تشي زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى العاصمة السورية دمشق، أمس الاثنين، أن هناك توجهاً جديداً لدى الحكومة المصرية، تجاه النظام السوري الذي يحاول الاستفادة من التعاطف العربي إثر الزلزال الذي ضرب شمال وغرب سورية في 6 فبراير /شباط الحالي، لتحقيق مكاسب سياسية تعيد تعويمه في المحيط العربي.
شكري في دمشق: زيارة تضامن
وذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام أمس، أن رئيس النظام بشار الأسد التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي أبلغه "تحيات" الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "واعتزازه بالعلاقات التاريخية بين سورية ومصر، وحرص القاهرة على تعزيز هذه العلاقات وتطوير التعاون المشترك بين البلدين"، بحسب "سانا". وكان المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، قد أكد في بيان له، أن الزيارة هدفها "نقل رسالة تضامن من مصر مع سورية وشعبها الشقيق عقب كارثة الزلزال الذي خلّف خسائر فادحة".
وقال وزير الخارجية المصري (الذي زار تركيا أمس أيضاً)، إنه نقل رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي للأسد لـ"التأكيد على التضامن مع سورية والاستعداد لمواصلة دعمها بمواجهة آثار الزلزال". واعتبر شكري، خلال مؤتمر صحافي عقده مع وزير خارجية النظام فيصل المقداد، أن زيارته إلى دمشق "إنسانية في المقام الأول وللتضامن مع شعب سورية" بمواجهة آثار الزلزال. وأضاف: "في هذه المحن نتعامل من أرضية ما يربطنا من أواصر إنسانية وهذا ما نركز عليه حالياً".
شكري: زيارة دمشق إنسانية في المقام الأول وللتضامن
وأشار شكري إلى أنه نقل رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى رئيس النظام بشار الأسد "بالتضامن والمواساة مع الشعب السوري والاستعداد لتقديم ما نستطيع لدعم مواجهة آثار الزلزال". كما لفت إلى أن بلاده، التي قدّمت 1500 طن من المساعدات لسورية بعد الزلزال، ترغب بتأمين دعم إضافي "بالتنسيق الكامل كما كان منذ البداية مع الحكومة السورية وفقاً للأولويات التي تحدّدها".
وتعرض شمال وغرب سورية لزلزال مدمر في 6 فبراير، ما أدى إلى مقتل وإصابة وتشريد عشرات الآلاف من المواطنين، وهو ما فتح الباب أمام أطراف عربية للتقارب مع الأسد تحت غطاء التعاطف والتضامن.
وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها وزير خارجية مصري العاصمة السورية منذ أواخر عام 2011 حين جمّدت الجامعة العربية عضوية النظام السوري فيها بسبب رفضه التعاطي مع الجهود العربية لتطويق الأزمة التي خلقها بسبب بطشه بالمطالبين بالتغيير السياسي في البلاد. وكان شكري قد التقى المقداد، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2021.
ومنذ بدايات الربيع العربي في 2011، مرّت العلاقة بين النظام السوري ومصر بالعديد من المنعرجات السياسية، إذ فتح المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد تنحي الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، الباب أم المعارضة السورية. وعقدت هذه المعارضة الكثير من المؤتمرات السياسية في العاصمة المصرية خلال مرحلة الحكم العسكري الذي اتبع سياسة الباب المفتوح مع السوريين، حيث توافد أكثر من مليون سوري إلى مصر هرباً من بطش النظام وبحثاً عن ملاذ آمن لهم.
كما دعم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي الذي تولى السلطة منتصف عام 2012 الثورة وأبدى الاهتمام بالسوريين الذين اختاروا الإقامة في مصر. ولكن عقب إطاحة مرسي، خرج الكثير من السوريين من مصر، خصوصا بعد أن حرّضت وسائل إعلام مصرية الشارع المصري ضد السوريين. ولكن هذه الحملة هدأت مع تولي السيسي السلطة في عام 2014، والذي تماهى مع موقف العديد من الدول العربية ومنها قطر والسعودية برفض الانفتاح مع النظام السوري ما دام لم ينخرط في عملية سياسية تفضي إلى حلّ لأزمة بلاده.
ووقفت مصر في وجه محاولات دول عربية عدة خلال السنوات الماضية لإعادة النظام السوري إلى مقعده في الجامعة في تساوق مع موقف المملكة العربية السعودية وقطر. ولكن الحكومة المصرية لم تغلق الباب كاملاً أمام النظام السوري حيث أبقت على تنسيق أمني معه، كشفت عنه زيارة قام بها رئيس مكتب "الأمن الوطني" التابع للنظام، اللواء علي مملوك، إلى القاهرة، في عام 2018 بدعوة من رئيس جهاز المخابرات المصرية، عباس كامل.
محمد سالم: التطبيع العربي مع النظام السوري "لن يكون من دون مقابل"
خطوة أولى في اتجاه التطبيع
وفي تعليق على زيارة شكري، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الزيارة "هي خطوة في اتجاه التطبيع مع النظام السوري"، مضيفاً أن "هذا النظام يحاول توظيف دبلوماسية الكوارث من أجل تحقيق تقارب مع الأطراف العربية والإقليمية".
غير أن سالم اعتبر أن التطبيع العربي مع النظام السوري "لن يكون من دون مقابل"، معرباً عن اعتقاده بأن "السعودية تدير الملف السوري عربياً". وأكد بحسب اعتقاده أن "التحرك المصري ليس أحادياً، خصوصاً أن القاهرة كانت متشددة تجاه عودة النظام إلى الجامعة العربية خلال قمة الجزائر أواخر العام الماضي، تماشياً مع موقف الرياض".
وبرأي مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري"، فإن "هناك حراكاً يبدو أن الرياض تقوده، وتأتي زيارة شكري في سياقه، والهدف منه تقديم مبادرة للنظام السوري للتوصل إلى حل سياسي وفق القرار 2254، وإطلاق سراح المعتقلين، حيث يبدو أن الجانب العربي يريد تحريك مياه الحل الراكدة في سورية".
لكن سالم غير متفائل بإمكانية تجاوب النظام السوري مع الجهود العربية للتوصل لحلول سياسية. وبرأيه، فإن هذا النظام "لم يستجب سابقاً لكل المبادرات الإقليمية والعربية والدولية، لذا من الصعب أن يستجيب الآن. إنه مصرّ على التعنت ورفض كل القرارات الدولية ذات الصلة بالملف السوري".
وفي السياق، بيّن المحلل السياسي أحمد القربي في حديث مع "العربي الجديد" أن "القاهرة في عامي 2018، و2019 كانت تدفع في اتجاه إعادة النظام إلى الجامعة العربية، لكن النظام لم يبد أي مرونة سياسية تجاه تحريك ملف الحل السياسي في سورية".
وأعرب القربي عن اعتقاده بأن "زيارة سامح شكري محاولة لجسّ نبض النظام لجهة المضي في حلّ سياسي والحد من النفوذ الإيراني في سورية"، مضيفاً أن "النظام سيحاول أن يوظف الزيارة لتحقيق مكاسب من دون تقديم أي تنازلات، خصوصاً لجهة الحل السياسي وإطلاق سراح المعتقلين وتيسير دخول المساعدات إلى الشمال السوري".