تتبنى جبهة البوليساريو، أخيراً، خطاباً تصعيدياً، بعد إطلاق تهديدات بنقل حربها إلى داخل المناطق المغربية في الصحراء، وذلك بعدما أعلن المسؤول عما يسمى بـ"الجيش الصحراوي" محمد الوالي أعكيك، في تصريح متلفز نقلته وسائل إعلام تابعة للجبهة، يوم الإثنين الماضي، عن استعداد آلاف الشبّان لتنفيذ عمليات عسكرية في مدن الصحراء.
تهديدات جبهة البوليساريو بوجه المغرب
وقال أعكيك إن "الحرب العسكرية قد بدأت الآن، وستستمر مستقبلاً، حيث ستشمل مدن الصحراء"، وإن "الآلاف من الشبّان الصحراويين مستعدون، وكلّهم مشحونون بالوطنية والاستعداد للقتال والحرب بكل الأساليب المتاحة في متناولهم، للقيام بعمليات عسكرية وعمليات نوعية". ولفت إلى أنه "مع الوقت ستظهر نتائج هذه الأعمال القتالية في المناطق المحتلة" على حد قوله.
وتأتي هذه التهديدات في وقت يُنتظر فيه أن يقوم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا قريباً بـ"جولة إقليمية جديدة لمحاولة الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام". كذلك يعول على الجولة لتحريك المياه الراكدة وتجاوز الانسداد الحاصل في قضية مزمنة، لا سيما في ظلّ استمرار الأزمة في العلاقات بين المغرب والجزائر، والتوتر بين المغرب وجبهة البوليساريو، منذ اندلاع أزمة الكركرات (المنطقة العازلة التي تفصل بين المعبرين الحدوديين المغربي والموريتاني) في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. وكان ذلك التوتر قد انتهى بإعلان الجبهة عدم التزامها بقرار وقف إطلاق النار، الموقّع في عام 1991.
يتهيأ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا لجولة إقليمية للدفع بالعملية السياسية إلى الأمام
كما أن تهديدات أعكيك جاءت بعد أيام قليلة من إعراب الاجتماع الوزاري التاسع للتحالف الدولي ضد "داعش"، الذي عُقد في مدينة مراكش المغربية في 11 مايو/ أيار الحالي، عن قلقه "إزاء انتشار الحركات الانفصالية في أفريقيا، التي تقف وراء زعزعة الاستقرار وزيادة هشاشة الدول الأفريقية، وتعزز في نهاية المطاف داعش وغيره من المنظمات الإرهابية العنيفة والمتطرفة".
ويطرح متابعون أكثر من علامة استفهام حول سياقات ومآلات التهديدات التي أطلقتها "البوليساريو". مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي تطلق فيها قيادة الجبهة تهديدات مباشرة باستهداف أهداف مدنية في المحافظات الجنوبية في الصحراء. فقد سبق أن توعدت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بمناسبة مرور سنة على تأمين الجيش المغربي لمعبر الكركرات، بتوسيع نطاق الحرب ونقل عملياتها العسكرية إلى داخل المناطق المغربية في الصحراء، وليس الاكتفاء بالقصف خلف الجدار الأمني المغربي في مناطق بعيدة داخل عمق الصحراء.
كذلك توعّد عدد من قادة "البوليساريو" المؤسسات التجارية والشركات الأجنبية والقنصليات وشركات الطيران وبقية القطاعات في منطقة الصحراء بالتحول إلى أهداف عسكرية محتملة في حال عدم وقف استثماراتها وأنشطتها، داعين إياها إلى الرحيل عن المنطقة.
فرضيات غير مستبعدة لتهديدات "البوليساريو"
ويرى القيادي السابق في "البوليساريو" مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تصريح أعكيك يعتبر "اعترافاً صريحاً بفشل ما فات من حرب الجبهة المعلنة ضد المغرب منذ عام ونصف العام". ويشير ولد سيدي مولود إلى أنه "لا يمكن استبعاد أي فرضية، حتى ولو بدت انتحارية، بما فيها تهديدات الجبهة بنقل معركتها إلى داخل المغرب، عبر تجنيد شباب الأقاليم الصحراوية".
ويوضح القيادي السابق في "البوليساريو" أنه نظراً "للتركيبة القبلية بين سكان المخيمات والأقاليم الجنوبية في المغرب وارتفاع البطالة"، فإنه لا يستبعد "أن تستثمر الجبهة في الفئات الهشّة بالأقاليم الصحراوية للإنابة عنها بالأعمال التخريبية".
ويلفت ولد سيدي مولود إلى أن "المغرب بلغة الشطرنج بقيت أمامه نقلة واحدة ويخرج قوات البوليساريو شرق الحزام الدفاعي من دائرة التأثير، إذا ما مدّ الحزام من جهة منطقة المحبس مسافة 15 كيلومتراً ليصل الحدود الموريتانية الجزائرية. وهو خطأ استراتيجي لا تريد الجزائر الوقوع فيه مرة أخرى، فيتكرر سيناريو الكركرات من جديد". وبرأيه، فإنه لهذا السبب "تتلكأ الجزائر في تسليح البوليساريو بأسلحة دفاعية وهجومية قادرة على الإضرار بمصالح المغرب، حتى لا تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الرباط"، بحسب رأيه.
يذكر أن الحزام الدفاعي هو عبارة عن جدار رملي أنشأته القوات المغربية في ثمانينيات القرن الماضي على طول الحدود المغربية - الموريتانية الجزائرية بطول 2400 كيلومتر، لإحكام المراقبة وضبط الحدود الجنوبية الشرقية، وتمّ إقراره كمنطقة عازلة في عهد الملك محمد السادس كمبادرة حسن نية ومقدمة للمبادرة المغربية بشأن التفاوض من أجل الحكم الذاتي.
وبحسب ولد سيدي مولود، فإن من أهداف الجبهة المعلنة في حربها الأخيرة "جعل احتفاظ المغرب بالصحراء واستمراره في النزاع مكلفاً، إن لم يكن بالخسائر العسكرية فبالخسائر الاقتصادية وإشاعة عدم الاستقرار من خلال استهداف البنى التحتية والمنشآت الحيوية المغربية بأعمال تخريبية".
ولد سيدي مولود: أهداف الجبهة جعل احتفاظ المغرب بالصحراء واستمراره في النزاع مكلفاً
ويلفت القيادي السابق في "البوليساريو" في هذا السياق إلى أنّ للجبهة تجربة مع تلك الأعمال في حربها الأولى، من ذلك أعمال الخطف واستهداف المنشآت الاقتصادية، حتى إن المسؤول الأول عن قواتها العسكرية حالياً يعتبر من أفراد مجموعة من الجبهة فجّرت الحزام الناقل للفوسفات بين بوكراع وميناء العيون سنة 1974 قبل التحاقه بالمخيمات. كما شهدت حرب الجبهة مع موريتانيا "العديد من الأعمال التخريبية استهدفت منشآتها الاقتصادية في الشمال وسكّة القطار الناقل للحديد وخطف المتعاونين الأجانب"، بحسب شرحه.
من جهته، يقول القيادي في حزب الاستقلال (المشارك في الحكومة الحالية) عادل بنحمزة، إنّ "الأمر (التهديدات) يكشف الحاجة إلى تصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية، ما سيكون له بالتبعية تأثير مباشر على وضعيتها في المسار الأممي لأنه في نهاية المطاف يصعب بناء السلام والحلول السلمية مع من يعلن صراحة عن استهداف الشركات والقنصليات وغيرها من الأهداف المدنية واعتبارها أهدافاً عسكرية".
ويوضح المحلل السياسي أيضاً، لـ"العربي الجديد"، أنّ "البوليساريو تعيش حالة يأس وعجز بسبب التبعية المطلقة للنظام الجزائري، وعقم في فهم طبيعة التحولات الدولية، والقبول برهن آلاف الصحراويين لآلة الدعاية الجزائرية". ويعتبر بنحمزة أنه "منذ قرار مجلس الأمن رقم 2602 (بشأن تحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول من الطرفين لمسألة الصحراء على أساس التوافق بينهما)، لم تعد قيادة البوليساريو قادرة على إخفاء وجهها الحقيقي الذي ظل أكثر من أربعة عقود يضع قناع التحرر وتقرير المصير، في وقت تورط فيه كثير من عناصرها في العمل مع الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، كما تورطت قيادة الجبهة في الاتجار بالمساعدات الإنسانية"، على حد وصفه.