خفايا ومفاجآت مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
02 أكتوبر 2020
جنوب لبنان-حسين بيضون
+ الخط -

أنهى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، أمس الخميس، مهامه التفاوضية ومشى، مُمَرِّراً الشعلة إلى الرئيس ميشال عون والجيش اللبناني، بعدما أمسك بـملف ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي لسنوات طويلة، متجاوزاً صلاحيات رئيس الجمهورية الذي أناطَ به الدستور، عبر المادة 52 منه، تولي المفاوضات في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، بالاتفاق مع رئيس الحكومة.

إعلانٌ كان كفيلاً بتوجيه أصابع الاتهام إلى "حزب الله"، من الفريق المعارض له، ومناصريه، باتهامه بالتطبيع مع إسرائيل، وأن معركته ليست مع العدو، إنما لتغيير هوية لبنان، وغيرها من ردود الفعل، التي لم يردّ عليها بعد "حزب الله" أو حتى على الاتفاق بحد ذاته، من خلال بيان رسمي. إلا أنّ الحزب عبّر عن موقفه من خلال مقدّمة قناة "المنار" التابعة له، في نشرتها المسائية أمس الخميس، والتي ركّزت على عبارة "لاءات ثلاث محمية بمعادلة ثلاثية، لا تفاوضَ مباشراً كما كانَ يريدُ الصهاينة، أي لا تفاوضَ دبلوماسياً وإنما بالبزةِ العسكريةِ وعبرَ وسيطٍ وفي مقرِ الأممِ المتحدة، ما يؤكدُ حالَ العداءِ مع الكيانِ الصهيوني. لا فصلَ بينَ البرِّ والبحرِ كما كانَ يرجو العدوُ وإنما تلازمٌ بينَ المسارين. لا تنازلَ عن نقطةِ ماءٍ ولا حبةِ ترابٍ كما هي القاعدةُ الحاكمةُ على الدوام"، مضيفةً، "لاءاتٌ لن تستحيلَ كتلكَ العربيةِ تطبيعاً أو تكاملاً معَ الصهاينة، بل لاءاتٌ لبنانيةٌ ستبقى محميةً بالمعادلة الثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة كما قال الرئيس بري، لاسترجاع كامل الحقوق".

ويقول مصدرٌ مطلعٌ على ملف المفاوضات لـ"العربي الجديد" إنّ اتفاق الإطار الذي أعلن عنه بري يُمهّد لانطلاقة مرحلة جديدة للبنان، اعتقدنا أنها ستبدأ من خلال حكومة جديدة برعاية المبادرة الفرنسية "المتعثرة" اليوم، بيد أنّ المفاجأة الكبرى رغم توقّعها أتت بتسوية أميركية، في ملف ترسيم الحدود الذي سيشهد في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي الاجتماع الثلاثي، اللبناني – الإسرائيلي – الأميركي، بحضور شخصي لمساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شنكر برعاية وتحت راية الأمم المتحدة في مقرّها الناقورة جنوب لبنان، في ظلّ انقطاع المحادثات بالشأن الحكومي.

لم يردّ "حزب الله" رسمياً بعد على ردود الفعل على الاتفاق أو حتى على الاتفاق بحد ذاته

 

ويشير المصدر الذي فضّل عدم نشر اسمه إلى أنّ المصالح متناقضة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي في ملف ترسيم الحدود، فلبنان يفتّش عن الأرباح الاقتصادية، لما لها من دورٍ في انتشاله من أزمته الخانقة، وإنعاش لبنان وسداد ديونه وفق ما قال الرئيس بري، مع بعض الغايات الثانوية، بينما كشفت إسرائيل، وكانت أول من أعلنت عن اتفاق الاطار، لأسبابٍ أمنية، وإن كانت في العلن تتذرّع بالمنافع الاقتصادية، إذ إنّه في حال تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة، والخط الأزرق لا خلاف عليه، تبقى قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فعند إيجاد الحلّ، ينتفي الخلاف على الأرض ويحقق العدو إنجازاً أمنياً، باعتبار أن لا عذر عندها لبقاء المقاومة اللبنانية، أي "حزب الله".

ويلفت المصدر نفسه إلى أنّ علامات استفهام كبرى توضع على دور الوسيط الذي ستلعبه أميركا في المفاوضات، إذ يجب التنبّه إلى أنّ شركة "شيفرون" الأميركية قامت بشراء شركة "نوبل إنرجي" المشغلة لبعض حقول النفط والغاز الإسرائيلية، ومنها حقل ليفاتان، وبالتالي، فإنّ الدور الإيجابي الذي ستلعبه ميّال إلى العدو الإسرائيلي لا لبنان، ولا سيما أنّ الموقف الأميركي واضح من إسرائيل وعلاقة الطرفين الاستراتيجية والأمنية.

 

في الشق السياسي، يتوقف المصدر عند توقيت الإعلان عن اتفاق إطار، في ظلّ نية أميركا إغلاق سفارتها في بغداد – العراق، والاهتمام الأميركي بالحوض المتوسط، وبالتزامن مع تحسن العلاقات الأميركية القبرصية اليونانية التي كانت "فاترة"، إذ أصبحنا أمام معاهدات استراتيجية مع الدولتين، وقد سُمح لقبرص لأول مرة منذ الحرب التركية ببيع الأسلحة، وإنشاء خط "ايست ميد" من قبالة سواحل العدو وقبرص واليونان ويصل إلى جنوب إيطاليا، وهو بمثابة ثقل جديد لأميركا في المنطقة، ما يطرح السؤال حول ما إذا كان لبنان جزءاً من إعادة توجيه السياسة الأميركية في الشرق المتوسط، وحتى إن الفرنسيين يلعبون اللعبة نفسها.

ويقول المصدر إنه لا يمكن إغفال الدور الإيراني، إذ إن لبنان على خط تماس بين إيران وأميركا، وهذه اللعبة جزء من لعبة البلدين، ومن الطبيعي أن ما حصل أمس بموافقة إيرانية، فهل هناك فك ارتباط إيراني إسرائيلي؟

بدوره، يقول مدير "المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات"، العميد الركن خالد حماده، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأميركي هو ضابط الإيقاع في الاتفاقيات، ويختار التوقيت الذي يصبّ في مصالحه لعقد أي اتفاقية، يصفها بـ"التاريخية"، ويأتي هذا الإعلان بالتزامن مع إشهار التحالف بين إسرائيل والإمارات وغيرها من المعاهدات، علماً أنّ المشكلة بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي لا تقتصر على التطبيع، بل هناك مسألة الحدود والأراضي المحتلة.

ويشير حماده إلى أنّ الاتفاق لا يعني أنّ هناك تنازلاً يُقدَّم لـ"حزب الله"، لأن الولايات المتحدة ليست بوارد التنازل لطهران من أجل البلوك رقم 9 أو غيره، في المقابل، هناك حاجة ملحة وانهيار اقتصادي في لبنان دفعه إلى الاستجابة السريعة، أو لكسب الوقت قبل الانتخابات الأميركية وتخفيف الضغط على طهران و"حزب الله". وفي مطلق الأحوال، فإنّ القرار 1701 ضمن قواعد الاشتباك التي سترعى الأمن على الحدود، ويفترض ألا يكون إلّا السلاح الشرعي في جنوب الليطاني.

من ناحية ثانية، يقول حماده إنه يبدو أنّ هناك مفاوضات سرية على الجانب السوري، وأعتقد أنه إذا أراد الإسرائيلي ترسيم الحدود البرية والبحرية قد نكون أمام مفاجأة الانتهاء من مسألة مزارع شبعا، ما يعني فصل المسار السوري عن الإيراني، والانتهاء من أي مبرر لوجود سلاح تحت عناوين الممانعة أو المقاومة في الجنوب، وبرأيي فإنّ التوقيت أيضاً في الملف السوري سيكون الأميركي الناظم له، مضيفاً: "لبنان لا يملك ترف الوقت والدلع، فالقرار متخذ بإنهاء الصراع، والأميركيون يقدّمون "العصا والجزرة" (تعبير مجازي أوروبي لمبدأ الثواب والعقاب)، فإما شبعا لبنانية والمطلوب ترسيم الحدود، وإذا لم تكن كذلك، فليس المطلوب تحريرها من "حزب الله"، وهذا الترسيم يحتاج إلى خطاب سوري لبناني سيكون أيضاً الأميركي ضابط التوقيت فيه". ويشير إلى أنّ "قول بري بانتهاء مهمته، يعني أن الملف أصبح في عهدة الجيش اللبناني واللجان التقنية، وأيضاً أعتقد أنه لا يريد الدخول في متاهات الصراع أو في ما يمكن أن يظهر أي تباين مع سورية".

 

من جهته، يرى النائب الذي ينتمي إلى "تيار المستقبل" (بزعامة سعد الحريري)، محمد الحجار، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ ما حصل أمس أمرٌ جيدٌ من شأنه أن يحلّ مشكلة الحدود البحرية، والاستحصال بالتالي على حقوقنا من العدو الإسرائيلي، لناحية الموارد الغازية النفطية الموجودة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة.

ويشدد الحجار على أنّ الدول ليست "كاريتاس" (منظمة تعمل في مجال التنمية والمساعدات الإنسانية)، والأميركيون لديهم مصالح على أبواب الانتخابات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تُظهر للرأي العام العالمي والأميركي أنّهم استطاعوا حلّ مشكلة مرّت عليها سنوات طويلة من النزاع بين لبنان والعدو الإسرائيلي، ما يطرح علامات استفهام حول أنّ الثنائي الشيعي، أي "حزب الله" و"حركة أمل" (بزعامة بري)، قدّما دعماً معنوياً للرئيس الأميركي دونالد ترامب في حملته الانتخابية من خلال اتفاق الإطار، فهل مصلحته تكمن في استثمار الموارد أو هناك أسباب أخرى، وكأنه يحاول أن يحسّن علاقاته مع الأميركيين؟".

ويضيف أن بري، الذي يمثل الثنائي الشيعي، أظهر أمس الخميس، أيضاً، أنّ فريقه قادر على إيجاد الحلول والتصعيد والتخريب في أي وقتٍ، وأنه موجود ويلعب دور المقرّر، علماً أنّ الملف منذ البداية شهد تجاوزاً للدستور، على الصعيد اللبناني، باعتبار أنّ صلاحيات التفاوض منوطة برئيس الجمهورية الذي لم يدافع عن حقه الدستوري، علماً أنّه سعى في مراحل سابقة مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لجعل الملف بيد السلطة التنفيذية، لكن تمسّك الثنائي الشيعي بموقفه حال دون ذلك، وخصوصاً "حزب الله" الذي رفض ذلك، وقال صراحة وبشكل مباشر إنه لا يريد إلّا نبيه بري المفاوض في الموضوع، وحصل ذلك برضى أميركي، فهم يعرفون أن الحزب هو المقرّر.

وفي سياق الأزمة بين لبنان وسورية، وخروج اتهامات بالتفاوض مع إسرائيل في مسألة ترسيم الحدود وهو العدو للبنان، ورفض الشروع في ذلك مع النظام السوري، يقول، الحجار، إنه على الرغم من ارتكابات النظام السوري، تبقى سورية دولة شقيقة، ولا أتعاطى مع العدو مثل الشقيق، ولكن هذا لا يعني أنّه يجب تأجيل المفاوضات اللبنانية السورية، فأنا مع ترسيم الحدود، وهذا القرار معلن عنه سابقاً، وحتى في عام 2006 بالحوار الذي تم برعاية بري لناحية تحديد الحدود اللبنانية السورية، وهو يصب أيضاً في مصلحة سورية، وبالتالي، فأنا لا أضع سورية بنفس خانة العدو الإسرائيلي، ولكن في الوقت نفسه أطالب بتحديد الحدود، لما في ذلك من دور في منع التهريب وضبط الفلتان الحاصل والذي يظهر اليوم "بأسوأ حلله" لناحية تهريب المازوت والقمح وغيرهما من المواد التي يُحرم منها اللبناني، وتضعه في أزمة شحّ خطيرة على الصعد كافة.

 

وفي وقتٍ كان لافتاً عدم استخدام بري كلمة "عدو" أو فسلطين المحتلة، معتمداً "إسرائيل" في مؤتمره، كمؤشر للنوايا الإيجابية اللبنانية تجاه الطرفين الإسرائيلي وحتى الأميركي، وبالتزامن مع الحديث عن تراجع واشنطن في حصارها المالي على الحزب، يؤكد مصدر دبلوماسي أميركي، لـ"العربي الجديد"، أنّ أميركا لن تتراجع عن معركتها المعلنة مع "حزب الله"، وهي ستستمرّ بالوتيرة نفسها، للقضاء على السلاح غير الشرعي الذي له أثمان باهظة على الشعب اللبناني، بدأ يعيش أسوأ مراحلها اليوم، والمفاوضات بدأت قبل أكثر من ثلاث سنوات، وفي هذه الفترة، كانت العقوبات الأميركية إلى تصاعد لتطاول حتى اليد اليُمنى للرئيس نبيه بري أي وزير المالية السابق علي حسن خليل، وحليفه الأبرز "تيار المردة" بزعامة سليمان فرنجية عبر وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، مشدداً على أنّ الحزب سيبقى بنظرنا إرهابياً حتى يُثبت عكس ذلك، بتسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية، ويضع نفسه تحت غطائها الشرعي، من دون العبث بقرارات الحرب والسلم.

ذات صلة

الصورة
قناة السويس من جهة الإسماعيلية، 10 يناير 2024 (سيد حسن/Getty)

سياسة

دعت جهات مصرية إلى منع مرور السفن الحربية الإسرائيلية في قناة السويس بعد توثيق مشاهد عبور سفينة حربية إسرائيلية فيها أخيراً، وسط غضب شعبي مصري.
الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
ما تركه المستوطنون من أشجار مقطوعة ومحصول مسروق في قرية قريوت (العربي الجديد)

سياسة

تعرضت الأراضي الزراعية في موقع "بطيشة" غربي قرية قريوت إلى الجنوب من مدينة نابلس لهجوم كبير من المستوطنين الذين قطعوا وسرقوا أشجار الزيتون المعمرة