مع وصول الحلّ السياسي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلى طريق مسدود منذ سنوات، خرجت إلى السطح في الآونة الأخيرة خطّة تقوم على فكرة كونفدرالية قائمة على حلّ الدولتين، وضعتها شخصيات فلسطينية وإسرائيلية عامة.
ويتحدث هؤلاء عن أن المقترح سيؤدي إلى قيام دولة فلسطينية تعترف بها إسرائيل، غير أن الخطة تمنح إسرائيل 77.5 في المائة من أراضي فلسطين، بينما يحصل الفلسطينيون على مساحة 22.2 في المائة فقط.
كما تسمح الخطة لعشرات آلاف المستوطنين بالبقاء في الضفة الغربية المحتلة، مع ضمّ مستوطنات كبيرة إلى إسرائيل، مقابل منح مواطنين فلسطينيين مكانة الإقامة الدائمة في إسرائيل.
المستشارة القانونية لفريق التفاوض الفلسطيني في عام 1994، هبة الحسيني، هي أبرز الشخصيات التي تقف وراء الخطة.
وتشرح الحسيني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجديد في خطة الكونفدرالية المقترحة بين فلسطين وإسرائيل، والتي صاغتها مع شخصيات إسرائيلية، على رأسهم (وزير العدل والمفاوض الإسرائيلي الأسبق) يوسي بيلين، هي أنها "تطرح الكونفدرالية كإطار لتطبيق حل الدولتين، القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، على أراضي فلسطين الانتدابية (التاريخية)، أي إقامة دولتين مستقلتين، إسرائيل وفلسطين، غربي نهر الأردن، بحدود واضحة ومتفق عليها".
بحسب الخطة، فإنه لن يتم تشكيل الكونفدرالية إلا بعد إنشاء الدولة الفلسطينية
وتوضح الحسيني أن "دولة فلسطين تتكوّن وفق الخطة، من الضفة الغربية، بما في ذلك أجزاء من القدس الشرقية وقطاع غزة، على أن تكون عاصمتا الدولتين في القدس (الغربية والشرقية، على التوالي): أورشليم (إسرائيل)، والقدس (فلسطين)".
وبحسب الخطة، وفق الحسيني، فإنه لن يتم تشكيل الكونفدرالية إلا بعد إنشاء الدولة الفلسطينية، إن أرادت الدولتان ذلك، وستكون عاصمتا الدولتين في القدس، بحيث تكون القدس مدينة مفتوحة جزئياً، ليتم توسيعها لاحقاً، وتسمح الخطة بمزيد من التعاون بين الدولتين، وتسهّل التنقل بينهما.
وتتوقع الحسيني أن تحظى الخطة باهتمام المجتمع الدولي، في ظلّ الجمود الحالي لعملية السلام الذي يبحث عن أي أفق لكسره.
سمات خطة الكونفدرالية لحلّ الدولتين
ومن السمات المهمة للخطة، وفق الحسيني، السماح لعدد متفق عليه من المواطنين من الدولتين بالعيش في الدولة الأخرى كمقيمين دائمين، شرط التزامهم باحترام قوانين البلد المضيف لهم.
وتلك السمة تزيل عقبة رئيسية أمام التوصل إلى اتفاق سلام، وإخلاء عشرات آلاف المستوطنين بالقوة، في مقابل منح عدد مماثل من المواطنين الفلسطينيين مكانة الإقامة الدائمة في إسرائيل، كفرصة لزيادة عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل، إضافة للحصة المخصصة للفلسطينيين الذين سيصبحون مواطنين في إسرائيل.
وكان يوسي بيلين قد أكد لوكالة "أسوشييتد برس" للأنباء، أن "إلغاء التفاوض بشأن الإجلاء الجماعي للمستوطنين قد يجعل الخطة قابلة للتنفيذ". وأضاف: "نعتقد أنه إذا غاب تهديد الدخول في مواجهات مع المستوطنين، فسيكون الأمر أسهل بكثير لأولئك الذين يريدون حلّ الدولتين. الفكرة نوقشت من قبل، لكن الكونفدرالية ستجعلها أكثر جدوى".
وفي ما يتعلق بمستقبل ومصير مدينة القدس الشرقية في سياق هذه الخطة، تقول الحسيني: "ستكون عاصمتا الدولتين في القدس: أورشليم (إسرائيل)، والقدس (فلسطين). وستقتصر المنطقة المفتوحة في فضاء العاصمتين، القدس وأورشليم، عند تشكيل الكونفدرالية، على البلدة القديمة، وسيحدد الجدول الزمني لاتفاقية السلام موعد فتح منطقة العاصمتين بالكامل، أي ما وراء البلدة القديمة، للسماح بحرية تنقل الأشخاص والبضائع ورؤوس الأموال".
الاستيطان والحدود
وتشير الحسيني إلى أن الموقف الفلسطيني خلال المفاوضات السابقة بشأن الحدود هو بالاستناد إلى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، أما بشأن الأراضي، فكان بتبادل للأراضي بنفس القيمة والمساحة.
وفي الخطة المقترحة، فإن الحدود بين الدولتين المكونتين للكونفدرالية، أي الحدود الدائمة بين إسرائيل وفلسطين، تستند إلى الخط الأخضر (خطوط 1967) مع تبادل للأراضي على أساس 1:1 من الخط الأول للمستوطنات الإسرائيلية فقط (أي المستوطنات التي لا توجد تجمّعات فلسطينية أو بنية تحتية حيوية بينها وبين حدود الخط الأخضر الفاصلة بين الضفة وإسرائيل).
أما المستوطنات الإسرائيلية المتبقية، فستكون تحت السيادة الفلسطينية، وستضم إسرائيل 21 مستوطنة يهودية في الضفة الغربية، يسكنها 247.044 إسرائيليا، و8 أحياء يهودية في القدس الشرقية، يسكنها 200.979 إسرائيليا.
أما بقية المستوطنات في الضفة، وعددها 105، ويبلغ عدد سكانها 193.565 إسرائيلياً، فستبقى تحت السيادة الفلسطينية، وسيكون للمستوطنين الإسرائيليين خيار البقاء في منازلهم كمقيمين دائمين في الدولة الفلسطينية أو الانتقال إلى إسرائيل.
وتقترح الخطة، تبادل أراضٍ بين الدولتين: فمقابل ضم إسرائيل 21 مستوطنة في الضفة الغربية، يتم تعويض الفلسطينيين بأراضٍ بذات المساحة، كما أنه سيتم إقامة ممر تحت الإدارة الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لتمكين التواصل الجغرافي الفلسطيني.
مصير اللاجئين الفلسطينيين
وبشأن اللاجئين الفلسطينيين، تقترح الخطة أنه يحق لكل لاجئ اختيار مكان الإقامة الدائم من بين عدة أماكن، بما في ذلك خيار محدود لإعادة التوطين في إسرائيل، يتناسب مع متوسط عدد اللاجئين الذين تستوعبهم دول أخرى.
وتشمل الخيارات الإضافية لممارسة اختيار اللاجئين مكان الإقامة الدائم: الدولة الفلسطينية، والمناطق في إسرائيل المنقولة إلى الدولة الفلسطينية في عملية تبادل الأراضي، والدول المضيفة الحالية للاجئين، وسيتم تعويض الدول المضيفة مقابل استضافتها للاجئين منذ عام 1948.
دولة فلسطينية على ربع الأراضي
واستناداً للاقتراح، ستوقّع القيادة الرسمية لفلسطين وإسرائيل اتفاقية سلام تحل جميع قضايا الوضع النهائي، وتتضمن جدولاً زمنياً واضحاً يشير إلى الخطوات الإضافية التي تهدف إلى مزيد من الانفتاح على الكونفدرالية، ويتم إنشاء الدولة الفلسطينية على الفور في المنطقتين (أ) و(ب)، وإنشاء كونفدرالية الأراضي المقدسة في نهاية فترة تنفيذ مدتها 30 شهراً.
الخطة تمنح إسرائيل 77.5% من أراضي فلسطين، بينما يحصل الفلسطينيون على 22.2% فقط
وستشمل الدولة الفلسطينية بعد ذلك، 22.5 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية (6.205 كيلومترات مربعة أو 2.395.764 ميلا مربعا)، وتتفق الدولتان على حل النزاعات المستقبلية المحتملة من خلال المفاوضات الثنائية أو وساطة أو تحكيم طرف ثالث.
وإذ تشمل الخطة تحويل القدس (العاصمتين: القدس وأورشليم) إلى مدينة مفتوحة بالكامل، أي ما وراء البلدة القديمة، للسماح بحرية تنقّل الأشخاص والبضائع ورؤوس الأموال، فإن لكل من الطرفين الحق في إرجاء هذه الخطوات لأسباب تتعلق بمصلحتهما الوطنية.
المؤسسات الحكومية والاقتصاد
وستحتفظ الدولتان بمؤسساتهما الحكومية وأنظمتهما القضائية المستقلة، (بمرور الوقت، قد تقرران تشكيل مؤسسات مشتركة)، وسيتطلب أي نقل لسلطة حكومية إلى الدولة الأخرى ضمن ترتيب كونفدرالي، تشريعات دستورية.
وبشأن الاقتصاد، تقترح الخطة أن تحل الدولتان النظام الاقتصادي القائم على بروتوكول باريس الاقتصادي باتفاقية اقتصادية جديدة، بما في ذلك التحول التدريجي نحو اتفاقية التجارة الحرة، وستتعامل لجنة الكونفدرالية الاقتصادية والاجتماعية المقترحة مع مجموعة من القضايا الاقتصادية كالطاقة، والبنية التحتية، والزراعة، وحماية المستهلك، وغيرها.
العلاقات الأمنية والأجواء
أما بشأن الملف الأمني، فتؤكد الخطة أنه لن يكون للكونفدرالية قواتها العسكرية الخاصة، وستحتفظ كل من إسرائيل وفلسطين بقواتهما الأمنية، على غرار الوضع الحالي في الاتحاد الأوروبي.
وستكون حدود فلسطين تحت السيطرة الفلسطينية، ويمنح الإطار الكونفدرالي قوات الأمن في كلا البلدين سهولة أكبر للعمل المشترك، وستدار المعابر الحدودية بين فلسطين والأردن ومصر من قبل فلسطين، ومراقبتها لأغراض أمنية، من قبل الوجود الدولي وإسرائيل.
وستتم المراقبة الإسرائيلية عن بُعد من دون تواجد أفراد أمن إسرائيليين في المعابر. ويشير المقترح إلى السماح للقوات الإسرائيلية بالحفاظ على وجود محدود بالتعاون مع قوة الحدود الفلسطينية على حدود فلسطين مع الأردن، وكذلك مع مصر بمجرد تطبيق الاتفاق في قطاع غزة.
كما أن المطلب الإسرائيلي بمواصلة تشغيل مرافق الإنذار المبكر في الأراضي الفلسطينية التي تستهدف التهديدات الخارجية قد يجد حلاً أسهل في إطار عمل الكونفدرالية، الذي يؤدي إلى تعاون أكبر بين الطرفين، وسيتم إشراك الجانب الفلسطيني بالمعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال هذه المرافق، من دون الكشف عن المصادر.
وسيتحمّل سلاح الجو الإسرائيلي مسؤولية حماية الكونفدرالية من التهديدات الجوية، وسيُسمح له باستخدام كل المجال الجوي للكونفدرالية لاعتراض المنصات الجوية المعادية، وسيكون لفلسطين سلطة استخدام مجالها الجوي لجميع الاستخدامات المدنية، بما في ذلك تشغيل المطارات بالتنسيق المتبادل الضروري لإجراءات السلامة الجوية، وفقاً للمعايير الدولية.
ويشير الاقتراح إلى أنه يمكن لقوة دولية على نطاق كبير، متمركزة في غور الأردن، أن تساعد الفلسطينيين في الدفاع عن الحدود والمعابر الحدودية مع الأردن بالتنسيق مع إسرائيل.
التوقيت والمغزى
وعن توقيت طرح هذه الخطة، تقول الحسيني "إن طرحها في هذا التوقيت لتمكين الفلسطينيين والإسرائيليين من كسر الجمود الحالي في عملية السلام، في ظل هيمنة قوى اليمين في إسرائيل ورفضها حل الدولتين، وتوقف عملية التسوية، وانسداد الأفق السياسي".
وتتابع الحسيني: "نظراً لجو عدم الثقة الحالي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعدم وجود أفق لاستئناف المفاوضات المتوقفة، فإن الخطة تسعى إلى تحقيق خيار حل الدولتين، وتوفير إطار جديد للتفاوض على حل دائم بين الدولتين وليس بديلاً عنه".
تسمح الخطة لعشرات آلاف المستوطنين بالبقاء في الضفة، مقابل منح مواطنين فلسطينيين الإقامة الدائمة في إسرائيل
ورداً على سؤال حول الاختلاف بين الخطة المقترحة ومبادرة بيلين ـ نسيبه، ووثيقة بيلين - عبدربه، تقول الحسيني: "ليست هناك مبادرة باسم بيلين ـ نسيبة، وإنما هناك مبادرة عامي أيالون - نسيبة، والتي تقترح عودة اللاجئين فقط إلى الدولة الفلسطينية، وأنه لن يبقى مستوطنون في الدولة الفلسطينية، إضافة إلى أنها ستكون منزوعة السلاح".
أما بالنسبة لوثيقة بيلين- عبد ربه، والمعروفة بمبادرة جنيف، فهي تنص على إيجاد حل متفق عليه لقضية اللاجئين من دون اقتراح حل لذلك، وسيعطى للفلسطينيين نفس مساحة الأراضي التي ستضمها إسرائيل في المنطقة المتاخمة لقطاع غزة، وإسرائيل ستتولى إعادة توطين المستوطنين من المستوطنات التي ستقع ضمن السيادة الفلسطينية في المناطق التي ستضمها إليها.
التشاور مع القيادة الفلسطينية وآلية التنفيذ
بحسب الحسيني، فإنه "لم يتم بعد إطلاع المستوى الرسمي الإسرائيلي والفلسطيني على الخطة، وعلى الموقف الأميركي والأممي منها، وذلك إلى حين العودة من أميركا، حيث نقوم بطرح الخطة الجديدة لمعرفة الموقف منها"، مشيرة إلى أنه تم طلب عقد اجتماع مع الرئيس محمود عباس لطرحها عليه.
وكانت وكالة "أسوشييتد برس" قد ذكرت أن بيلين والحسيني سيقدّمان خطتهما إلى نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
من جانب آخر، وفيما يتعلق بآلية تنفيذ الخطة، توضح الحسيني أن "الخطوة الأولى ستكون التفاوض على اتفاقية دائمة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة من دون مظلة كونفدرالية، تتبعها فترة تنفيذ تصل إلى 30 شهراً، تعيش فلسطين وإسرائيل خلالها جنباً إلى جنب كدولتين ذواتي سيادة، وفي نهاية فترة التنفيذ فقط ستنشأ كونفدرالية الأراضي المقدسة إذا أرادت الدولتان ذلك".
وتضيف الحسيني أنه "عند توقيع الاتفاق الدائم، ستعترف إسرائيل رسمياً بالدولة الفلسطينية، وستصبح حكومة الدولة الجديدة شريكاً لإسرائيل في جميع الترتيبات نحو التنفيذ الكامل للاتفاقية، وإذا كان هناك قرار خلال فترة التنفيذ من إحدى الدولتين أو كلتيهما، بالتخلي عن فكرة الاتحاد الكونفدرالي، فإن الدولتين تعيدان التفاوض على أجزاء من الاتفاقية، التي تنبع من فكرة الاتحاد الكونفدرالي".