يعتقد عضو البرلمان الأوروبي عن اليسار، ونائب رئيس لجنة البرلمان للصحة العامة، باس أيكهاوت، أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "يلعب لعبة سياسية تخدم مصالحه، من خلال حمقى يتوافقون مع أجندته"، قاصداً مؤيدي استيراد اللقاح الروسي المعروف بـ"سبوتنيك في".
وباستثناء المجر، التي تعاقدت فعلياً مع موسكو لاستخدام اللقاح الروسي، لا يبدو أنّ أيكهاوت هو الوحيد الذي لديه هذا الاعتقاد، إذ تبدو مواقف الأوروبيين حذرة، من اللقاح الروسي، خاصة تجاه ما يُخشى أن يكون "محاولة لشقّ صفوفهم"، كما يحذّر سياسيون ومشرّعون في أكثر من بلد أوروبي. وتتداخل السياسة في العلاج على خلفية توتّر علاقة موسكو بالاتحاد الأوروبي، الذي اعتبره وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أنه "شريك غير موثوق به"، وأعقب ذلك طرد ثلاثة دبلوماسيين، على خلفية الانتقادات لمحاكمة المعارض الروسي، أليكسي نافالني.
رئيسة وزراء ليتوانيا، إنغريدا سيمونيتي، اعتبرت في تغريدة على تويتر، أنّ اللقاح الروسي يُستخدم في سياق دعاية الكرملين، "فموسكو لا تخفي نياتها في تقسيم الاتحاد الأوروبي، باستخدام اللقاح كسلاح هجين"، الأمر الذي دفع السفارة الروسية في ليتوانيا إلى نفي اتهامات سيمونيتي، متهمة إياها بدورها بنشر "معلومات مضلّلة والإتيان بادعاءات لا أساس لها"، بحسب ما نشرت وكالة "تاس" الروسية، في 7 فبراير/ شباط 2021. وأصرّت سيمونيتي على موقفها، على اعتبار أنّ اللقاح الروسي "تجري تغطيته بطبقات عديدة من البروبغندا الروسية". ورغم أنّ مجلة "ذا لانسيت" العلمية، أشارت الأسبوع الماضي إلى أنّ "سبوتنيك في" فعّال بنسبة 91.6 في المائة، أي هو تقريباً بفعالية لقاحي "فايزر-بيونتك" و"موديرنا"، يعيش الأوروبيون على وقع توجّس من "محاولة موسكو تسويق اللقاح بشكل سياسي، يتجاوز استخدامه لحماية الشعب الروسي نفسه"، كما عبّر برلمانيون دنماركيون يعارضون أصوات يسارية تطالب بـ"فصل السياسة عن اللقاح".
هذه الخشية المتزايدة، في مختلف الأنحاء الأوروبية، عبّر عنها وزير الصحة الدنماركي، ماونس هيونكه، بقوله إنّها "لعبة جيوسياسية إلى حدّ بعيد"، مشيراً إلى أنّ أوروبا عليها ألا تغفل قراءة خطوة موسكو بالترويج للقاحها "للتقرّب من جيرانها في شرق أوروبا وجنوبها". فرئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، وقبل أن تقيّم الوكالة الأوروبية للأدوية، اللقاح الروسي وتضمنه، تعاقد مع موسكو على اعتبار أنّ "سبوتنيك" لقاح فعال لتطعيم شعبه.
وبغضّ النظر عن فعالية اللقاح الروسي، يبدو عملياً أنّ انقسام المواقف الأوروبية حوله، وحول التعامل بحذر مع روسيا بشكل عام، بات يتسلّل إلى داخل البلد الواحد، بين مختلف الأجنحة السياسية في برلمانات دول عدة.
فوزير الصحة الدنماركي في حكومة يسار الوسط، ماونس هيونكه، حذّر من أنّ "علينا أن لا نغمض أعيننا عن أهداف روسيا بالتسويق للقاح في دول أوروبية، هي جارتها، ومن ثم أعضاء في الاتحاد الأوروبي". وهو يشير إلى تسويق اللقاح في روسيا البيضاء وصربيا، والآن المجر. علماً أنّ لقاح "سبوتنيك في" يتعرّض لانتقادات، رغم تسويقه في المكسيك وإيران وفنزويلا وتونس، من بين دول أخرى خارج أوروبا، لناحية استخدامه في سياق "حملة دعائية روسية" لتحسين صورتها، بعد أن توتّرت علاقات القارة بموسكو إثر غزو أوكرانيا، (التي ترفض شراء لقاح سبوتنيك)، وضمّ شبه جزيرة القرم في 2014.
يرى اليساري الأوروبي - الهولندي، أيكهاوت، أنّ أوروبا في مواجهة "لقاح سياسي يلعب من خلاله (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) لعبته التي تعتمد على أغبياء، نجدهم دوماً في أوروبا لقبول أجندته"، منتقداً قبول رئيس الوزراء المجري، القومي المحافظ، فيكتور أوربان، اللقاح حتى قبل اعتماده من الوكالة الأوروبية للأدوية.
صحيح أنّ أوروبا تعيش هذه الأيام نزاعاً حول اللقاحات، إلا أنّ السياسة المتّبعة في تبنيها الجماعي للقاحات، من خلال "وكالة الأدوية"، نيابة عن الدول الأعضاء، لم تشمل من بين 6 لقاحات، اللقاح الروسي، الذي تعاقد أوربان على شراء الملايين منه، في يناير/ كانون الثاني الماضي. ووجّهت بودابست انتقادات إلى المفوضية الأوربية ووكالتها للأدوية، بسبب عدم منح بلاده رخصة شراء اللقاح الروسي، فاختار المضي وحيداً وخارج التوافق الأوروبي. ولا يبدو أنّ المجر وحدها تغرّد خارج التوافق. فقد صرّح، الجمعة الماضية، رئيس وزراء جمهورية التشيك، أندريه بابيس، بعد لقاء جمعه بأوربان، أنّ "اللقاح ليس مسألة سياسية، نحن نحتاج إلى اللقاحات، ونحتاجها الآن". وسبق للصين أن دخلت على خطّ الخلافات الأوروبية التي ولّدها انتشار الجائحة في ربيع العام الماضي، ضمن ما سُمي "دبلوماسية كورونا"، التي حاولت جذب مواقف التشيك وإيطاليا وإسبانيا وبولندا والمجر، من خلال "معونات" سرعان ما تبيّن أنّ بعضها غير صالح.
والمثير في السجال الأوروبي الذي سبّبته موسكو، أنّ المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أعلنت أنّ "أوروبا ترحّب بكلّ اللقاحات"، بحسب ما نقلت محطة "آ ردي" الألمانية، الأسبوع الماضي. واعتبر مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، الجمعة الماضية، أنّه "سيجري فحص لقاح "سبوتنيك في" المضاد لكورونا من قبل الوكالة الأوروبية للأدوية في القريب العاجل"، ما ترك الباب مفتوحاً أمام اللقاح الروسي، في أثناء زيارة الرجل للكرملين، بعد التوتر بينه وبين التكتل الأوروبي. ونقلت صحيفة "فيلت أم سونتاغ"، نهاية الأسبوع الماضي، عن المستشار النمساوي، سيبستيان كورتز، قوله إنّ "منتجي الأدوية في النمسا مستعدّون للبدء بتصنيع اللقاح (الروسي) حال موافقة وكالة الأدوية الأوروبية عليه".
يقترح مشرّعون دنماركيون معنيّون بالشؤون الأوروبية، حلاً لهذا الجدل الأوروبي حول لقاح سبوتنيك، إذ اعتدمته وكالة الأدوية، من خلال "تصنيعه في معامل أوروبية بدل الهندية والروسية، حتى يتسنى ضمان أنه يُنتج وفق المعايير الأوروبية"، بحسب ما قال مقرّر شؤون الاتحاد الأوروبي في البرلمان الدنماركي عن حزب "فينسترا" (يمين وسط)، يان يورنسون، اليوم الأربعاء.
ويتّفق هذا المشرّع مع زملاء له من أحزاب المحافظين واللائحة الموحدة اليسارية، على أن "تصنيع اللقاح داخل الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون كبيراً وسريعاً، وبالتالي يمكن أن يُرسل فائض التصنيع إلى الدول النامية التي لا تستطيع إنتاج اللقاح". واعتبر اليمين المتشدّد أنه يجب القبول باللقاح الروسي، بغضّ النظر عن الموقف السياسي من بوتين، وتساءل أليكس أرينتسن، من حزب "الشعب الدنماركي" اليميني، قائلاً: "هناك أيضاً من كان لا يعجبه ترامب، فهل هذا كان سيعني عدم قبول اللقاح الأميركي؟". واعتبر عضو البرلمان الدنماركي عن اليسار، سورن سونغاورد، "أنّ ما تواجهه البشرية وباء، لا يجب أن تعترض السياسية علاجه".