في عام 2024. ومن دون شكّ، فإن الاستراتيجية التي اعتمدها الديمقراطيون، خلال حملتهم الانتخابية، لم تكن ناجحة، ومنها مواصلة "التحذير من الخطر المحدق بالديمقراطية الأميركية" رغم صوابيته، بعد استهلاك قضية حقّ الإجهاض.

إذا فاز "رافضو الانتخابات"، فإنهم قد يصعّبون عملية التصويت أو يرفضون المصادقة على نتائج الانتخابات

ومثلما وجّه انتشار فيروس كورونا، ضربة قوية لآخر عام من عهد ترامب، وشكّل أحد الأسباب المباشرة لخسارته في 2020، يضرب التضخم في الولايات المتحدة بقوة، لاسيما خلال العام الثاني من ولاية بايدن، الذي تتراجع شعبيته بشكل دراماتيكي، رغم عدد من الإنجازات الداخلية التي حقّقها. فضلاً عن ذلك، فإنه حتى في صفوف الديمقراطيين، تبدو الخلافات القوية، بينما يدور الجدل منذ الآن، حول ما إذا كان الرئيس قادراً صحياً، أو مؤهلاً، للترشح للرئاسة مرة جديدة.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وحتى الإعلام الذي ظلّ معادياً لترامب، ولم يتوان عن مهاجمته، بدأ يثير هذه التساؤلات بجدية، ومنه صحيفة "واشنطن بوست"، الذي كتب كاتب العمود فيها جورج ويل، أول من أمس، أنه "لصالح هذه البلاد، فإن على بايدن ونائبته كامالا هاريس، الانسحاب من معركة 2024"، مذكّراً بتمرير الحكومة مشروعاً لمنح الطلاب، قال بايدن إن الكونغرس مرّره، وهو ما لم يحصل. وبينما لمّح الكاتب إلى قدرات بايدن الذهنية، أشار أيضاً إلى عدم كفاءة نائبته. وتظلّل شعبية بايدن المتدهورة، انتخابات الديمقراطيين، الذين استنجدوا بالرئيس الأسبق باراك أوباما، لدعم حملتهم.

في المقابل، يستغل الجمهوريون نسبة التضخم المرتفعة، للتصويب على الديمقراطيين وإدارة بايدن. لكن الأخطر هو ظهور فريق من المرشحين المتشددين، الذين باتوا يعرفون بـ"رافضي الانتخابات"، وحذّر منهم بايدن أول من أمس، في خطابه. وذكرت "واشنطن بوست" أمس، أن "رافضي الانتخابات" من المرشحين هم تقريباً على قوائم الترشح في كل ولاية. وقال بايدن أمس، إن هناك أكثر من 300 جمهوري ينكرون نتائج الانتخابات، يشاركون في السباقات الانتخابية في كل أنحاء البلاد هذا العام، والتي تشمل التجديد لمجلس النواب بكل أعضائه، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (35 من أصل 100)، وانتخاب 36 ولاية حكاماً جدداً لها.

ووجد إحصاء لـ"واشنطن بوست"، أن نصف المرشحين الجمهوريين هذا العام، هم من الرافضين لنتائج انتخابات 2020، وإذا ما تمّ انتخابهم، فإنهم "قد يصّعبون عملية التصويت (بدعم تشريعات تفرض قيوداً على التصويت)، أو يسمحون بإعادات لا تنتهي لفرز الأصوات، أو يرفضون المصادقة على نتائج الانتخابات". بالإضافة إلى ذلك، فإن الجمهوريين يغدقون ملايين الدولارات لتوظيف موظفين ومراقبين للانتخابات، بإمكانهم عرقلة فرز الأصوات، أو رفع ادعاءات كاذبة حولها.

وتشكلّ هذه العملية، والتي تتواصل فصولها في الولايات الجمهورية، منذ وصول ترامب للسلطة، وتعزّزت بعد خسارته، خطراً كبيراً على الديمقراطية الأميركية، وهو ما دفع بايدن للتحذير منه في كلمة متلفزة الأربعاء دعا فيها الأميركيين إلى "حماية الديمقراطية". وجاء خطاب بايدن وسط ظروف تنذر بأزمة عاتية كيفما جاءت النتائج.

تحضير المسرح لرئاسيات 2024

في حال فاز الجمهوريون بالأغلبية في المجلسين، وهو ما ترجحه الأرقام، يكون المسرح قد جرى إعداده لتكرار سيناريو انتخابات 2020 في معركة الرئاسة بعد عامين. ومن جهة ثانية، لو فاز الحزب الديمقراطي بالأغلبية، وهو احتمال ضئيل وفق الأرقام أيضاً، فإن اليمين الجمهوري على الأقل في ولايات فاصلة عدة، مصمم على رفض النتائج تحت شعار "لا نقبل بفوز غيرنا". وبذلك يبدو التحدي كبيرا في الحالتين لرئاسة بايدن.

يرى متابعون أن حملة الديمقراطيين كانت متخبطة، وافتقرت إلى التصويب على القضايا التي تهم الناخب

الوصول إلى هذه النقطة كان حصيلة عوامل عدة، على رأسها انتفاخ التضخم. لكن متابعين يرون أن حملة الديمقراطيين كانت متخبطة، والبعض يقول مغلوطة منذ البداية، إذ افتقرت إلى التصويب على القضايا المقرِّرة في خيارات الناخب، وتحاشت قدر الإمكان مواجهة موضوع التضخم بحيث بدا وكأنه نتيجة لأخطاء إدارة بايدن. واستبدلت الإدارة الأميركية، المسألة الاقتصادية، بتسليط الأضواء إما على سلبيات الجمهوريين مثل قضية الإجهاض، وإما على إنجازاتها التي تمكنت من تمريرها في الكونغرس، ولكنها لا تدخل حيّز التنفيذ قبل سنة أو أكثر، وهو ما استغله الجمهوريون الذين نجحوا في توظيف ورقة التضخم لصالحهم.

ولم يسعف نزول الرئيس الأسبق باراك أوباما، على الأرض، لدعم المرشحين الديمقراطيين، إذ لا تزال الصورة العامة على حالها، قبل أيام قليلة من يوم الانتخاب. وينذر الوضع بالأسوأ بالنسبة إلى الحزب الأزرق (الديمقراطي)، بعدما رفع "الاحتياط الفيدرالي" (المصرف المركزي) أول من أمس، سعر الفائدة مرة أخرى بـ0,75 في المائة، كخطوة ضرورية لكبح التضخم، والتي قد لا تكون كافية. والثمن في هذه الحالة، سيكون تسريع دفع الاقتصاد إلى الركود الذي لا بد من أن يلعب دوره ضد الديمقراطيين في 2024.

في ضوء ذلك، عاد بايدن إلى موضوع "الديمقراطية الأميركية" والمخاطر المحيطة بها، عساه يؤثر في تحريك الناخب المتردد وحمله باتجاه يؤدي إلى تغيير المعادلة في أيامها الأخيرة. لكن خطبته كانت أقرب إلى الوعظ حول فضائل الديمقراطية وشرور بدائلها، وبدت محاولة تخويف من جانب خائف من هزيمة انتخابية كاسحة.

وقال بايدن في خطابه إن "هناك مرشحين يتنافسون على مناصب من كل المستويات في أميركا، لا يلتزمون قبول نتائج الانتخابات التي يخوضونها". وأضاف أن هدفهم كان اتباع نهج ترامب ومحاولة "تخريب النظام الانتخابي"، مشيرا إلى أن هناك أكثر من 300 جمهوري ينكرون نتائج الانتخابات يشاركون في السباقات الانتخابية في كل أنحاء البلاد هذا العام. وتابع: "لقد شجعوا على العنف السياسي وترهيب الناخبين ومسؤولي الانتخابات"، ورأى أن ذلك "يمهد الطريق للفوضى في أميركا، وهو أمر غير مسبوق وغير قانوني وغير أميركي".

وتجد التحذيرات الديمقراطية تفسيراً منطقياً وملحّاً على أرض الوقت، لكن مشكلتها أنها لا تبدو في الوقت الحالي أولوية للناخب الأميركية، إذ إن بعض تعبيرات الخطر والعنف السياسي بدأت تتوالى في أميركا، كما تبين من اقتحام منزل بيلوسي يوم الجمعة الماضي. دخول العنف بهذا المستوى لم يكن صدفة أو حادثا عرضيا. سبقه ورافقه وما زال، انحدار غير اعتيادي في جزء من الخطاب الذي تحول من المنافسة إلى التحريض حتى على قتل الخصم، خصوصاً على المواقع والمنابر ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث صار التهديد بضاعة انتخابية هبطت إلى درك قياسي من الانحطاط (مثل رفع يافطات حول واشنطن كتبت بلغة فاقعة من الذم والتحقير ضد بايدن والحزب الديمقراطي).


 

المساهمون