استمع إلى الملخص
- برز جوزاف عون كمرشح طبيعي للرئاسة بفضل دعمه الدولي والعربي وتوافق واسع داخلياً، رغم التحديات السياسية مع التيار الوطني الحر وحزب الله، الذي لم يضع فيتو على ترشيحه.
- يُعتبر منصب قائد الجيش في لبنان مرشحاً طبيعياً للرئاسة، وجوزاف عون هو أول رئيس من منطقة الجنوب، مع إمكانية تجاوز العقبات الدستورية كما حدث مع ميشال سليمان.
انتخب المجلس النيابي اللبناني، اليوم الخميس، قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية بعد شغور المنصب منذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، فشل مجلس النواب من وقتها في انتخاب رئيس خلال 12 جلسة عقدها لهذه الغاية حتى تمكن من النجاح في جلسة اليوم، وحصل الرئيس المنتخب على 99 صوتاً من أصل 128. وبذلك بات عون الرئيس 14 للبنان وخامس قائد جيش ينتخب رئيساً للجمهورية.
وبرز اسم جوزاف عون (لا يمت بقرابة لميشال عون) على الساحة السياسية، مرشحاً رئاسياً لعدة عوامل أبرزها ما يُصطلح على تسميته في لبنان بأن قادة الجيش هم مرشحون طبيعيون لرئاسة البلاد، خصوصاً في عهد ما بعد اتفاق الطائف (الموقع في عام 1989). مع العلم أن منصب رئاسة الجمهورية في لبنان مخصص للطائفة المارونية بحكم العرف لا القانون، تبعاً للتوزيع الطائفي للمناصب الرئيسية في الدولة اللبنانية. لكن اكتساب ترشيح جوزاف عون زخماً متزايداً يعود أيضاً إلى الدعم الذي يحظى به دولياً خصوصاً أميركياً، وكذلك التأييد العربي، مع توافق واسع لبنانياً.
سعيد مالك: حتى ولو لم يصر إلى تعديل الدستور يمكن انتخاب العماد عون رئيساً
معارك سياسية
واكتسب جوزاف عون أهمية متزايدة في ظلّ التحديات والأدوار المنوطة به وبالجيش، تنفيذاً لقرار وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وواجه عون خلال قيادته الجيش اللبناني، منذ عام 2017، معارك سياسية، خصوصاً على خط التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل (صهر الرئيس السابق ميشال عون)، ووزراء الدفاع المتعاقبين المحسوبين حكومياً على الأخير، من السابقين إلياس بو صعب وزينة عكر والحالي موريس سليم. مع العلم أن المهام والأدوار الأمنية تتطلب ممارسة قائد الجيش مهماته تحت إشراف وزير الدفاع وتوجيهاته، غير أن الخلافات الشخصية والتهديد الذي من الممكن أن يشكله قائد الجيش على باسيل، ربطاً بالزعامة أو المنصب الأول في البلاد حالت دون ذلك وفاقمت التشنجات بين باسيل وعون. وكان باسيل طامحاً للوصول إلى الرئاسة الأولى، بيد أنه لم يحظ بتأييد حليفه "السابق" حزب الله، خصوصاً أن الجيش اللبناني أصلاً يحظى بتأييد وثقة شعبيين. وللمفارقة فإنّ قائد الجيش عيّنه الرئيس السابق ميشال عون، وكان يحظى بتأييده ودعمه وثقته، وأصرّ على وصوله إلى هذا المنصب، بيد أن باسيل لم يكن على وفاق معه لأسباب لا تزال غامضة، رغم تسريبات كثيرة من محيط باسيل، مرتبطة أولاً بما تردد عن تغيّر سياسة جوزاف عون منذ توليه منصبه، خصوصاً تجاه التيار، وعدم تماشيه مع إرادة باسيل، إلى جانب استياء الأخير من طريقة إدارة جوزاف عون لانتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وامتعاضه من عدم اتخاذه إجراءات مشددة تجاه المتظاهرين ومنع إقفال الطرقات. ودعت التظاهرات في حينه إلى إسقاط عهد ميشال عون.
كذلك اتهم أنصار باسيل جوزاف عون بانصياعه للأجندة الأميركية، بينما باسيل تعرّض للعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأميركية بسبب دعمه حزب الله. كذلك، لم يلقَ عون، حتى الأيام الأخيرة، قبولاً من حزب الله وحركة أمل، ودعمهما لترشيحه، خصوصاً أن "الثنائي" يراه وإن بتلميحات ومواقف غير مباشرة، تجسيداً لما تسميه أيديولوجيته وأبواقه "المشروع الأميركي" الذي يسعى إلى القضاء على الحزب. وتعززت هذه الأجندة في ظلّ العدوان على لبنان، رغم أن التبدلات الحاصلة اليوم المتصلة بتطورات المنطقة أبرزها أخيراً في سورية، بسقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، والخسائر التي مني بها الحزب، وموافقته على قرار وقف إطلاق النار الذي يمنح الجيش دوراً أساسياً، دفعت بالحزب إلى إظهار ليونة أكثر تجاهه ودعم لمهامه، مع تمسكه حتى الساعة بمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة". وقد انعكست هذه الليونة الأحد الماضي، بتأكيد مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله، وفيق صفا، أنه "ليس لدينا فيتو على قائد الجيش".
لا فيتو لحزب الله على قائد الجيش وباسيل يرفض انتخابه
منصب قائد الجيش
وتُظهر هذه الخلافات أن منصب قائد الجيش وبوصفه مرشحاً طبيعياً للرئاسة، ليس مرتبطاً فقط بالمؤسسة العسكرية، فهو يدخل في صلب المحاصصة السياسية الطائفية، وتنازع القوى عليه، وهو ما يبرز عند التعيينات العسكرية العليا، التي تدخل دائرة الاشتباك بين الأحزاب التقليدية، التي يسعى كل منها لإيصال المحسوب عليه تنفيذاً لمصالحه وأجنداته الداخلية كما الخارجية. وبدأت تتكرس مقولة إن "كل قائد جيش هو رئيس مستقبلي للبلاد"، نظراً للتجارب التاريخية، التي بدأت مع انتخاب فؤاد شهاب رئيساً للبنان عام 1958، بعدما كان أول قائد للجيش مع تأسيسه عام 1945 رسمياً، بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، وحظي وقتها بتأييد وإشادة لدوره في إدارة الدولة. كذلك، تولى إميل لحود، قائد الجيش سابقاً، الحليف الأبرز لنظام الأسد، رئاسة الجمهورية عام 1998، وأيضاً العماد ميشال سليمان عام 2008، الذي انتخب بتسوية بعد فراغ رئاسي استمر نحو ستة أشهر، تخللته أحداث أمنية عدة، خصوصاً أحداث السابع من مايو/أيار من العام نفسه، حين اجتاح حزب الله وحلفاؤه العاصمة بيروت بالسلاح. كذلك انتُخب العماد ميشال عون عام 2016، علماً أن عون كان نائباً وقائداً للتيار حين انتخابه رئيساً بعد تعطيل رئاسي فاق السنتين، ربطاً بتمسك حزب الله به وفرضه مقولة "عون أو لا أحد".
وتنصّ المادة 25 من قانون الدفاع الوطني على أنه "يعيّن قائد الجيش من بين الضباط العامين المجازين بالأركان، الذين لم يسبق أن وضعوا في الاحتياط بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الدفاع الوطني". ويتولى قائد الجيش بحسب المادة 26 مهام إعداد الجيش للمهام الموكلة إليه ورفع مستواه القتالي وقيادة العمليات العسكرية، وذلك يقتضي تنظيم القطع والوحدات وتحديد مهامها وإدارتها وتنفيذ عمليات التأهب والتعبئة عند إعلانها، وتحضير الخطط وأوامر القتال ووضع البرامج اللوجستية لها واستدراك حاجات الجيش والمحافظة على مستوى التجهيزات والعتاد بعد تسلمها من الإدارة العامة.
ولعل المعركة العسكرية الأبرز التي طبعت وجود عون في قيادة الجيش منذ توليه منصبه في الثامن من مارس/آذار 2017 هي معركة "فجر الجرود"، يوم أعلن لبنان في 30 أغسطس/آب 2017، أنه حقق نصراً على تنظيم داعش وطرده من المناطق التي كان يسيطر عليها، في جرود رأس بعلبك - القاع، شرقي لبنان على الحدود مع سورية.
جوزاف عون في سطور
ولد جوزاف عون في 10 أكتوبر 1964، في سن الفيل، قضاء المتن، شمالي بيروت. وهو متحدر من بلدة العيشية في قضاء جزين، جنوبي لبنان. وقد حاز على إجازة في العلوم السياسية باختصاص شؤون دولية وإجازة جامعية في العلوم العسكرية، وتطوع في الجيش بصفة تلميذ ضابط وألحق في الكلية الحربية اعتباراً من 19 مايو 1983. وخلال التحاقه بالمؤسسة العسكرية، نال عون عدة ترقيات، أهمها إلى رتبة عماد، وعين قائداً للجيش في الثامن من مارس 2017. وخضع عون للعديد من الدورات الخارجية، ففي الولايات المتحدة خضع لدورتي مشاة في عامي 1988 و1995 ودورة إدارة الدفاع الدولي في عام 1999، ودورة ضمن برنامج مكافحة الإرهاب، بين عامي 2008 و2009، أما في سورية، فخضع لدورة صاعقة في عام 1996، ودورة قائد كتيبة بين عامي 2002 و2003. كذلك، نال العديد من الأوسمة والتنويهات، منها وسام الحرب ثلاث مرات، وسام الجرحى مرتين، وسام الوحدة الوطنية، وسام فجر الجنوب، وسام التقدير العسكري من الدرجة الفضية، وسام الأرز الوطني (من رتبة فارس ورتبة ضابط)، وسام مكافحة الإرهاب، وسام الاستحقاق اللبناني (من الدرجات الثالثة، الثانية والأولى).
في حال انتخابه، سيكون جوزاف عون أول رئيس للبنان من منطقة الجنوب
ويعتبر جوزاف عون أول رئيس للبنان من منطقة الجنوب، سواء قبل الاستقلال عن فرنسا في عام 1943، أو بعده. وخلال الانتداب الفرنسي، بين عامي 1920 و1943، كان للبنان ثلاثة رؤساء من العاصمة بيروت وهم شارل دباس، ألفرد نقاش، بترو طراد، فيما انتمى ثلاثة رؤساء آخرين إلى جبل لبنان وهم حبيب باشا السعد، إميل إدة، أيوب تابت. أما بعد الاستقلال، فعرفت البلاد 13 رئيساً للجمهورية، 10 منهم من جبل لبنان وهم بشارة الخوري، فؤاد شهاب، كميل شمعون، شارل حلو، إلياس سركيس، بشير الجميل، أمين الجميل، إميل لحود، ميشال سليمان، ميشال عون. ومرّ رئيسان من شمال لبنان على منصب الرئاسة، وهما سليمان فرنجية (جدّ رئيس تيار المردة، النائب السابق سليمان فرنجية)، رينيه معوض. وكان إلياس الهراوي الرئيس الوحيد من منطقة البقاع، شرقي لبنان. وصدّق البرلمان اللبناني على التمديد لعون على رأس قيادة الجيش للمرة الأولى في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، وذلك في ظلّ الفراغ الرئاسي، والاعتراض المسيحي على تعيين قائد جيش من دون وجود رئيس للبلاد، ومع وجود حكومة تصريف أعمال، صلاحياتها ضيقة النطاق، علماً أن التيار الوطني الحر، رفض التمديد، إلى جانب حزب الله، الذي حضر الجلسة ولم يصوّت يومها، الأمر الذي ترجم بخلاف مع حليفه باسيل. كذلك، صوّت البرلمان للمرة الثانية للتمديد لعون في 28 نوفمبر الماضي، عاماً إضافياً، بتصويت نيابي واسع انضم إليه هذه المرة حزب الله، وذلك بعد يومٍ من دخول قرار وقف إطلاق النار مع إسرائيل حيّز التنفيذ، بجلسة كان حاضرها الأبرز الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان.
رأي دستوري
ويحتاج انتخاب قائد الجيش رئيساً تعديلاً دستورياً ولا سيما لأحكام الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور، وهو ما يؤكده الخبير الدستوري سعيد مالك لـ"العربي الجديد"، لافتاً في المقابل إلى أنه "استناداً إلى سابقة انتخاب الرئيس ميشال سليمان عام 2008 بينما كان قائداً للجيش، فقد تبنى رئيس مجلس النواب الدراسة التي أعدّها الوزير السابق بهيج طبارة وقضت بإسقاط المحظورات بحال جاء الانتخاب استناداً لنصّ المادة 74 من الدستور". تبعاً لذلك، يوضح مالك أنه "حتى ولو لم يصر إلى تعديل الدستور يمكن انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية على أن يبقى لـ43 نائبا حق الطعن بالانتخاب أمام المجلس الدستوري ضمن مهلة 24 ساعة من تاريخ انتهاء الفرز"، مضيفاً "صحيح أن انتخاب عون دون تعديل دستوري يشكل مخالفة دستورية ولكن حتى يصار إلى إعلان إبطال هذا الإجراء لمخالفته الدستور، نحن بحاجة لقرار يصدر عن المجلس الدستوري نتيجة مراجعة تُقدَّم أمامه".