مع الكشف عن نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت في مختلف أنحاء أوكرانيا يوم الأحد الماضي، والخسارة الفادحة التي مني بها حزب "خادم الشعب" الموالي للرئيس فولوديمير زيلينسكي، تتزايد التساؤلات حول العوامل التي أدت إلى تآكل شعبية الأخير بهذه الوتيرة بعد مرور أقل من عام ونصف العام على توليه زمام الرئاسة في مايو/أيار 2019، معتلياً موجة من الشعارات الشعبوية والوعود التي لم تتحقق.
وأظهرت نتائج الانتخابات أنّ عدد ممثلي الحزب الحاكم في مجلس العاصمة كييف أقل من عدد ممثلي خمسة أحزاب أخرى، بما فيها "التضامن الأوروبي" بقيادة الرئيس السابق بيترو بوروشينكو، و"المنصة المعارضة - من أجل الحياة" الموالية لروسيا، و"باتكيفشينا" (الوطن) بقيادة رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو. وفي مدن شرق وجنوب أوكرانيا، ذات النسب الأعلى من السكان الناطقين بالروسية، مثل خاركيف ودنيبر وأوديسا، أتى "خادم الشعب" في المرتبة الثالثة، مما يعكس خيبة أمل هؤلاء السكان من زيلينسكي الذي لم يتمكّن من لمّ شمل الأوكرانيين وتسوية النزاع في منطقة دونباس الموالية لروسيا، في شرق البلاد.
عدد ممثلي الحزب الحاكم في مجلس العاصمة كييف أقل من عدد ممثلي خمسة أحزاب أخرى
وبذلك، حصل الحزب الحاكم على نسبة حوالي 20 في المائة فقط من التمثيل في جهات السلطة المحلية على مستوى عموم البلاد، هذا فضلاً عن خسارة مرشحيه في انتخابات رؤساء بلديات المدن الرئيسية، بما فيها العاصمة كييف. وتميزت هذه الانتخابات في العموم، بنسبة مشاركة ضعيفة بلغت 37 في المائة فقط، وفق أرقام لجنة الانتخابات المركزية الأوكرانية.
في السياق، اعتبر المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، أنّ فشل الحزب الحاكم "يعود إلى عدم جدية المشروع السياسي الذي على رأسه زيلينسكي، من أساسه"، مذكراً بأنّ الرئيس الحالي كان في الأساس ممثلاً ساخراً نال شهرته بأدائه دور أستاذ تاريخ يدعى فاسيلي غولوبورودكو، وانتخب رئيساً في مسلسل "خادم الشعب" والذي تم استيحاء اسم الحزب منه. وأوضح تشالينكو، في حديث مع "العربي الجديد"، "استعان الملياردير الأوكراني، إيغور كولومويسكي، بزيلينسكي في الأساس لأداء دور مرشح تقني ينتقد بوروشينكو ويساعد في فوز تيموشينكو، إلا أنه حقق فوزاً كاسحاً على بوروشينكو في جولة الإعادة بحصوله على 73 في المائة من الأصوات".
وحول العوامل التي أدت إلى تآكل شعبية زيلينسكي وحزبه بهذه السرعة، قال: "كان الجميع يتوقع منه أن ينهي الحرب في دونباس، ويكف عن اضطهاد السكان من أصول روسية، ولكنه أظهر ضعفاً وجبناً، متراجعاً كل مرة تحت ضغوط القوميين المتشددين". وأضاف "صحيح أنه لا ينبغي مطالبة مهرج بأداء دور هاملت بمهارة عالية، ولكن الشعب الأوكراني رد على فشل زيلينسكي بالتصويت ضدّ حزبه، مع نسبة مشاركة ضعيفة".
تشالينكو: الشعب الأوكراني رد على فشل زيلينسكي بالتصويت ضدّ حزبه
وإلى جانب التصويت في الانتخابات المحلية، أدلى الأوكرانيون يوم الأحد الماضي، بأصواتهم في ما أطلق عليه اسم "استطلاع عموم الشعب" حول خمس مبادرات رئاسية. وقد حظيت أربع منها بدعم هائل من المصوتين، وهي تقليص عدد النواب في الرادا العليا (البرلمان الأوكراني) من 450 إلى 300، وسجن كبار الفاسدين مدى الحياة، وحق أوكرانيا في اعتماد ضمانات مذكرة بودابست (عام 1994) لاسترداد سيادتها ووحدة أراضيها (أي شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014)، وتقنين استخدام القنب لأغراض طبية. في المقابل، أثار مقترح إقامة منطقة اقتصادية حرة في دونباس أكبر انقسام بين الأوكرانيين، مع نسب متقاربة للغاية للمصوتين لصالحه وضده.
إلا أنّ تشالينكو قلل من أهمية "استطلاع عموم الشعب"، معتبراً إياه "حيلة لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية". وقال: "كانت كل استطلاعات الرأي تؤكد أن نسبة المشاركة ستكون ضعيفة، فتقررت إضافة السؤال حول حشيشة الكيف لجذب الشباب إلى مراكز الاقتراع، واقتراح سجن الفاسدين مدى الحياة الذي حظي بتأييد الناخبين من الفئات العمرية الكبيرة ودفعهم إلى المشاركة. أما السؤال الجوهري حول دونباس، فتم طرحه بصيغة لا تترتب عليها أي التزامات، بينما كان ينبغي ربطه باتفاقات مينسك للتسوية".
من جهته، رأى الكاتب الصحافي، قسطنطين سكوركين، أنّ "دورة السياسة الأوكرانية معروفة جيداً"، معتبراً أنّ زيلينسكي "يكرر مصير سابقيه لناحية انقلاب الجماهير المصابة بخيبة الأمل عليه". وفي مقال بعنوان "أولى هزائم زيلينسكي. الفشل في الانتخابات المحلية قد يدفع بحزب خادم الشعب إلى حافة الانقسام"، في صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية الروسية، رأى سكوركين أنّ "جائحة كورونا ألحقت ضربة قاصمة بصورة الرئيس وحزبه، إذ إنّ الإجراءات التقييدية الصادرة عن السلطات المركزية، أثارت ضيقاً بين السكان استثمرته النخب المحلية والمعارضة".
سكوركين: زيلينسكي يكرر مصير سابقيه لناحية انقلاب الجماهير المصابة بخيبة الأمل عليه
وأرجع كاتب المقال ضعف المشاركة إلى "فشل تعبئة أنصار زيلينسكي"، مشبهاً الاستطلاع الذي رافق الانتخابات بـ"تصويت عموم الشعب" في روسيا على "تصفير" عدد ولايات الرئيس فلاديمير بوتين في الصيف الماضي، في إشارة إلى التشكيك فيه من وجهة النظر القانونية.
ومن بين النتائج الهامة الأخرى للانتخابات، لفت سكوركين إلى زيادة شعبية "المنصة المعارضة - من أجل الحياة" بزعامة رجل الأعمال والسياسي الأوكراني المقرب من بوتين، فيكتور مدفيدتشوك، التي حلت بشكل نهائي محل "حزب الأقاليم" بقيادة الرئيس الهارب فيكتور يانوكوفيتش، مستردة دعم الناخبين في جنوب شرق البلاد وحتى في كييف، بينما حقق حزب بوروشينكو الموالي للغرب نتائج جيدة في غرب ووسط البلاد. وخلص سكوركين إلى أنّ فشل الحزب الحاكم في الانتخابات قد "يحفز عمليات الطرد في معسكر خادم الشعب، ويعزز المجموعات الداخلية، مما قد يدفع بالحزب إلى حافة الانقسام"، وفق اعتقاده.