واستطاع تنظيم "داعش" احتلال عدد من البلدات والقرى القريبة من مدينة سامراء في المعارك التي شهدتها المنطقة في اليومين الأخيرين، الأمر الذي دفع بإيران إلى تعزيز قوات الحرس الثوري المتواجدة في محيط مرقد الامامين العسكريين وسط المدينة بنحو مائة عنصر إضافي، فضلاً عن سحب جزء من مليشيات "بدر" و"العصائب" المتواجدة قرب الفلوجة ودفعها لتأمين أسوار سامراء.
واستغل تنظيم "داعش" سوء الأحوال الجوية للتقدّم، إذ تسبّب استمرار هطول الأمطار والعواصف الرعدية بإخراج سلاح الجوي العراقي والأميركي من نطاق التغطية الفعالة للمعارك، ونجح مقاتلو التنظيم بدخول بلدة الحويش وقرى الخزيمي والبو علي وحجي حسين وخط اللاين والشريف عباس والنخوة غرب وشمال غرب سامراء، وشنّوا هجمات مباغتة على قوات الجيش والشرطة والمليشيات تمكّنوا إثرها من السيطرة على أغلب تلك المناطق. ولم تعد تفصل التنظيم عن القصر العباسي التاريخي سوى بضعة كيلومترات، كما يبتعد عن مركز مدينة سامراء نحو سبعة كيلومترات فقط، وفقاً لمصادر عسكرية عراقية رفيعة تواصلت معها "العربي الجديد".
ويكشف عميد في هيئة رئاسة أركان الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، أن "نحو 100 عنصر من الحرس الثوري الإيراني وصلوا سامراء فجر أمس الخميس لتأمين المرقد المقدس من أي خطر، بعد اقتراب داعش من المدينة"، مشيراً إلى أن "العناصر الإيرانية ستشارك الحشد الشعبي ملف حماية المرقد في حال اقتحم داعش سامراء".
ويستبعد العميد العراقي أن يكون هناك خطر وشيك على المدينة في الوقت الحالي كون المعارك لا تزال في بدايتها، وإمكان استهداف مقاتلي "داعش" عبر الطيران بعد تحسّن الأحوال الجوية، فضلاً عن نقل قطعات من الجيش و"الحشد الشعبي" من بغداد ومحيط الفلوجة إلى المدينة لتأمينها، مؤكداً أن "القوات العراقية تحوّلت إلى الوضع الدفاعي منذ يومين".
خلال ذلك استقبل مستشفى سامراء يوم الأربعاء وحتى صباح الخميس، 56 قتيلاً من المليشيات والقوات النظامية، وعشرات الجرحى نتيجة المعارك، وفقاً لمصادر طبية. فيما بث "داعش" صوراً وفيلماً قصيراً يوضح فيه سيطرته على المناطق القريبة من مدينة سامراء، من بينها منشأة المثنى ومخزن حبوب سامراء الرئيس الخاص بالحنطة والشعير، فضلاً عن المنطقة المحيطة بسد سامراء المائي الذي يصل بين تكريت ومدينة سامراء، وهو طريق حيوي، وبسيطرة التنظيم عليه يقطع الطريق على أغلب أرتال الجيش والمليشيات القادمة والمغادرة إلى بغداد.
اقرأ أيضاً: معسكرات تدريب مدرسية لمليشيات برلمانية في العراق
ويثير هجوم "داعش" على سامراء جملة من المخاوف السياسية الكبيرة في العراق، فضلاً عن قلق بالغ في الشارع العراقي خشية تدخّل علني لإيران، وهو ما يعيد سيناريو الحرب الطائفية في البلاد الذي تم منتصف العام 2006 عقب تفجير المرقد المقدس في سامراء، والقتل المتبادل على الهوية الطائفية وسقط على إثرها نحو ربع مليون عراقي بين قتيل وجريح ومفقود وأُحرقت عشرات دور العبادة، خصوصاً وسط العراق وجنوبه.
يقول الخبير الأمني واثق العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "داعش تنظيم لا يستسلم بسهولة، وهو من أخطر التنظيمات العالميّة التي تتمتع بقدرات قتالية كبيرة وخطط تكتيكيّة سريعة التنفيذ"، مبيناً أنّ "التنظيم في حال كانت لديه جيوب بسيطة فإنّه يستطيع من خلاها تنفيذ هجمات كبيرة تربك الوضع الأمني ويستعيد المناطق التي سُلبت منه، فكيف الحال مع سيطرته على كل هذه المناطق في محافظة صلاح الدين، فضلاً عن تأمينه خط إمداداته عبر الموصل؟". ويعتبر أنّه "من غير الممكن اعتبار محافظة صلاح الدين وبلدة بيجي محرّرة مع هذا التواجد الكبير لداعش".
ويشير إلى أنّ "القوات العراقية في معركة تكريت السابقة، اطمأنّت لبعض التقدّم الذي حققته، وتحدّثت عن النصر، الأمر الذي منح داعش فرصة لاستعادة أغلب المناطق التي سُلبت منه، لذا يتحتم على القوات الأمنيّة عدم الاطمئنان للتنظيم، والتعامل معه بجدّية وضمن مقاييس القوة الحقيقيّة، وأخذ الاحتياطات اللازمة لصدّ هجماته".
ويرى العبيدي أنّ "التنظيم يحاول إشغال القوات العراقيّة بفتح ثغرات في سامراء، لما تمثّله من خصوصيّة دينيّة لدى الشيعة، لأنّها تضم مراقد ومزارات دينيّة"، موضحاً أنّ "ذلك الإشغال محاولة من التنظيم لجرّ القوات العراقيّة إلى سامراء لكي يشنّ هجوماً واسعاً على بيجي". ويدعو القوات العراقيّة إلى "عدم اللجوء للأسلوب الدفاعي فقط، واعتماد أسلوب الهجمات المتتابعة على التنظيم ووضع خطة لتحرير المحافظة بشكل كامل".
اقرأ أيضاً: تناقضات أميركية في الخطة الجديدة ضد "داعش":تورّط برّي مجدداً؟