استمع إلى الملخص
- اعتراف إسبانيا، النرويج، وأيرلندا بدولة فلسطين يمثل تحولاً في الدعم الدولي للحق الفلسطيني، مما يعزز الضغط الدولي لتحقيق حل الدولتين ويعيد القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية.
- الاعتراف الدولي بفلسطين يعزز من شرعية النضال الفلسطيني ويفتح الباب أمام السلطة الفلسطينية لتعزيز موقفها دوليًا، مشكلاً دعمًا لإقامة دولة فلسطينية وتجديد النضال من أجل الاستقلال.
منذ بداية "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، انقلبت سلوكيات كثيرٍ من الدول، سواء من دعم حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، أو تلك التي تريّثت وبدأت حراكاتٍ سياسيةً ثمّ شعبيةً مناهضةً لحرب الإبادة الجماعية التي تشنُّها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة. إلّا أنّ الّلافت على الصعيد السياسي والديبلوماسي أنّ دولاً أوروبيةً بدأت تدرك أنّ القضية الفلسطينية تبقى محور الصراع الإسرائيلي – العربي، بل إنّ تداعياتها عالميةً وغير محصورةٍ إقليمياً. وبيّنت هذه الحرب أثرها العميق على معظم دول العالم سياسياً وأخلاقياً واقتصادياً على كلّ المستويات.
لكن، اعتراف الدول الثلاث: إسبانيا والنرويج وأيرلندا، هو في واقع الأمر امتدادٌ تاريخيٌ لمواقف هذه الدول تجاه القضية الفلسطينية، ومن سينضم لركبها في وقتٍ لاحقٍ.
تشجع هذه الخطوة وتدفع دولاً أخرى، سواء في القارة الأوروبية أو خارجها، إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يعني ارتفاعاً في عدد الدول المؤيدة للحقّ الفلسطيني. وباعتقاد الكاتب أنّ الاعتراف، وما سيليه من اعترافاتٍ لدولٍ أخرى، سيعزّز توجُّه هذه الدول نحو مجلس الأمن، بعد الضغط على الولايات المتّحدة وبريطانيا وألمانيا الرافضة قبول خطوة الاعتراف بدولة فلسطين.
فإنّه يؤكِّد على شرعية النضال والكفاح الفلسطيني من أجل تحرير الوطن (فلسطين) من الاحتلال
من جهةٍ أخرى، فإنّ تداعيات اعتراف إسبانيا، تحديدًا، على دولٍ في أميركا الجنوبية، الناطقة بالإسبانية حصرًا، سيؤدي إلى انضمامها إلى الاعتراف. وهذا يعني دعمًا واضحًا وصريحًا من هذه الدول للنضال الفلسطيني طويل الأمد. ومِمّا لا شكّ فيه أن الاعتراف بدولة فلسطين يُمثِّل تحوُّلاً يؤخذ بعين الاعتبار، فلسطينيًا ودوليًا، على أنّه خطوةٌ نحو تحقيق المزيد من الخطوات ذات الصلة بتطوير مشروع إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ إلى جانب دولة إسرائيل. وهذا ما يجب أن يكون معلومًا، إنّ الاعتراف بدولة فلسطين لا يعني بالمطلق تخلي هذه الدولة أو غيرها عن اعترافها بدولة إسرائيل. إنْ كُنّا ننظر إلى هذه الخطوة على أنّها رمزيةٌ في ظلّ الظروف الرّاهنة، أو بالأحرى تعاطفية مع أماني وتطلعات الشعب الفلسطيني، إلّا أنّها خطوةٌ توفِّر زخمًا جديدًا لرفع مستوى دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وعمقه.
مقابل هذه الخطوة، ترفض إسرائيل هذا الاعتراف، كما ورد على لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو القائل بأنّ الدولة الفلسطينية ستكون دولةً إرهابيةً. وبالتالي يؤكد هذا الموقف رفض حكومة إسرائيل إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ، وبالتالي رفضها حلّ الدولتين. لكن الاعتراف بدولة فلسطين قد يتجاوز مجرد كونه خطوةً رمزيةً كما أشرنا سالفًا، إلى مرحلة إعلان مقولةٍ سياسيةٍ، وموقفٍ أخلاقيٍ بأنّ دولةً فلسطينيةً سترى النور عاجلًا أم آجلًا.
كما يعتقد الكاتب أنّ الاعتراف هو أيضًا موقفٌ من هذه الدول، ودولٍ أخرى ستتبعها، يعبر عن أنّ سياسات ونهج إسرائيل، واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية هو أمرٌ غير مقبولٍ بالمرّة. أضف إلى ذلك كلّه، هذا الموقف هو اعترافٌ بعدالة وشرعية الاعتراف بالنضال الفلسطيني ومقاومة الاحتلال، وإن لم ترد مثل هذه الكلمات، حتّى الآن، بنصٍ صريحٍ، أو عباراتٍ محدودةٍ في الحدّ الأدنى.
أما تداعيات هذا الاعتراف على القضية الفلسطينية خاصّةً، فإنّها تعني البدء بتشكُّل حشدٍ دوليٍ متضامنٍ مع هذه القضية. ومن دلالاته دعم الجهود العربية، المتمثِّلة بالمبادرة العربية عام 2002، لإقامة دولةٍ فلسطينيةٍ على حدود يونيو/حزيران 1967. أضف إلى ذلك، وفق اعتقاد الكاتب، يعيد الاعتراف، في حدِّ ذاته، القضية الفلسطينية قضيةً محوريةً ورئيسيةً على محور الأجندة السياسية العالمية، وهو أمرٌ مهمٌّ للغاية. فضلاً عن تأكيده على شرعية القضية، وتعبيره عن إدراك هذه الدول، وغيرها، أنّ التعنُّت الإسرائيلي، والتّباكي وادعاء اللاسامية في كلّ حفلٍ ومحفلٍ، من الأضاليل والتلفيقات التاريخية التي تتمسّك بها حكومات إسرائيل المتعاقبة، وتروج لها باعتبارها الضحية المسكينة دائمًا وإلى الأبد.
إنّ الاعتراف بدولة فلسطين لا يعني بالمطلق تخلي هذه الدولة أو غيرها عن اعترافها بدولة إسرائيل
أمّا على صعيد تداعيات هذا الاعتراف على الفصائل الفلسطينية، فإنّه يؤكِّد على شرعية النضال والكفاح الفلسطيني من أجل تحرير الوطن (فلسطين) من الاحتلال. كما أنّ جهود الفصائل، أيًّا كانت، لم تذهب أدراج الرياح، بل كانت، وستبقى، تُشَكِّل قاعدةً لتراكمية مقاومة الاحتلال، أسوةً بشعوبٍ أخرى حقّقت استقلالها بالدم والنار.
كما يرى الكاتب أنّ الاعتراف بدولة فلسطين هو اعترافٌ بدور الفصائل الفلسطينية، حتّى لو لم يعلن صراحةً وعلانيةً، إذ إنّ إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ ليس مِنّةً ولا هِبةً من أحدٍّ، بل هو نتاج جهدٍ فلسطينيٍ ممتدٍ على مدى أكثر من 75 عامًا، منذ النكبة الفلسطينية، و57 عامًا منذ احتلال يونيو 1967. هل هذه شهادة اعترافٍ بهذا النضال؟ نحن ننتظر مواقف هذه الدول المتعلقة بحقّ الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الرابض على أراضيهم.
أمّا تداعيات هذا الاعتراف على السلطة الفلسطينية، فهو اعترافٌ دولي بها، وتأكيدٌ على وجودها على الرُّغم ممّا تعانيه من خللٍ في منظومتها الداخلية، وعدم قدرتها على تطوير آلياتٍ نضاليةٍ وكفاحيةٍ في مواجهة الاحتلال، إضافةً إلى صورتها المشوهة محليًّا وعربيًّا وعالميًّا. لهذا، فإنّها فرصةٌ أمام القيادة الفلسطينية الحالية لإتاحة المجال أمام قياداتٍ شابةٍ، أو قياداتٍ تملك دماءً جديدةً تضخها في أوردة السلطة. كذلك سيوفر الاعتراف نفسه للسلطة فرصةً للانضمام إلى مزيدٍ من المؤسسات الدولية، والضغط على إسرائيل ومحاسبتها في المحافل الدولية، كما هو الحاصل في محكمة العدل الدولية.
عمومًا، يبدو الاعتراف خطوةً نحو إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ومكانتها على جدول أعمال الدول المعنية، وحتّى غير المعنية، التي باتت تعتبرها عاملًا مؤثرًا على الاقتصاد والسلام العالمي. من هذا المنطلق وغيره، فإنّ الحرب الإسرائيلية على غزّة لم تعد دفاعًا عن النفس بقدر كونها حرب إبادةٍ من جهةٍ أولى، ومن جهةٍ ثانيةٍ، حربًا استعماريةً غير مسبوقةٍ من حيث عنفها وشدتها وأهدافها المنطلقة من فكرٍ يسعى إلى تطهيرٍ عرقيٍ للقطاع، وإلقاء المسؤولية على الدول العربية لاستقبال النازحين، وخصوصًا مصر والأردن. لكن موقف هاتين الدولتين، من البداية، كان رافضًا لأيّ ترحيلٍ، وواضحًا بتحميل إسرائيل كامل المسؤولية. وخلاصة القول إنّ خطوة الاعتراف بدولة فلسطين من دولٍ أوروبيةٍ هو بداية تشكيل سلسلةٍ من الاعترافات على مستوى الدول، وأيضًا على مستوى مؤسساتٍ وحركاتٍ نضاليةٍ متضامنةٍ مع الحقّ الفلسطيني المشروع.